facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




سردية الماضي مهمة .. ولكن سردية المستقبل أهم


د. صالح سليم الحموري
30-11-2025 10:38 AM

في كل أمة قصة تُروى عن ذاتها؛ قصة تبدأ من الماضي، من لحظات التأسيس والبطولة والرموز التي شكلت الهوية الجماعية. ونحن في الأردن، مثل غيرنا، نملك مخزوناً كبيراً من الذاكرة الوطنية يمنحنا جذوراً راسخة وشعوراً عميقاً بالانتماء. غير أن الاكتفاء بسردية الماضي وحدها، مهما كانت متينة، لم يعد كافياً في عالم يتحرك بسرعة الضوء.

فالماضي يخبرنا من كنّا، لكنه لا يجيب عن السؤال الأصعب: إلى أين نريد أن نذهب؟

وما لم نمتلك إجابة جماعية عن هذا السؤال، ستظل خطواتنا أسيرة ردّات الفعل، وأسيرة قصص الأمس… مهما كانت جميلة.

اليوم يعيش العالم لحظة تحوّل غير مسبوقة. فالذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل حياة البشر والوظائف والاقتصادات، والتحولات الجيوسياسية تربك مواقع الدول الصغيرة والمتوسطة، والضغوط الاقتصادية تتطلب نماذج إنتاجية جديدة، بينما ملايين الشباب في المنطقة يبحثون عن معنى ودور ومسار مفتوح نحو الغد. وفي وسط هذه العاصفة، يحتاج الأردن إلى ما هو أبعد من الخطط المتفرقة والاستراتيجيات الموجَّهة لقطاع دون آخر. يحتاج إلى سردية مستقبلية تقوده، وتوحّد جهوده، وتفتح أبواب المبادرة أمامه.

السردية ليست وثيقة حكومية ولا خطة تقنية. إنها إطار فكري وقيمي يجمع المجتمع والدولة والقطاع الخاص والشباب حول قصة واحدة: قصة الأردن الذي نريد أن نراه بعد 20 أو 30 عاماً.

سردية تجيب عن ثلاثة أسئلة بديهية في ظاهرها، وجودية في عمقها:
• من نحن؟
• ماذا نريد أن نصبح؟
• وكيف نصل إلى ذلك؟

إن غياب هذه السردية يخلق تشتتاً في الأولويات، وضبابية في الاتجاه، وميلاً دائماً لردّ الفعل بدل صناعة المستقبل. أما حضورها، فيمنح البلاد القدرة على تخيّل ذاتها من جديد، وصياغة أدوار أكثر طموحاً، وخلق فرص لم تكن مرئية من قبل.

يمكن للسردية الأردنية الممكنة أن تنطلق من ثلاثة محاور كبرى.

المحور الأول هو الإنسان الأردني: أن يصبح الاستثمار في التعليم والمهارات والصحة والإبداع أساس المشروع الوطني برمّته. أن يرى الأردن نفسه بوصفه "منصة لصناعة الإنسان المقتدر"، القادر على الابتكار والمنافسة في أي مكان من العالم.

أما المحور الثاني فهو اقتصاد الفرص: اقتصاد يقوم على ريادة الأعمال، واقتصاد المعرفة، والصناعات الإبداعية، والطاقة النظيفة، والخدمات العابرة للحدود؛ اقتصاد يعيد تعريف دور الدولة بوصفها ممكّناً للنشاط الاقتصادي، لا عبئاً عليه.

والمحور الثالث هو الهوية الإقليمية الجديدة للأردن: دولة مستقرة ومرنة، لكنها أيضاً مركز للتعليم المتقدم، ومختبر للسياسات الذكية، ومنصة للتقنيات المستقبلية، ومحرك للسلام الإقليمي.

هذه ليست طموحات مثالية، بل أهداف قابلة للبناء إذا ما وُضعت ضمن سردية وطنية كبرى تشترك في كتابتها كل القوى الحية: المفكرون والباحثون، الشباب، القطاع الخاص، مؤسسات المجتمع المدني، والخبراء في التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة. فالسردية لا تُفرض من فوق، بل تُبنى من تفاعل الطموحات والمخاوف والتطلعات.

إن امتلاك سردية مستقبلية يمنح الأردن مجموعة من المكاسب الجوهرية: وضوحاً في الأولويات، وثقة أكبر بين الدولة والمجتمع، وقدرة عالية على جذب الاستثمار، وإلهاماً للشباب يوقف نزيف الهجرة الطموحة، وتحول الأردن إلى لاعب مبادر لا تابع.

نحن بحاجة إلى قصة جديدة.

قصة تقول للعالم من نحن، والأهم: من نريد أن نكون.

قصة تمنح الأردن ثقة، واتجاهاً، ومعنى.

لسنا بحاجة إلى سردية مستقبلية لأن العالم يطالبنا بها،

بل لأن الأردن يستحق أن يصنع قصته المقبلة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :