facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قامتان .. وذكرى


د. أحمد ذوقان الهنداوي
28-11-2025 09:37 PM

في مثل هذا اليوم، لا نُحيي ذكرى استشهاد رجلٍ عادي… بل نستحضر وطناً كان يمشي على قدمين... وصفي التل، القامة التي ارتفعت فوق المناصب، والاسم الذي لم تهزّه العواصف، والقيمة التي بقيت رغم غياب الجسد... ذكرى متجددة لا تموت...

كان "وصفي" مشروع دولة اخلاقية، دولة تبنى على صدق الإنتماء لا على الإدعاء... على جد العمل لا على االجدل... في مسيرة هذا الرجل كان الوطن هو البوصلة والقائد والشعب وخدمتهما هما الهدف والغاية... كانت الكلمة وعدا لا ينكث... والرجولة سلوكا ونهجا لا وصفا...

اصطفى حينها رجلا آخر على شاكلته ليكون رفيق عمله ودربه، بل واكثر من ذلك، رفيق روحه وفكره وحلمه... "ذوقان"... صوته الموازي في الوطنية، وصديقه الذي تبادل معه الإيمان بالأردن كقدر ومسؤولية...

لم يك "ذوقان" مجرد زميل في حكومة ولا رفيقًا عابرًا في درب، بل كان صوتًا موازياً، وضميرًا يشبهه في الصلابة، وكتفًا حمل معه الأمانة ذاتها... وطنٌ لا يقبل القسمة، ولا يليق به إلا الشرفاء. كان الاثنان، "وصفي" و"ذوقان"، صفحة واحدة كتبتها الدولة، ورجلين جسّدا معنى الخدمة العامة حين كانت الوظيفة تكليفًا لا تشريفًا، ومسؤولية لا صورة... جمعت بينهما الصفات ذاتها... النزاهة، الشجاعة، الصلابة، الانتماء الصادق، واحترام الأردن والأردني حتى آخر حدود الكرامة... آمنا أن الجندي ليس مؤسسة وطن فحسب، بل هو جسد الأمة وعصبها، وأن المعلم عقلها وروحها... وأنهما مع الفلاح في قراها، والبدوي في صحرائها، واللاجئ في مخيماتها، والموظف البسيط في مدنها، جميعهم يشكلون أردنا واحدا لا يتجزأ...

وصفي... الذي قال يومًا إن الجيش هو "ملح الوطن"... وذوقان... الذي آمن أن التعليم هو "صناعة الإنسان الأردني الجديد"... تلك كانت رسالتهما... جيشٌ يحمي وفكرٌ يبني، وكلاهما ينهض بدولة تستحق الحياة والضوء... ويروي من عاصرهما أن النقاشات التي كانت تتم بين بين الرجلين لم تكن اجتماعات عمل فقط، بل كانت أمسيات فكر، ومساحات صدق، ونقاشات طويلة حول شكل الأردن الذي يريدونه... أردنٌ لا تسيّره المصالح، ولا تُدار وزاراته كغنيمة، ولا تُمنح المكانة إلا لمن صان الأمانة...

وفي كل رواية تُروى عنهما، كانت الصداقة أكثر من رابط شخصي؛ كانت شراكة فكر وحُلم ورؤية لدولة حرة منيعة، لا تتسع للفساد، ولا تنحني للضغوط، ولا تتبدل عند تقاطع المصالح. كانا مثالاً لجيلٍ أحب الأردن حتى الفناء، وخدمهـ قيادة وشعيل، دون انتظار مجدٍ أو تقدير أو منصب أو وسام...

اجتمعا على معنى واحد... أن الوطن ليس ورقةً في يد السياسة او التجارة، بل أمانةٌ تجري في الدم والعروق... كلاهما عاش منتميا لقائده ووطنه... صادقًا مستقيما... نزيها شريفا نظيفا... شجاعا صلبا جريئا.. عزيزا أنفا كريما... ومات كذلك... ماتا تاركين وراءهما إرثًا من شرف الموقف ونقاء اليد ورفعة العقل والسيرة والسمعة... كنز متوارث جيلا بعد جيل.. كنز ابدي لا ينضب...

وعندما رحل وصفي شهيدًا، بقي ذوقان واقفًا في الموقف ذاته ،وفي كل شهادة كتبها عن صديقه، كان صوته يرتجف بالحنين... وكأنه يقول: "لم يرحل وصفي، بل ترك فينا ما يكفي لنظل واقفين"...

اليوم، بعد أكثر من نصف قرن، ما زال الأردني حين يذكر "وصفي" يشدّ ظهره، وحين يسمع اسم "ذوقان" يبتسم بثقة أن النبل والنزاهة والإستقامة لم تكن يومًا حكاية عابرة، بل كانت تاريخًا له أبطال حقيقيون...

رحل "وصفي" شهيدًا، وبقيت قصته تمتد في الوجدان… ورحل "ذوقان" جسدًا، لكن مواقفه وعمله واستقامته باقية تضيء الذاكرة كما يضيء النبراس سواء السبيل... كلاهما غاب، لكنهما معًا يشكّلان، حتى بعد الرحيل، ميزانا ومرجعا ومعيارا أخلاقيا اساسا للعمل العام في هذا الوطن... اليوم، نتمسك بما دافعا عنه... دولة قوية، حرة، شامخة الرأس، بكرامة لا تُشترى، وبانتماء للوطن لا يتبدّل، وبوفاء لقائده لا يفت، وحب أجم لشعب طيب لا يبهت مهما مرّ الزمن....

رحم الله "وصفي" ورحم الله "ذوقان"... رجُلان لم يغيّرا الأردن بالكلام… بل غيّراه بالافعال.. وغيراه بالقدوة... ولعل أجمل الوفاء اليوم، أن نكون كما أرادوا لهذا الوطن أن يكون...

رحم الله الرجال القدوة وجزاهما عن وطننا وعنا كل خير...

إبنكم المحب...





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :