facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حين تحقق "الرمثا" معنى أن الدولة أقوى من الخطر


فيصل تايه
27-11-2025 08:57 AM

اعاد الحدث الأمني الذي شهدته مدينة الرمثا مؤخراً تسليط الضوء على التحديات التي يواجهها الأردن في الحفاظ على استقراره الداخلي وحماية نسيجه المجتمعي من محاولات الاختراق الفكري والانفلات السلوكي ، فجاءت العملية الأمنية تعبيراً عن يقظة دولة تدرك أن الخطر حين يتسلل إلى داخل المدن، مهما بدا محدوداً، يمثل اختباراً مباشراً لهيبتها وقدرتها على فرض سيادة القانون.

مدينة الرمثا، بطبيعتها الحدودية، كانت دائماً أقرب خطوط التماس مع المحيط المضطرب ، لكن خصوصية ما حدث هذه المرة تكمن في أن التهديد نشأ داخل البيئة المدنية، لا خارجها، وأنه حاول أن يجد لنفسه مساحة حركة وسط حياة يومية هادئة ، وهذا النوع من التحديات هو الأصعب في المواجهة، لأنه لا يعلن عن نفسه عبر مظاهر صاخبة أو مؤشرات تقليدية ، لاكنه ينمو في الظل، ويتغذى على خطاب منحرف يتسلل إلى الأفراد عبر قنوات معقدة يصعب رصدها بسهولة.

في المقابل، أظهرت الأجهزة الأمنية قدرة لافتة على التعامل مع الحدث بسرعة ودقة ووعي بطبيعة المكان وحساسية البيئة الاجتماعية ، فالعملية التي نفذت لم تكن مجرد تحرك أمني تقليدي، بل كانت عملاً محسوباً يوازن بين ضرورة الحسم ومتطلبات حماية المدنيين ، وفي بلد مثل الأردن، حيث يتقاطع الأمن مع الاستقرار الاجتماعي بصورة عميقة، يصبح هذا النوع من العمليات معياراً على احتراف مؤسسي لا يتحرك بروح رد الفعل، بل بمنهجية قائمة على المعرفة والاستخبار المتقدم والقراءة الدقيقة للسلوك الفردي والجماعي.

غير أن البعد الأمني وحده لا يفسر الصورة كاملة ، فالمجتمع الرمثاوي نفسه كان طرفاً أساسياً في المشهد ، فالمواقف التي خرجت من أبناء الرمثا بعد الحادثة جاءت هادئة، وواقعية ، وتعكس أمراً مهماً ، أن الأردنيين يعرفون جيداً طبيعة الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه حين يتعلق الأمر بالأمن الوطني ، وهذا الوعي الشعبي ليس تفصيلاً ثانوياً، بل هو حجر الزاوية في معادلة الاستقرار ، فالدولة تستطيع أن تواجه التهديد، ولكن المجتمع هو من يمنع جذوره من التمدد وعندما يرفض الناس بشكل قاطع أي محاولة لخلق بيئة حاضنة للخطر، فإن ذلك يقطع الطريق على كل محاولة للعبث بالأمن من الداخل.

وفي الخلفية الواسعة للمشهد، يقف الواقع الإقليمي بامتداداته الثقيلة ، فالأردن محاط بسياقات سياسية وأمنية شديدة التعقيد، من حدود ملتهبة إلى تيارات فكرية عابرة للدول تستثمر الفوضى لتعيد إنتاج نفسها ، ومن الطبيعي في ظل هذا الواقع أن تحاول بعض الأفكار المتطرفة أن تجد لنفسها منفذاً، أو أن تستغل الظروف الاقتصادية والاجتماعية لإغراء بعض الأفراد أو دفعهم نحو انزلاقات خطيرة ، ولهذا، فإن ما حدث في الرمثا ليس حدثاً محلياً صرفاً ، إنه جزء من صراع أوسع بين الدولة التي تحاول حماية استقرارها، وبين موجات خارجية لا تكف عن محاولة اختراقه.

لكن ما يجعل الأردن مختلفاً هو قدرته الدائمة على إدارة هذه التحديات بوعي جماعي يتجاوز مستوى المؤسسات إلى مستوى المجتمع نفسه ، فمن يتتبع مسار الدولة خلال العقدين الأخيرين يدرك أن قوة الأردن لم تتأت فقط من الأجهزة الأمنية، بل من الثقة المتبادلة بينها وبين الناس، ومن الإيمان العميق بأن الأمن هو الشرط الأول لكل شيء آخر ، فالدولة التي تهتز أمنياً لا تستطيع أن تصلح اقتصاداً، ولا أن تبني سياسة، ولا أن تحافظ على لحمتها الداخلية ، ومن هنا جاء الوعي الجمعي الذي تكرس عبر الزمن ، ليكون ضرورة وجودية.

ولذلك، فإن أحداث الرمثا لم تكشف عن تهديد بقدر ما كشفت عن قدرة الدولة على الحسم، وقدرة المجتمع على الوعي، وقدرة الطرفين على إدراك أن صيانة الأمن هو ممارسة يومية ، فقد أعادت هذه الأحداث التأكيد على أن الأردن، رغم كل ما يمر به من ضغوط وتحديات، ما يزال قادراً على ضبط إيقاعه الداخلي، وعلى منع أي خلل ، وعلى حماية استقراره بوسائل تتطور باستمرار.

ختاماً، يمكن القول إن ما جرى في الرمثا لم يكن هزة، بل اختباراً لدولة عرفت كيف تبقى متماسكة في منطقة لا تعرف الثبات، ولمجتمع أدرك أن الأمن ليس مسؤولية جهة واحدة، بل مسؤولية وطن بكامله ، وفي بلد مثل الأردن، حيث يتقدم الأمن على كل شيء، تثبت كل مواجهة "مهما صغرت أو كبرت" أن هذا الوطن ما يزال يمتلك القدرة على حماية نفسه، وعلى العبور من الأزمات دون أن يفقد اتجاهه.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :