facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الجهة المؤهلة لتحمل مسؤولية إعداد وتدريب المعلمين


فيصل تايه
07-12-2025 11:18 AM

في سياق التحول التربوي الذي تمر به منظومتنا التعليمية ، برز القرار الذي اتخذته وزارة التربية والتعليم والقاضي بعدم تعيين أي معلم اعتباراً من عام ٢٠٢٧ دون حصوله على دبلوم إعداد وتدريب المعلمين، وهو قرار يعيد الاعتبار لمهنية التعليم ويرفع سقف التوقعات من المعلم قبل أن يدخل الغرفة الصفية.

الا انه ومع أهمية القرار، وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن إعداد معلم قادر على الوقوف بثقة أمام طلبته ، تبرز تساؤلات جوهرية تتعلق بالجهة التي تمتلك القدرة الحقيقية على تحمل مسؤولية إعداد المعلم إعداداً فعلياً لا شكلياً ؟ فالتاهيل والتدريب الحقيقي لن يتحقق بمجرد الاعتماد على دراسة نظرية أو مساقات أكاديمية جافة ، ذلك إن الفجوة بين المعرفة الأكاديمية والمهارة الصفية أصبحت اليوم أكبر من أي وقت مضى، وأنها فجوة لا تسد إلا بالتدريب العملي الحقيقي، لا بالمساقات الورقية.

إن أغلب الجامعات الأردنية "مع الاحترام" تقدم برامج نظرية خالصة تفتقر إلى التدريب العملي، ولا توفر بيئة ميدانية حقيقية تسمح للمعلم أن يختبر قدراته، أو يتعلم من أخطائه، أو يمارس إدارة الصف على أرض الواقع ، وهذا يعني أن الطالب يتخرج وهو يمتلك "معرفة عن التعليم" لكنه لا يمتلك "قدرة على التعليم" ، وهي ثغرة إذا لم تغلق ستجعل القرار الجديد مجرد وثيقة لا أثر لها.

انني ومن واقع خبرتي المهنية الممتدة، والتي شملت تدريب مئات المعلمين على استراتيجيات التدريس الحديثة وأساليب إدارة التعلم، فقد أدركت أن المعلم لا يكتمل تكوينه إلا عندما يخوض تجربة صفية فعلية ، فمن خلال مشاركتي بشكل مباشر في برامج تطبيقية متقدمة بالشراكة مع أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين ببرامج كانت تقوم على الدمج بين التأهيل النظري والتدريب العملي داخل المدارس، وتحت إشراف مزدوج ، من خلال معلم اصيل "موجه" يحمل التخصص في مدرسته ، وخبير مختص من الأكاديمية ، اضافة لمتابعتي الحثيثة لأداء الطلبة المعلمين لحظة بلحظة، وتقييم مستمر لقدرتهم على إدارة الصف ومتابعة تنفيذ الخطط التعليمية وقراءة سلوك الطلبة، ارى ان التحسن الحقيقي الذي يصنعه التدريب المهني يجب ان يكون مبنياً على الممارسة، لا على المحاضرة.

ان ما يثبته "الميدان" هو أن التدريب العملي حين يقترن بنموذج تربوي واضح وإشراف مهني مسؤول يحول المتدرب من "دارس للطرق التعليمية" إلى "ممارس للتعليم"، ويمنحه ثقة لا يمكن لأي امتحان نظري أن يوفرها ، ولذلك، فإن القرار المتعلق بدبلوم إعداد المعلمين لا يمكن أن ينجح ما لم تسند مهمة التدريب إلى جهات مؤهلة تمتلك الخبرة والتجربة والقدرة على بناء برامج تطبيقية حقيقية ، فإعداد المعلم ليس مجرد مساقات تدرس، بل منظومة متكاملة تشمل بيئة ميدانية، وإشرافاً عملياً، وتقييماً مستمراً لحركة المتدرب داخل الغرفة الصفية، ومدى قدرته على توظيف استراتيجيات التدريس الحديثة، والتمييز بين النظرية التي تقرأ والممارسة التي تعاش.

كما وانني ومن خلال اطلاعي على عدد من تجارب الدول العربية الشقيقة كشفت لي أن الغالبية منها اتجهت نحو إنشاء كليات أو معاهد متخصصة في إعداد المعلمين، على غرار كليات تدريب المعلمين في اغلب دول العالم المتقدمة ولعل كلية تدريب المعلمين في جامعة أوهايو نموذجاً ، والتي تعد إحدى التجارب العالمية الرائدة في الدمج بين التدريب الأكاديمي والتطبيقي ، كما حظيت بخوض تجربة متميزة حين تلقيت دورة متقدمة في التدريب في أكاديمية ديلنجن لتدريب المعلمين في مدينة ميونخ بمقاطعة بافاريا الألمانية والتي تؤهل المتدرب للتقدم لنيل رخصة مزاوله مهنة التعليم ، ما يؤكد أن الاتجاه العالمي اليوم لا يميل إلى إعداد المعلم عبر التعليم النظري، بل عبر مؤسسات متخصصة يكون التدريب العملي فيها محوراً رئيسياً .

والسؤال الذي يجب أن نطرحه اليوم بصراحة ووضوح ، هل "الجامعات الأردنية" بصيغتها الحالية "مؤهلة" لتحمل هذه المسؤولية؟ ، أم أننا بحاجة إلى مراكز متخصصة، تعيد تأسيس منظومة تحاكي الواقع التعليمي ، وليس "أوراق المحاضرات" ، وهنا يحضرني نموذج معاهد إعداد المعلمين "معهد المعلمين عمان وحوارة" التي خرجت أعظم معلمينا، والذين تتلمذنا على أيديهم ، فكانت تلك المعاهد تجمع بين العلم والتطبيق العملي، وبين المعرفة والمهارة، فنتجت عن تلك التجربة أجيال من المعلمين المتمكنين الذين قادوا التعليم في المملكة لعقود.

إنّ نجاح القرار، رغم أهميته، يظل مرهونًا بجهة التنفيذ، وبمدى قدرتها على الجمع بين النظرية والتطبيق، وتوفير مسار تدريبي يختبر المتدرب في المدارس، لا في قاعة الامتحان فقط ، وإذا تولت المهمة جهة تمتلك الخبرة والبنية التحتية والكفاءات المتخصصة والقدرة على متابعة المتدرب في الميدان، وتقييمه عملياً، ومنحه ما يشبه "رخصة تعليم حقيقية" فإننا سنرى معلما مختلفاً متمكناً تماماً يدخل الصف بكل ثقة بدءا من عام ٢٠٢٧.

بقي ان اقول إن إعداد المعلم مسؤولية وطنية كبرى، تتطلب اختياراً دقيقاً للجهات التي تمتلك القدرة الحقيقية على إعداد معلم المستقبل، وإلا فإن القرار "رغم نبله" سيفقد جزءاً من أثره ، أما إذا أُحسن اختيار الجهة المنفذة، فسنكون أمام نقلة نوعية تعيد للغرفة الصفية هيبتها، وللمعلم مكانته، وللتعليم دوره الريادي في صناعة المستقبل.

والله ولي التوفيق.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :