facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العلاقات الأردنية الهندية .. أفقٌ متجدد للشراكة والدبلوماسية والمسؤولية


أ.د.فيصل الرفوع
04-12-2025 02:20 PM

بينما تستعد المملكة الأردنية الهاشمية لاستقبال دولة رئيس وزراء الهند، السيد ناريندرا مودي، Narendra Modi، في الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر 2025، في زيارة دولة تاريخية بدعوة من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين. وهنا تقف عمان ونيودلهي عند لحظة حاسمة في مسار علاقاتهما الطويلة والمميزة. فهذه الزيارة تتجاوز الطابع البروتوكولي بين حكومتين، لتشكل لقاءً استثنائيًا بين حضارتين عريقتين تحمل كلٌّ منهما ذاكرة ثقافية عميقة، وسلطةً معنوية، وثِقلاً جيوسياسياً، وشراكةً تحمل اليوم إمكانية التأثير في استقرار المنطقة وتعزيز التعاون العالمي.

لقد تبنى الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، سياسة خارجية قائمة على الاعتدال والحوار بين الثقافات والدبلوماسية المبدئية. أما الهند، أكبر ديمقراطية في العالم وقوة اقتصادية وتكنولوجية صاعدة، فتنظر إلى النظام الدولي برؤية تعددية وبراغماتية تستند إلى قيم السلام والانفتاح. ومعًا، تشكل مقاربتهما المتقاربة أساسًا قويًا لتعميق الشراكة والتفاعل البنّاء في غرب آسيا وما بعدها.

فعلى مدى العقود الماضية، تطورت العلاقات الأردنية–الهندية بشكل متدرج ومدروس، تشكّل عبره نسيجٌ من التفاعلات التاريخية والتكامل الاقتصادي والمسارات الثقافية الممتدة بين العالم العربي وشبه القارة الهندية، إضافة إلى الالتزام المشترك بقيم السلام والتنمية. ومع اقتراب زيارة رئيس الوزراء مودي، Modi، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في عمق هذه العلاقة، واستقراء مسار الشراكة السياسية والاقتصادية، وبحث الأسئلة الاستراتيجية الحاسمة التي تشكل توقعات الأردن لهذه الزيارة. ومن بينها دور الهند المحتمل في القضية الفلسطينية، وقدرة الأردن على الإسهام في تهدئة التوتر الهندي–الباكستاني، ومسؤوليات الهند الإقليمية كقوة علمية- طبية– تكنولوجية، والروابط الثقافية الممتدة بين البلدين، والمعايير الاقتصادية التي تصنع مستقبل الشراكة طويلة الأمد.

هذا التحليل يسعى إلى تقديم سردية ة شاملة تُكرِّم الماضي وتضيء رؤية مستقبلية للعلاقات الأردنية- الهندية.

وعلى الرغم من أن العلاقات الدبلوماسية بين الأردن والهند بدأت رسميًا عام 1950، فإن جذور التفاعل الوجداني والثقافي والاقتصادي بين المشرق العربي وشبه القارة الهندية تعود إلى آلاف السنين. فمن قوافل البهارات وطرق الحرير التي ربطت موانئ الهند بمراكز التجارة العربية، إلى الفلسفات المشتركة القائمة على التسامح والتعايش، حيث جمعت الحضارتين، العربية والهندية، صلاتٌ عميقة قبل نشوء النظام الدولي الحديث.

وبعد استقلال الهند، شهدت العلاقات الثنائية نموًا متسارعا؛ إذ رأى الأردن في الهند نموذجًا للنضال ضد الاستعمار وقيادةً أخلاقية لحركة عدم الانحياز بقيادة جواهرلال نهرو، فيما احترمت الهند استقرار الأردن واعتداله ودوره التاريخي في رعاية المقدسات بقيادة الأسرة الهاشمية. وقد عزّز التعاون المبكر في الأمم المتحدة الحوار السياسي بين البلدين، ومع مرور الزمن تشكل إطارٌ دبلوماسي متجذر، يقوم على احترام السيادة وحل النزاعات بالطرق السلمية والالتزام بالتعددية.

كما كان للزيارات المتبادلة رفيعة المستوى أثرٌ حاسم في تعميق العلاقات الأردنية- الهندية. فقد ارتقت زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى الهند، خاصة عامي 2006 و2018، بالشراكة إلى آفاق جديدة، وكان لخطاب جلالته في نيودلهي حول الاعتدال والتعايش صدى واسع، وعزز دور الأردن كصوت أخلاقي في مواجهة التطرف. كما أسهمت زيارات الوزراء الهنود إلى عمان في تعزيز التعاون في مجالات التعدين والأسمدة والدفاع والتكنولوجيا والطاقة، مما مهّد للمرحلة الحالية من الشراكة المتنامية التي تسعى زيارة رئيس الوزراء مودي Modi، إلى ترسيخها.

ويتقاطع الأردن والهند سياسيًا في رؤى عميقة تقوم على الاعتدال واحترام القانون الدولي والدبلوماسية متعددة الأطراف. فالأردن قوة استقرار في غرب آسيا، والهند فاعل عالمي يتميز بعلاقات متوازنة مع مختلف الأطراف الإقليمية، ما خلق تناغمًا دبلوماسيًا خاصًا بين البلدين. وتواجه عمان ونيودلهي تحديات متشابهة تتمثل في التطرف وعدم الاستقرار الإقليمي والدولي، والتحول الاقتصادي والحاجة إلى بناء اقتصاد معرفي شامل. وقد تطورت العلاقات السياسية عبر مشاورات متكررة حول قضايا الإقليم، خاصة القضية الفلسطينية وعملية السلام والديناميكية الأمنية الإقليمية. وتقدّر الهند موقف الأردن المبدئي تجاه النزاعات الإقليمية وجهوده في تعزيز الاستقرار، فيما يحترم الأردن سياسة الهند المتوازنة وتقاليدها في الاستقلالية الاستراتيجية.

لقد توسع التعاون الدفاعي ليشمل تبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب والتدريب العسكري، في ظل الأخطار العابرة للحدود التي تهدد الأمن العالمي. ومع التحولات الدولية وبروز تحالفات جديدة وصعود أدوار دولية متقدمة للهند، أصبح للحوار الأردني–الهندي أهمية متزايدة في صياغة خطاب مشترك لصالح الاعتدال والعدالة والحكم الرشيد.

وفي الجانب الاقتصادي، شهدت العلاقات الاقتصادية بين الأردن والهند نموًا سريعًا في السنوات الأخيرة، إذ تجاوز حجم التجارة الثنائية 4.4 مليار دولار في السنة المالية 2022–2023، مقارنةً بنحو 1.5 مليار دولار لعام 2018، وهو تطور يعكس زيادة حجم التبادل وتنوعه. حيث يصدر الأردن إلى الهند الفوسفات والبوتاس والأسمدة وحمض الفوسفوريك والمنتجات الكيميائية، بينما تستورد الأردن الأدوية والآلات والمنسوجات وقطع السيارات والمواد الغذائية والمشتقات البترولية.

ويشكل قطاع التعدين والأسمدة محورًا أساسيًا في هذه العلاقة، إذ تُعد الموارد الأردنية الحيوية ركيزة رئيسية للقطاع الزراعي الهندي، أحد أكبر مستهلكي الأسمدة في العالم. وقد أقيمت شراكات استراتيجية بين الشركات الهندية والمؤسسات الأردنية لتأمين سلاسل التوريد طويلة الأمد وبناء مصانع متقدمة، عبر اتفاقيات بمليارات الدولارات.

غيرأن آفاق التعاون تمتد إلى مجالات جديدة تشمل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وتقنيات المعلومات والذكاء الاصطناعي والصناعات الدوائية والقطاع اللوجستي والمنطقة الاقتصادية الخاصة في العقبة. وتنظر الهند إلى الأردن كبوابة آمنة إلى أسواق الإقليم، كما يوفر الأردن بيئة استثمارية مرنة وموقعًا استراتيجيًا مهمًا.

ومع سعي الأردن لتطبيق “رؤية التحديث الاقتصادي 2033”، وتوجه الهند نحو التحول الرقمي والاقتصاد الصناعي المتقدم، تبدو الشراكة الاقتصادية بين البلدين أكثر جاذبية، حيث يمكن بسهولة بلوغ هدف 5 مليارات دولار كحجم تجارة سنوي في حال تعزيز الربط والتسهيلات التجارية وتفعيل دور القطاع الخاص.

في حين تشكل العلاقات الثقافية والاجتماعية بين الأردن والهند امتدادًا لقرون من التفاعل الحضاري والتجاري بين الحضرتين، العربية والهندية. فقد سبقت صلات العرب بالهند ظهور الإسلام، وظلت الذاكرة التاريخية تؤطر هذا التقارب. ويستمتع المجتمع الأردني اليوم بالمطبخ الهندي والسينما والفنون والتقاليد الهندية، فيما يتزايد اهتمام الأردنيين باليوغا، والفن الكلاسيكي- التقليدي، والأدب الهندي.

كما أصبح التبادل التعليمي ركيزة أساسية للعلاقة، حيث تقدم الهند منحًا للطلبة الأردنيين في الطب والهندسة والعلوم الإنسانية وتكنولوجيا المعلومات.

ويوفر برنامج التعاون الاقتصادي والتقني الهندي (ITEC) تدريبًا مهنيًا للكوادر الأردنية في الإدارة، والزراعة، والصحة، والتكنولوجيا. كما تستقطب الجامعات الهندية الطلبة الأردنيين الباحثين عن تعليم متميز بتكلفة مناسبة.

وتواصل الروابط الشعبية النمو عبر المهرجانات الثقافية والشراكات الأكاديمية وحركة السياحة المتزايدة، مما يعزز التفاهم المتبادل ويمهّد لشراكات مستقبلية أعمق.

وفيما يتعلق في الصراع العربي الإسرائيلي، تتمتع الهند بمكانة فريدة تؤهلها للعب دور إيجابي في القضية الفلسطينية، وهي قضية مركزية في الأمن القومي العربي و الأردني والهوية الوطنية الأردنية. فقد حافظت الهند على موقف ثابت داعم لحقوق الشعب الفلسطيني منذ عهد نهرو وغاندي، ما منحها مصداقية لدى الفلسطينيين والدول العربية. وفي الوقت ذاته، تحتفظ الهند بعلاقات دبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل، مما يتيح لها التواصل مع الطرفين.
يرى الأردن في الهند “دولة جسر” يمكن لدبلوماسيتها المتوازنة والمبدئية أن تسهم في جهود التهدئة والدعم الإنساني والمبادرات التنموية. ولا تهدف الهند إلى استبدال الأطر القائمة، بل إلى دعمها عبر توفير قنوات للحوار، وتعزيز بناء المؤسسات الفلسطينية، وإسناد المبادرات الاقتصادية، والتمسك بالقانون الدولي كأساس لأي حل.، خاصة حل الدولتين.

إن مكانة الهند العالمية المتصاعدة—من خلال دورها في مجموعة العشرين والأمم المتحدة والبريكس BRICS— تمنحها قدرة على الدفع بجهود جديدة نحو حماية المدنيين ودعم مسار سياسي حقيقي يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ويثق الأردن بأن الهند ليست قوة كبرى فحسب، بل قوة مبدئية قادرة على تجديد الزخم في أحد أصعب نزاعات العالم.

ولطالما ارتكزت السياسة الخارجية الأردنية على الاعتدال والحوار وحل النزاعات سلميًا. ومع أن الأردن لا يسعى إلى لعب دور الوسيط المباشر بين الهند وباكستان، فإنه قادر على الإسهام عبر تأثيره الأخلاقي ورسائله الدبلوماسية لشجيع الحوار، خصوصًا أن التوتر في جنوب آسيا له انعكاسات واسعة على الأمن العالمي.

كما يحظى الأردن بعلاقات جيدة مع الدولتين، ويُقدَّر لنهجه المتوازن وحياده المبدئي. وبفضل خبرته الطويلة في إدارة النزاعات، يستطيع الأردن أن يشجع على بناء جسور الثقة وتفعيل التواصل غير الرسمي وتقديم رؤى حول أهمية الاستقرار الاقتصادي والثقافي والتعليمي الذي يتجاوز الخلافات السياسية.

لقد أصبحت الهند اليوم قوة عالمية في الصناعات الدوائية والذكاء الاصطناعي والبنية الرقمية والابتكار الطبي، وهو ما يرتب عليها مسؤوليات إقليمية تتماشى مع أولويات التنمية في الأردن. فالهند تمتلك القدرة على توفير أدوية ومستلزمات طبية منخفضة التكلفة، وتطوير أنظمة صحة رقمية، وإرسال فرق تدريبية، وهي فرص ثمينة لدعم القطاع الصحي الأردني، خاصة في ظل ضغط اللاجئين.

وفي مجال التكنولوجيا، توفر الهند خبرات مهمة في الأمن السيبراني والحكومة الإلكترونية والابتكار الرقمي والفضاء وتقنيات المياه. ويمكن لهذه القدرات أن تدعم جهود الأردن في معالجة تحديات شح المياه، والتحول إلى اقتصاد معرفي، وتعزيز الرقمنة. وهذا يعني إن الدور الهندي في غرب آسيا ليس اقتصاديًا فقط، بل إنسانياً وتنموياً أيضًا، ويعكس قيم الهند الحضارية في المسؤولية والتضامن والعدالة.

ولطالما كانت العلاقات الثقافية العربية–الهندية جزءًا من تاريخ مشترك امتد عبر طرق التجارة البحرية والبرية. ومن موانئ غوجارات Gujarat إلى العقبة، ومن الفلسفات الروحية إلى الفنون الشعبية، تشكلت شبكة واسعة من التفاعل الثقافي التي يمكن اليوم إعادة تفعيلها كأداة لتعزيز السياحة والصناعات الإبداعية والتفاهم الحضاري. ويمكن إحياء هذا البعد عبر شراكات أكاديمية في علم الآثار والتاريخ، ومعارض مشتركة حول طريق الحرير، وتعاون سينمائي وفني، وبرامج تبادل طلابي وثقافي. فهذه الجسور الثقافية تمثل قوة ناعمة تعزز الدبلوماسية وتدعم العلاقات في مجالات أخرى.

كما يمتلك البلدان، الأردن والهند، فرصًا واسعة لتطوير شراكة مستقبلية تقوم على التنويع الصناعي والتنمية المستدامة. فإلى جانب الأسمدة والمعادن، التي ستظل محورًا مهمًا، تبرز قطاعات جديدة مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وخدمات التكنولوجيا والصناعات الدوائية، والتقنيات الزراعية، والبيولوجيا الصناعية، واللوجستيات.

ويمثل الأردن بيئة استثمارية واعدة للشركات الهندية، بما يملكه من موقع استراتيجي واستقرار سياسي وحوافز اقتصادية. كما تستطيع الخبرات الهندية في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي والطاقة النظيفة دعم خطط الأردن التنموية. وتبرز كذلك فرص التعاون في إدارة المياه ومواجهة آثار تغير المناخ.
ومع تعزيز الربط الجوي والبحري وزيادة انخراط القطاع الخاص، فإن حجم التجارة سيتجاوز بسهولة المستويات الحالية، ويمكن تحقيق الطموح الثنائي بالوصول إلى 5 مليارات دولار سنويًا.

تأتي زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي Narendra Modi، إلى الأردن في زمن يشهد تغيرات دولية متسارعة، إلا أنها تحمل في طياتها فرصًا واعدة. ومع رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني القائمة على التعايش والمسؤولية الإنسانية والاستقرار الإقليمي، يبدو الأردن شريكًا طبيعيًا للهند—قوة عالمية صاعدة تتقاطع قيمها مع المبادئ الأردنية.

إنها شراكة بين بلدين يجمعهما التاريخ والمبادئ والطموحات المشتركة نحو عالم أكثر سلامًا وازدهارًا. وهي شراكة تعبّر عن تطلعات الشعبين ومسؤوليات قيادتيهما، وقادرة على التأثير في مسار العلاقات الثنائية والإقليمية والدولية.

ومع بدء فصل جديد من التعاون، ينطلق الأردن والهند بثقة واحترام متبادل وإيمان راسخ بأن التعاون—المرتكز على الحكمة والعدل وكرامة الإنسان—هو الطريق الأسلم نحو مستقبل أفضل للجميع.

* أ.د فيصل الرفوع/ رئيس جمعية الصداقة الأردنية– الهندية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :