مسؤولية تأهيل المعلمين "قبل الخدمة" ودور وزارة التربية والتعليم
فيصل تايه
10-12-2025 11:06 AM
في أعقاب مقالي السابق، الذي تطرقت فيه إلى مجموعة من التساؤلات الجوهرية حول الجهة المسؤولة عن تدريب المعلمين، وآليات متابعة تنفيذ برامج التأهيل في الميدان المدرسي، إيماناً بأن هذه القضايا تمس صميم جودة التعليم في الأردن وقدرتها المباشرة على تمكين المعلم على إدارة الصف وتقديم تعليم فعّال ، ويبدو أن معالي وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة قد التقط هذه الملاحظات بوعي ومسؤولية، فاستجاب سريعاً بتوضيح الصورة والإجابة على التساؤلات، والتأكيد على حرص الوزارة المستمر على متابعة كل المستجدات المرتبطة بإعداد المعلمين وتدريبهم، وضمان عمل المؤسسات التربوية المختلفة ضمن منظومة متكاملة ، وهذا النهج يعكس إدراكاً بأن ملف إعداد المعلم هو من الملفات ذات البعد الوطني العميق، لكونه يرتبط مباشرة بالأمن التعليمي للدولة ومستقبل تعلم أبنائها.
وقد جاءت إضاءات الوزير لتؤكد أن جميع الجهود موجهة نحو هدف واحد، وهو الوقوف إلى جانب المعلم الأردني ليكون متمكناً من أداء رسالته بكفاءة، وقادراً على قيادة تعلم فعال ، مع تحقيق التوازن بين المعرفة النظرية والخبرة العملية الميدانية ، فهذا التأكيد يعكس إدراكاً عميقاً بأن جودة التعليم تبدأ من إعداد المعلم، وأن أي نقص في التدريب العملي سينعكس مباشرة على مخرجات التعلم، وعلى قدرة الطالب على المشاركة والاستفادة من العملية التعليمية.
لقد أوضح معالي الوزير بأن التأهيل التدريب في الدبلوم العالي لإعداد وتأهيل المعلمين يتم بالتعاون بين الوزارة والجامعات الأردنية وينفذ من خلال مدربين أساتذه متخصصين ممن اكتسبوا مهاراتهم العملية من العمل في التأهيل والتدريب مع أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين والجامعات ، مع إشراف مستمر من الوزارة ومتابعة دقيقة من قبل المختصين والمدربين المتمرسين ، وتقييم حقيقي لكل مرحلة من مراحل التدريب، بما يضمن جودة التطبيق وفاعلية النتائج ، كما أن تطوير عملية التقييم المستمر للبرامج يضمن رصد مكامن القوة وتعزيزها، والوقوف على جوانب التحسين بشكل دوري.
وبالنظر إلى ما يميز البرامج المتبعة حديثاً لتدريب المعلمين قبل الخدمة، نجد أنها ترتكز على الجمع بين النظرية والتطبيق العملي في بيئة المدارس ، فهذا الدمج بين المعرفة النظرية والخبرة الميدانية يمنح المعلم الجديد القدرة على تطبيق مهاراته واختبارها تحت إشراف مباشر من المشرفين المتخصصين، مع تقييم دقيق لأدائه وقدرته على إدارة الصف بكفاءة ، وفهم ديناميكيته ، والتعامل مع الحالات الصفية المعقدة، وتوظيف الأدوات التعليمية بشكل فعّال، وتطبيق استراتيجيات التدريس الحديثة خلال اليوم الدراسي الكامل، وليس فقط في حصص محدودة كما فهم البعض ، وهذا الأسلوب ينتج معلمين متمكنين وقادرين على مواجهة تحديات الصف بثقة وجدية، وهو معيار حقيقي للتميز في إعداد المعلمين ، فهذا التوجه يعكس مجدداً فهماً عميقاً لدى الوزارة بأن إعداد المعلم مسؤولية وطنية، وأن نجاح العملية التعليمية مرتبط مباشرة بجودة التدريب العملي قبل دخول الصف.
إن متابعة معالي الوزير الحثيثة لكل المستجدات التربوية، واستجابته لملاحظات الخبراء والميدان التربوي، تعكس رؤية واضحة ومسؤولية شخصية عالية في القيادة الحكيمة والمتابعة الدقيقة للملفات التربوية الحساسة ، كما تؤكد التزامه الكامل برؤية تطويرية مدروسة بعناية، لضمان أن تكون الغرفة الصفية بيئة تعليمية حقيقية، والمعلم قادراً على أداء رسالته بكل كفاءة ومهنية ، حيث إن هذه السياسة، التي تركز على الجمع بين النظرية والتطبيق، ستؤسس لمرحلة جديدة من المهنية في التعليم الأردني، وتعيد للمعلم مكانته، وتمنح الغرفة الصفية هيبتها، وتضع الأردن على مسار واضح نحو التميز التربوي.
إن هذه الإجراءات الدقيقة والمتابعة الحثيثة لإعداد المعلمين لن تقتصر آثارها المستقبلية على المعلم فقط، بل ستنعكس مباشرة على الطلاب أنفسهم ، حيث سيجد كل طالب في الصف معلماً متمكناً، قادراً على توظيف استراتيجيات تدريس مبتكرة، وتحفيز التعلّم النشط، وتقديم الدعم الفردي لكل حالة، مما يرفع مستوى التحصيل الأكاديمي ويعزز الثقة بالنفس ويشجع على المشاركة الفاعلة ، كما أن هذا الإعداد الممنهج سيؤدي إلى صفوف أكثر توازناً وانضباطاً، ويقلل من الفجوات التعليمية، ويضمن استدامة جودة التعليم عبر الأجيال.
وعلى المستوى المجتمعي، فإن الاستثمار في تأهيل المعلمين بشكل متكامل يرسخ مبدأ التعليم كركيزة للتنمية المستدامة، ويؤسس لجيل قادر على التفكير النقدي وحل المشكلات والإبداع، وبالتالي ينعكس إيجاباً على المجتمع بكامله، ويساهم في بناء دولة المعرفة الحديثة التي تطمح إليها رؤية الأردن المستقبلية ، ولعل هذه السياسة الرشيدة، القائمة على المتابعة الدقيقة والاستجابة السريعة، تعكس التزاماً وطنياً يتجاوز حدود اللحظة، ليمتد نحو مستقبل تعليمي أكثر نضجاً وتمكيناً.
والله ولي التوفيق.