الشراكة مع القطاع الخاص .. خيار استراتيجي لا مناص منه
د. محمد حيدر محيلان
26-11-2025 12:00 PM
يشدّد جلالة الملك عبد الله الثاني، مرة بعد أخرى، على ضرورة إدامة التنسيق مع القطاع الخاص والبحث عن شراكات واستثمارات جديدة، في رسالة واضحة بأن المرحلة الاقتصادية المقبلة لا تحتمل التباطؤ أو الاجتهادات المتفرقة، بل تتطلب منظومة عمل موحّدة تجمع الدولة والمستثمرين على طاولة واحدة. هذه التوجيهات ليست مجرد جملة عابرة في اجتماع حكومي، بل تعبير مباشر عن قناعة ملكية راسخة بأن النمو الاقتصادي الحقيقي لا يتحقق إلا بشراكة متوازنة تُحسن توزيع الأدوار وتوحّد الجهود.
يأتي هذا التأكيد الملكي في وقت يواجه فيه الاقتصاد الأردني تحديات مركّبة: تباطؤ في الاستثمار، ضغوط مالية مستمرة، منافسة إقليمية متسارعة، وتحولات في طبيعة الأسواق. ووسط هذه التعقيدات، يبدو الانتقال نحو نموذج اقتصادي تشاركي خيارًا استراتيجيًا لا مناص منه. فالاقتصادات الأكثر نجاحًا في المنطقة — من الإمارات إلى السعودية — اعتمدت على تفعيل الشراكات مع القطاع الخاص كأداة أساسية لجذب الاستثمارات، وخلق فرص العمل، وتحسين جودة الخدمات.
لماذا يصرّ جلالة الملك اليوم على تعزيز التنسيق أكثر من أي وقت مضى؟ لا يغيب عن بصيرة جلالته الفجوة الواضحة بين الإمكانات المتاحة والنتائج المتحققة ، فالقطاع الخاص الأردني يمتلك طاقات كبيرة وقدرات ابتكارية، لكنه يصطدم أحيانًا بتعقيدات بيروقراطية، وببيئة تنظيمية تتغير بسرعة، وبطء في اتخاذ القرارات. وفي المقابل، تتوقع الحكومة من القطاع الخاص دورًا أكبر في توظيف الشباب وتطوير القطاعات الإنتاجية، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون توفير بيئة أعمال مستقرة ومحفّزة.
إن تأكيد جلالة الملك وتشديده المستمر على التشاركية مع القطاع الخاص يعكس إدراكًا واضحاً أن الثقة بين الطرفين هي الأساس. فدون الثقة، لا يمكن توقّع شراكات مستدامة، ولا يمكن إقناع المستثمر المحلي أو الأجنبي بتوسيع أعماله. الثقة تُبنى عبر الوضوح، وسهولة الإجراءات، والشفافية، ووجود قنوات تواصل دائمة وليست ظرفية وطارئة.
هذا التوجيه المستمر من جلالة الملك اشارة خطر وتنبيه أيضًا أن الاقتصاد الأردني يحتاج إلى مرحلة جديدة من الجاذبية الاستثمارية المبنية على قطاعات واعدة مثل التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والصناعات المتقدمة، والسياحة النوعية، والخدمات اللوجستية. وهذه القطاعات تحديدًا تعتمد على شراكات قوية بين الدولة والقطاع الخاص، وعلى قدرة الطرفين على تبادل الأدوار بمرونة وكفاءة.
فكانت دعوة الملك دائماً ليست مجرد مطالبة بالتعاون، بل مطالبة بإعادة تعريف العلاقة بين القطاعين:
الدولة تتحول من منفّذ لكل شيء إلى مخطط ومنظّم وقائد للتوجهات الاستراتيجية، بينما يضطلع القطاع الخاص بدور المنفّذ والمبتكر والمستثمر. وهذه النقلة ليست سهلة، لكنها ضرورية لتعزيز الإنتاجية ورفع معدلات النمو وتوفير فرص عمل ذات قيمة مضافة.
يحمل خطاب الملك رسالة واضحة: لا تنمية دون شراكة، ولا شراكة دون تنسيق، ولا تنسيق دون ثقة. وعلى الحكومة والقطاع الخاص التقاط هذه الرسالة وتحويلها إلى خطط قابلة للتنفيذ، بعيدًا عن الاجتماعات الشكلية أو التعهدات غير المُلزمة. فالمواطن ينتظر نتائج ملموسة، والاقتصاد بحاجة إلى قفزات نوعية، والدولة تتطلع إلى نموذج اقتصادي جديد أكثر مرونة وفعالية. الشراكة هي خيارنا الوحيد بل طريقنا الاجباري للمستقبل ، والا فالجهود مضيعة والقدرات مشتتة والطاقة مهدورة والافكار حبيسة الادراج.