مهرجان الزيتون والمنتجات الريفية .. عبق الريف وروح الأصالة الأردنية
فيصل تايه
01-12-2025 11:03 AM
قمت بالامس بزيارة معرض الزيتون والمنتجات الريفية المقام في مكة مول، ولأكون صريحا، لم تكن زيارة عابرة بقدر ما كانت تجربة مفعمة بالدهشة والاعتزاز ، فمنذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدمي أرض المعرض استوقفتني طريقة العرض المتقنة وتنظيم الأجنحة وثراء المنتجات الريفية والبلدية التي اصطفت أمام الزوار بكل أناقة وصدق ، فرأيت زيت الزيتون بعطره الذي يختصر جبال الوطن وأوديته، ورأيت المربيات والمخللات ومنتجات الألبان والصابون البلدي والعسل ، وكلها تعبر عن تراث حي وذوق أصيل وطاقة إنتاجية تستحق التقدير ، فشعرت بأنني أمام صورة مصغرة لريف الأردن معروضة بروح جميلة وبجهود واضحة تبعث في النفس الفخر والطمأنينة.
ولم يقتصر انطباعي الإيجابي على ما شاهدته فحسب، فخلال تجولي بين الأجنحة لفتني الإقبال الكبير من المواطنين الذين يقصدون المعرض يومياً، يتذوقون المأكولات التقليدية ويستعيدون ذكريات البيوت الأردنية القديمة، ويشترون ما يروق لهم من زيت الزيتون الذي يبقى سيد المائدة الأردنية، ومن مختلف المنتجات التي تعبر عن مهارة وتجربة وخبرة تراكمت عبر سنوات في بيوت المزارعين والنساء الريفيات.
ما يميز المعرض حقاً هو العروض الحية للمنتجات الريفية، بعض النساء الريفيات يقمن بصناعة "الاكلات" الشعبية وما لذّ منها وطاب أمام الجمهور، "كالمكمورة" حيث يفرن العجين وتحشى الحشوات الطازجة وتخبز أو تقلى أمام الزوار لتقدم ساخنة مباشرة ، كذلك يحضر المطبق والمعجنات التقليدية والفطائر والكعك البلدي والكنافة ، كما وتعرض المربيات والعسل الطبيعي للتذوق أو الشراء الفوري ، فهذه العروض الحية لا تمنح الزائر فرصة تذوق المنتجات فحسب، بل تسمح له بالاطلاع على المهارة والجهد المبذول في كل قطعة، وتحول التجربة إلى رحلة تفاعلية حقيقية تعكس الروح الأصيلة للريف الأردني.
ومع كل جناح مررت به كنت ألمس قصة كفاح وجهد، وأرى وجوهاً أنهكها العمل ولكن أضاءها الأمل ، فالعارضون هنا ليسوا مجرد باعة، إنهم أبناء الأرض، حاملو الموروث، الذين حافظوا على زراعة الزيتون وصناعة مؤونتهم المنزلية بحب وصدق وبساطة، وجاؤوا الى هذا المهرجان ليضعوا أمام المواطنين ثمار تعبهم، وليرسلوا رسالة واضحة مفادها أن المنتجات الوطنية قادرة على المنافسة، وقادرة على أن تكون مصدراً للدخل الكريم وللاستدامة الاقتصادية.
ومع أن أسعار زيت الزيتون شهدت ارتفاعاً هذا العام بسبب قلة الأمطار وارتفاع تكاليف الإنتاج، فإن الحديث مع المنتجين يكشف تصميمهم على تقديم زيت نقي وصاف وذي جودة عالية، محمل بعرقهم وإيمانهم بأن الزيتون ليس مجرد محصول، بل هو هوية وذاكرة ورمز الأرض ، اذ ان مساهمة المواطنين بشراء ودعم هذه المنتجات تجعل القطاع الريفي أكثر صمودا وتدعم استدامته الاقتصادية والاجتماعية.
ويبرز في المعرض دور المرأة الريفية بشكل لافت، حيث أثبتت حضورها وإبداعها في كل زاوية، من إعداد المأكولات الساخنة إلى تحضير منتجات يدوية دقيقة، مع الحفاظ على الأصالة والهوية ، فهذه المنتجات ليست مجرد سلع، بل هي حكايات بيوت وعائلات، ومصدر دخل واستقلالية وكرامة، ومساهمة مباشرة في الاقتصاد الوطني، ما يجعل تشجيع هذه المبادرات تمكيناً حقيقياً للمرأة الريفية وإعلاء لقيمة العمل اليدوي.
وبين ممرات المعرض شعرت بأنني لا أزور فعالية فحسب، بل أتجول في مساحة تعكس روح البلد وتراثه وذائقته ، مساحة تقول لكل زائر إن الأردن قادر على أن يحتضن إنتاجه، وأن ينهض بزراعته، وأن يمنح أبناءه الفرصة ليعرفوا بجهدهم ونتاج فلاحتهم ، فمن هنا، فإن تشجيع المواطنين على زيارة المعرض ليس فقط دعما للمنتجات الوطنية، بل هو مشاركة في قصة وطنية تكتب كل عام بعرق المزارعين وصبرهم.
إن تجربة زيارتي لهذا المعرض تركت في نفسي تقديراً عميقاً لكل من يقف خلف هذا الحدث، من مؤسسات رسمية وجهات داعمة ومنتجين ونساء ريفيات، وخرجت بقناعة راسخة أن دعم هذا القطاع ليس خياراً ثانويا بل ضرورة اقتصادية وثقافية واجتماعية ، فهذه المنتجات ليست مجرد سلع، إنها روح بلد وخير أرض وتعب سنين وشجرة زيتون لا تنحني.
بقي ان اقول : إن هذا المعرض ليس مجرد فعالية، بل منصة حياة وفرصة للارتقاء بالريف والمنتج الوطني، ولإظهار قدرة الأردنيين على الجمع بين الأصالة والابتكار ، وهو دعوة مفتوحة لكل مواطن لزيارة المعرض، لتذوق خيرات أرضنا، والاحتفاء بالهوية الأردنية الحقيقية التي تصنعها أيادي أبنائه وبناته الريفيات والمزارعين الأوفياء.
وأختم بالقول ان لا يمكن الحديث عن المعرض دون الإشادة بجهود وزارة الزراعة والمركز الوطني للبحوث الزراعية والجهات الداعمة، فقد أصبح هذا الحدث منصة سنوية ينتظرها المنتجون والمستهلكون على حد سواء، تتيح للمزارع فرصة عرض إنتاجه بشفافية وكرامة، وتعزز ثقة المستهلك بجودة السلع الوطنية.