facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إعادة الهيبة للغرفة الصفية .. القرار الذي طال انتظاره


فيصل تايه
04-12-2025 11:01 AM

كنت قد أمضيت سنوات طويلة مديراً لعدد من المدارس ، لكنني اليوم أجد نفسي أكثر يقيناً من أي وقت مضى بأن القرار الذي أعلن عنه معالي وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة ، والقاضي بعدم تعيين أي معلم اعتباراً من عام ٢٠٢٧ دون حصوله على دبلوم إعداد وتدريب المعلمين، هو قرار ضروري وجاء في اللحظة التي كان يجب أن يأتي فيها منذ زمن ، وبحسب ما صدر من معلومات رسمية، فإن النظام الناظم لهذا التوجه موجود حالياً في ديوان التشريع ، وسيبدأ العمل به اعتباراً من العام الدراسي ٢٠٢٨/٢٠٢٧، بحيث لا يسمح بالتدريس في قطاعات التعليم كافة لمن لا يحمل المؤهل العلمي في إعداد وتدريب المعلمين، مع اعتبار جميع العاملين في التعليم قبل صدور النظام مرخصين بموجبه.

لقد كنت شاهداً على موجات الإحالات المتلاحقة إلى التقاعد التي تطال دائماً نخبة من أمهر الزملاء المعلمين الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية التعليم لعقود، وكانوا يمتلكون الأدوات والمهارات والقدرة على الوقوف بثقة أمام طلابهم، يديرون صفوفهم بحرفية، ويحولون المادة العلمية إلى حياة نابضة داخل الغرفة الصفية ، لكن ومع خروج هؤلاء الأساتذة الكبار بفعل قانون التقاعد والسن، أصبحت مدارسنا تعتمد بشكل أكبر على دفعات جديدة من الزملاء المعلمين الذين يملكون المعرفة الأكاديمية لكنهم يحتاجون بشدة إلى الإعداد التربوي الذي يضمن جاهزيتهم المهنية.

لقد رأيت بعيني في مدارس مختلفة فجوة تتسع عاماً بعد عام بين الأجيال التعليمية ، فالمعلم كان يتقن إدارة الصف بالفطرة والتجربة والتكوين المهني، بينما كثير من المعلمين الجدد "رغم حماسهم وإخلاصهم" يدخلون الصف وهم يفتقرون إلى أساسيات التدريس الحديث، من تصميم الدروس إلى إدارة الوقت، ومن التعامل مع الفروق الفردية إلى توظيف الاستراتيجيات التعليمية التي ترفع مستوى المشاركة والتفاعل ، ولم يكن السبب ضعفاً في قدراتهم الفكرية، بل غياباً في الإعداد، وضعفاً في التأهيل، واختصاراً لطريق لا يجوز أن يختصَر في مهنة تقوم عليها نهضة المجتمع.

ومن هنا فإن اشتراط دبلوم إعداد وتدريب المعلمين قبل التعيين لم يكن خياراً إدارياً، بل هو استجابة واقعية لفجوة ميدانية لمسناها جميعاً ، فقد أصبحنا نرى معلمين يدخلون الصف بلا أدوات، فيضطرون للاجتهاد الفردي، ويقفون أمام الطلاب بتوتر أو ارتباك، أو يحاولون أن يكرروا ما شاهدوه خلال دراستهم دون امتلاك فهم حقيقي لاستراتيجيات التعلم، أو لطبيعة المراحل العمرية التي يدرسونها ، وكل هذا ليس ذنبهم، بل ذنب غياب منظومة تأهيل واضحة.

إن القرار الوزاري الجديد لا يحل مشكلة فحسب، بل يؤسس لمرحلة جديدة من المهنية في التعليم ، فهو يجعل من الاجيال القادمة الى سلك التعليم اشخاصاً مؤهلين قبل أن يدخلوا إلى الميدان، لا متعلمين في الميدان ، ويضمن أن من يقفوا أمام طلابتهم يعرفون كيف يُعلّمون ، لا فقط ماذا يُعلّمون ، وبذلك تمنح المدارس معلمين قادرين على إدارة بيئة تعلم حقيقية، وعلى استخدام أدوات التقييم الحديثة، وتطبيق أساليب تدريس تفاعلية تجعل الطالب شريكاً في إنتاج المعرفة لا متلقياً لها.

إنني أؤمن جازماً بأن هذا القرار سيكون له أثر عميق على جودة التعليم من جذوره ، فحين يصبح الإعداد التربوي شرطاً لا تفضيلاً ، سيعاد الاعتبار لمكانة المعلم، وستستعيد الغرفة الصفية هيبتها، وسنشهد انتقالاً تدريجياً نحو نموذج تعليمي أكثر نضجاً واستقراراً ، وفي الوقت نفسه سيوفر هذا القرار للمعلمين الجدد الثقة المهنية التي يحتاجونها ليقفوا أمام طلابهم بقوة واطمئنان، بعدما حصلوا على تدريب منهجي يرافق معرفتهم العلمية.

إنني ومن واقع خبرة طويلة، وبالنظر إلى واقع مدارسنا التي باتت تحتاج فعلاً وبشكل عاجل إلى هذا النوع من التأهيل ، اجد ان القرار ليس مجرد شرط جديد، بل خطوة إصلاحية ستحدد نوعية الأجيال القادمة، وستؤثر في مستوى التعليم لعقدين قادمين على الأقل ، وإذا أُحسن تنفيذ هذا القرار، وتم توفير برامج دبلوم بجودة عالية، فإننا سنرى معلمين قادرين، وصفوفا أكثر انضباطاً ، وتعلماً أكثر عمقاً، وطلاباً أكثر دافعية وثقة.

بقي ان اقول ان هذا القرار "إن كنا منصفين" ليس خطوة جريئة فحسب، بل خطوة إنقاذية تعيد ضبط البوصلة التربوية من جديد، وتمنح مهنة التعليم ما تستحقه من تقدير وإعداد ومهنية ، وإنني بصفتي مديرا سابقا لعشرات الزملاء المعلمين ومراقباً لمئات المواقف الصفية، أؤكد أن هذا التوجه الوزاري لم يعد ممكناً تجاهله أو تأجيله ، بل هو واجب تربوي ووطني ، سيحمل الأردن نحو مرحلة تعليمية أكثر استقراراً ونضجاً وتفوقاً .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :