المركز الوطني لتطوير المناهج في خطوة استراتيجية نحو إصلاح تربوي شامل
فيصل تايه
08-12-2025 10:59 AM
أقرَّ مجلس الوزراء، أمس الأحد، نظاماً معدلاً لنظام المركز الوطني لتطوير المناهج لسنة 2025، ويُعدّ إقرار هذا النظام خطوة ذات دلالة تربوية واضحة؛ لأنه يعيد توجيه دور المركز نحو مسار أكثر عمقاً وارتباطاً بحاجات النظام التعليمي وتحدياته الحقيقية. فالتطوير التربوي لم يعد قائماً على إعادة صياغة المحتوى فقط، بل أصبح قائماً على بناء منظومة متكاملة تشمل المنهج والتقويم والطفولة المبكرة والتعليم الدامج، وهي محاور مترابطة لا يمكن لأي منها أن يحقق أثراً ملموساً دون الآخر. ولذلك فإن التعديلات التي توسّع مهام المركز، وتمنحه أدوات جديدة مثل إنشاء وحدة لبنوك الأسئلة للاختبارات الوطنية، تعكس فهماً مؤسسياً ناضجاً لطبيعة الإصلاح المطلوب.
فبنوك الأسئلة ليست مجرد مخزون من البنود الامتحانية؛ إنها بنية معيارية تعيد ضبط ثقافة التقييم في الأردن، وتضمن موثوقية وصلاحية أدوات القياس، وتقلل من العشوائية، وتوفر للطلبة بيئة أكثر عدالة وشفافية. ومن شأن هذا التحول أن يرفع من جودة البيانات التي تُبنى عليها القرارات التعليمية، وأن يتيح للمركز لأول مرة إدارة التقويم الوطني بطريقة علمية تواكب ما تطبقه الأنظمة التربوية المتقدمة. فوجود مركز متخصص يمتلك القدرة التقنية والبشرية لبناء بنوك أسئلة معيارية سيؤثر مباشرة في جودة المنهاج، لأن تطوير المحتوى يجب أن يسير بالتوازي مع تطوير طرق قياسه، وإلا بقي التطوير شكلياً وغير قابل للتحقق.
كما أن إدراج التعليم الدامج ومرحلة الطفولة المبكرة ضمن مسؤوليات المركز يمثل توسعاً بالغ الأهمية، لأن أي إصلاح منهجي لا يراعي احتياجات المتعلمين بمختلف فئاتهم لن يكون قادراً على إحداث تغيير حقيقي. فالتعليم الدامج توجه وطني يتطلب صناعة محتوى يراعي الفروقات الفردية، ويقدم بدائل معيارية للطلبة ذوي الإعاقات، ويهيئ المدارس لبيئات تعلم أكثر شمولاً. أما الطفولة المبكرة فهي المرحلة التي تتشكل فيها أساسيات التعلم والهوية المعرفية، وأي تطوير للمناهج لا يبدأ من هذه المرحلة سيظل ناقصاً. ولذا فإن إدخالها ضمن مهام المركز يشكل خطوة تعيد ترتيب الأولويات التربوية بطريقة صحيحة.
وأرى أيضاً أن هذه التعديلات تأتي منسجمة مع التوجه العالمي نحو التعليم الرقمي والتقويم الإلكتروني، وهو توجه بات ضرورة للحاق بركب التطورات التربوية. فمواءمة المناهج مع التكنولوجيا ومع الخطط الدراسية الجديدة في المرحلة الثانوية سيعيد صياغة علاقة الطالب بالمحتوى، ويحفّز اكتساب مهارات البحث والتحليل والتفكير الناقد، بدلاً من الاقتصار على التلقي والحفظ. كما أن الدفع باتجاه التقويم الرقمي يعني أن المركز سيصبح لاعباً رئيسياً في بناء البنية التربوية الرقمية للمملكة، وهو تحول يتطلب تخطيطاً دقيقاً وتدريباً متخصصاً، لكنه في الوقت ذاته سيحدث نقلة نوعية في طريقة قياس نواتج التعلم.
وأقول إن هذا القرار سيترك أثراً مباشراً على عمل المركز الوطني لتطوير المناهج؛ إذ سينقله من دور تقليدي يركز على إنتاج الكتب إلى دور مؤسسي شامل يضطلع بالتقويم، وبناء المعايير، وتطوير المحتوى، وقيادة مسارات الدمج والطفولة المبكرة، وإدارة أدوات القياس الوطنية. فهذا التوسع في الاختصاصات سيرفع سقف التوقعات من المركز، ويضعه أمام مسؤوليات مضاعفة تتطلب رفع كفاءة كوادره، وتوفير بنية تقنية متقدمة، وبناء شراكات علمية مع الجامعات والخبراء والميدان التربوي. ومع ذلك، فإن إعطاء المركز هذه الصلاحيات يشير إلى أن الدولة تسعى إلى تمكينه ليكون المرجعية الفنية الأولى في تطوير التعليم، وهو توجه صائب إذا ما أُحسن استثماره.
وسيكون نجاح هذه الخطوة مرهوناً بقدرة المركز على تحويل التعديلات التشريعية إلى ممارسات تطبيقية واضحة، وعلى قدرته في تحقيق توازن بين تحديث المناهج والاستجابة للتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم. أما المكاسب المحتملة فهي كبيرة؛ بدءاً من تحسين جودة التعلم، ورفع كفاءة التقييم الوطني، وضمان عدالة أكبر للطلبة، مروراً بتطوير محتوى أكثر شمولاً وملاءمة، وصولاً إلى مواءمة التعليم الأردني مع الاتجاهات التربوية العالمية. وإذا أُديرت هذه المرحلة بحكمة، فإن النظام المعدل لن يكون مجرد تغيير تنظيمي، بل خطوة استراتيجية نحو إصلاح تربوي شامل يليق بالتطلعات الوطنية ويستجيب بصدق لتحديات الواقع.