facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




سباق المشاهدات يُفقد المواقع الإخبارية بوصلتها ومصداقيتها


م. أحمد المجالي
26-11-2025 09:36 PM

في عالم تتسارع فيه الأخبار وتتشابك فيه الحقائق بالشائعات، بات الإعلام يملك قدرة هائلة على توجيه العقول وصناعة المزاج العام بطريقة قد لا ينتبه لها كثيرون. فالناس اليوم تستمد فهمها للواقع من المواقع الإخبارية أكثر من أي مصدر آخر، وتتبنّى ما تتلقّاه دون تمحيص، فتنقل ما قرأته إلى مواقع التواصل، فتتسع دائرة التأثير، ويزداد سريان الطاقة التي تحملها تلك الأخبار، لأن الطاقة بطبيعتها معدية، وما هو سلبي يجذب سلبياً آخر، حتى يصبح المجتمع محاطاً بموجة لا تنتهي من الإحباط والتشاؤم.

وفي الأردن على وجه الخصوص، تتزايد أعداد المواقع الإخبارية بشكل لافت، حتى بات بعضها يعمل بلا بوصلـة واضحة ولا مسؤولية تحريرية. فوسط السباق المحموم على المشاهدات، لجأت كثير من هذه المواقع إلى تضخيم الأحداث، وصياغة عناوين لا تمت للخبر الحقيقي بصلة، ونشر مواد تُفتقر إلى التحقق والدقة، ما جعل القارئ يعيش في حالة من القلق المستمر. ومع تكرار هذا النمط، تتكون لدى الناس صورة قاتمة عن الواقع، صورة لا تعكس الحقيقة بقدر ما تعكس رغبة تلك المنصات في تحقيق أكبر قدر من التفاعل، ولو على حساب وعي المجتمع وصورة الوطن.

والمؤسف أن بعض المواد المنشورة لا تكتفي بالتشويه، بل تُسهم في إضعاف ثقة المواطن بمؤسساته ومجتمعه، وتخلق انطباعات خاطئة تصل للعالم الخارجي، ما يؤثر على السياحة والاستثمار وسمعة الدولة. وفي كل مرة يتداول فيها الناس خبراً سلبياً أو عنواناً مثيراً، تتسع دائرة التساؤلات: أين رؤساء التحرير؟ أين دورهم في حماية المهنة؟ ولماذا يُسمح بمرور عناوين تُضلل القارئ بدلاً من أن تعكس مضموناً صادقاً ومسؤولاً؟.

إن غياب الدور الرقابي داخل المؤسسات الإعلامية جعل الفوضى تتوسع، وأفسح المجال لمحتوى غير مهني يجد طريقه إلى الجمهور بسهولة. فالصحافة ليست سباقاً نحو “الترند”، بل مسؤولية أخلاقية ومهنية قبل كل شيء. ومتى فقد الإعلام هذا الدور، تحول من وسيلة للتنوير إلى أداة تُعيد إنتاج الطاقات السلبية، وتُضعف ثقة الناس بالواقع، وتساهم في خلق حالة من الإحباط الجماعي.

وفي المقابل، نجد في بعض البلدان العربية تجارب إعلامية ناجحة جعلت من الإيجابية منهجاً، ومن إبراز قصص النجاح هدفاً، ومن تعزيز روح التحدي والمنافسة ثقافة يومية. ولم يكن ذلك على حساب نقل الحقيقة، بل من خلال تقديم المشكلة بموضوعية، وطرح الحلول، والتركيز على الإنجازات التي تُحفّز المجتمع وتشجّعه على البناء بدلاً من الاستسلام لدائرة الإحباط.

ولتحقيق توازن صحي في المشهد الإعلامي الأردني، لا بد من خطوات واقعية تعيد الأمور إلى مسارها الصحيح. فالمطلوب ليس تقييد الحريات ولا الحد من دور الإعلام، بل تنظيمه ليؤدي رسالته الحقيقية. ومن بين أهم الخطوات الضرورية: إعادة ضبط جودة المحتوى التحريري، ووضع معايير مهنية واضحة تُلزم المواقع بصياغة دقيقة ومسؤولة، وإنشاء مدونة سلوك وطنية تحاسب على التضليل وتمنع المبالغة في العناوين. كما أن تعزيز دور الجهات الرقابية بشكل ذكي ومرن يضمن حماية المهنة دون المساس بحرية التعبير، إضافة إلى ضرورة توعية الجمهور نفسه، ليصبح قادراً على التمييز بين الخبر الصحيح والسلبيات المفتعلة.

ولا يقل أهمية عن ذلك ضرورة تسليط الضوء على قصص النجاح والإنجازات الوطنية، ونشر الطاقات الإيجابية التي تُسهم في تقوية الانتماء وتعزيز الثقة، فلا يجوز أن تظل الصورة العامة محصورة في الأخبار المحبطة، بينما يحقق الأردن وأبناؤه الكثير من النجاحات التي تستحق أن تظهر للناس. إن الإعلام الذي لا يوازن بين السلبي والإيجابي يفقد دوره الوطني ويُسهم في هدم معنويات المجتمع.

في النهاية، يبقى الإعلام مسؤولية عظيمة، والطاقة التي يحملها المحتوى تنتقل إلى الناس وتشكّل وعيهم بشكل مباشر. وإن استمرار بعض المواقع في نشر محتوى سلبي ومبالغ فيه يعني مزيداً من التشويه، ومزيداً من الإحباط، ومزيداً من إضعاف الثقة العامة. لذلك لا بد من رقابة واعية، ومسؤولية مهنية، ووعي جماهيري يرفض التضليل ويُطالب بمحتوى يحترم عقله ويخدم وطنه. فالإعلام القوي لا يُقاس بعدد المشاهدات، بل بقدرته على بناء مجتمع واعٍ، متفائل، ومتماسك، يعرف الحقيقة، ولا يسمح للسلبيات أن تقوده أو تسيطر على مستقبله.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :