مدينة عمرة… بين الحلم الوطني وتجارب المدن الجديدة حول العالم
المهندس احمد الغزو
29-11-2025 10:43 PM
في لحظة فارقة من تاريخ التخطيط الحضري في الأردن، تُعلن الحكومة إطلاق المرحلة الأولى من مشروع مدينة عمرة، مدينة مستقبلية تمتد أعمال تطويرها 25 عامًا، وتُطرح باعتبارها الحل الأكبر لمواجهة التمدد السكاني والضغط المتزايد على عمّان والزرقاء.
مشروع ضخم… وتطلعات أكبر… لكن التجارب العالمية تقول دائمًا: المدن الجديدة لا تُنجحها النوايا، بل التخطيط والاقتصاد والشفافية.
فسنغافورة – النموذج التخطيطي المنضبط..
النجاح لم يكن صدفة، بل نتيجة:
كثافات عمرانية مدروسة بعناية
شبكة نقل عام سبقت الأبنية
اقتصاد تشغيل واضح قبل الطرح
إدارة تعتمد على البيانات والتحليل لا على الخطابات
اي ان المدينة لم تُبنى حول المباني… بل حول الحركة والاقتصاد والإنسان.
اما برازيليا.. حيث انتصر الشكل على الوظيفة...
فقد ظهرت مدينة ذات تصميم رائع، لكنها واجهت:
فجوات اجتماعية كبيرة
حركة معقدة وصعبة
مركز بلا حياة ولا اقتصاد متكامل
وبهذا فان الجمال المعماري وحده لا يصنع مدينة ناجحة.
اما التجربة المصرية وقد تكون الأقرب إلينا زمنًا وظروفًا... فإن العاصمة الإدارية المصرية الجديدة هي مدينة طموحة وضخمة ومبهرة عمرانيًا، لكنها كشفت تحديات مهمة:
تكاليف تضاعفت بفعل جائحة كورونا والأزمات الاقتصادية
فجوات بين حجم العرض العقاري وحركة الطلب
تأخر منظومة النقل في المراحل الأولى
صعوبة جذب الكثافة السكانية المطلوبة في السنوات الأولى..
ومن هنا نقول ان الموضوع ليس فشل او نجاح تجربة مدينة... فالمدن الجديدة تحتاج اقتصادًا يشغّلها، لا مجرد مبانٍ تملأها.
اما مدينة عمرة…حلمنا الاردنيين بمدينة نباهي بها العالم.. مدينة تدخل مسار التجارب العالمية في انشاء المدن الجديدة.. فهي فرصة ذهبية بشرط التخطيط الشمولي المستدام لكافة المساحة بما فيها المرحلة الاولى..لتكون الصورة واضحة والحلم واقعي...
المشروع كما سمعنا يحمل مزايا استراتيجية واضحة:
موقع محوري على خطوط إقليمية رئيسية
أراضٍ واسعة مملوكة للدولة
رؤية سكنية واستثمارية متكاملة
فرص حقيقية للشباب في التخطيط والإبداع
بنية تحتية نظيفة..
لكن النجاح لا يُقاس بالمساحة ولا الأبراج، بل بـ:
هيكل اقتصادي واضح وواقعي
جدول تنفيذي معلن للمرحلة الأولى والمراحل الكاملة
تمويل محكوم بقواعد واضحة
شبكة نقل عام فعالة قبل التوسع العمراني
توزيع عمراني اجتماعي متوازن.
شراكة مع القطاع الخاص في التخطيط والتصميم والتنفيذ
ان المطلوب اليوم هو انفتاح ومصارحة تطمئن الجميع..
لا أحد يشكك في نوايا التطوير، ولا احد يريد احباط الجهود .. لكن بالاطلاع نرى ان التجارب في المدن الجديدة عالميا تزدهر وتنجح عندما تُطرح أمام الناس بالتحليل، والدراسات، والاعتراف بالتحديات، والمشاركة بالخطط والتنفيذ .. اي ان نكون معا بالواقعية قبل الوعود.
لذلك ارى من الضروري:
1. إعلان الدراسات التخطيطية الشمولية والاقتصادية كاملة
2. توضيح آليات التمويل ومصادره
3. بيان الجدوى على المدى القصير والمتوسط والطويل
4. ربط مراحل التطوير بمؤشرات أداء قابلة للقياس
5. مشاركة القطاع الخاص في التخطيط والتصميم والتمويل
6. إشراك المجتمع المهني والأكاديمي في الرقابة والتقييم.
اما عن الاستدامة …فأرى انها مفتاح نجاح عمرة..
وذلك بأن..
الاستدامة الاقتصادية: ضمان عدم تحول المدينة إلى عبء مالي على الدولة
الاستدامة الاجتماعية: بإيجاد بيئة صالحة للعيش والعمل لجميع شرائح المجتمع
الاستدامة البيئية: بالاعتماد على الطاقة النظيفة، الطاقة الشمسية، تقنيات البناء المستدام، وإدارة المياه لتقليل استهلاك الموارد والحفاظ على بيئة صحية
الاستدامة التشغيلية: ضمان استمرار الخدمات بكفاءة وفعالية لعشرات السنين
مدينة عمرة ليست مجرد مشروع إسمنتي… بل مشروع دولة.
والمشاريع الوطنية لا تُقاس بالمؤتمرات، بل بالنتائج التي تُرى وتُلمس وتُحاسَب..
نحلم نحن الاردنيون بمدينة ذكية مدينة مستقبل..
نحلم ان تدرج مدينتنا على قائمة التجارب العالمية الناجحة..
لدينا ما شاء الله خبرات كبيرة..
نتطلع من خلالها الى تحقيق حلمنا..
فهلا نظرت حكوماتنا الى حلمنا...