لا شيء يشبه تلك اللحظة التي تنساب فيها نغمة جميلة إلى أذني، فتوقظ في داخلي شيئًا يشبه الحياة. الموسيقى ليست مجرد أصوات مرتبة، بل هي لغةٌ تتجاوز الكلمات، وتخاطب الروح مباشرة. وحين أسمع موسيقى حلوة، أشعر وكأن العالم بأكمله يفسح لي الطريق لأرقص، لأتنفس، ولأعيش اللحظة بكل ما فيها.

اعتدتُ أن أتمايل مع النغمات دون خجل، وكأن جسدي يفهم اللغة التي لا يعرفها لساني. هناك موسيقى تلمس القلب، وأخرى توقظ الذكريات، وثالثة تجعل قدمي تتحركان دون استئذان. ومن بين كل تلك الألحان التي مرّت في حياتي، تبقى رقصة "زوربا" و"ثلاث دقات" تحت المطر لحظة محفورة في الذاكرة. كان المطر ينهمر ببراءة، وكان الإيقاع يتصاعد، وكلما زادت ضربات الموسيقى، شعرتُ أن العالم يرقص معي.

الموسيقى تمنحنا فرصة لنكون أنفسنا دون قيود. هي مساحة نختبئ فيها من ضجيج الحياة، أو نواجه بها تعب الأيام. قد تكون مصدر شغف، أو علاجًا، أو حتى صديقًا صامتًا يسافر معنا في الطريق الطويل.

عندما أسمع موسيقى ساحرة، أشعر أنني لا أملك السيطرة على قلبي أو على خطواتي. هناك قوة خفية تدفعني للحركة، للابتسام، وربما للبكاء. الموسيقى تجردنا من الأقنعة، وتعيدنا إلى حقيقتنا الأولى: بشرٌ يبحثون عن لحظة انسجام مع هذا الكون الواسع.

ولهذا، ستظل الموسيقى عالمي المفضل، اللغة الوحيدة التي لا أخطئ فهمها، والملاذ الذي يلملم روحي حين تتعب. سأظل أرقص كلما سمحت لي النغمة، وسأترك قلبي ينهمر كما ينهمر المطر، لأن الموسيقى هي الحياة… وأنا أحب أن أعيشها رقصًا.

*د.صالح سليم الحموري/ خبير التدريب والتطوير كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية.