حزب جبهة العمل الإسلامي ضمن مشهد الحياة السياسية في الأردن
المحامي مهند احمد العتوم
11-12-2025 12:19 PM
يشهد الإقليم في السنوات الأخيرة تحولات غير مسبوقة أبرزها صعود التيارات اليمينية المتطرفة داخل إسرائيل وما يرافق ذلك من ارتدادات مباشرة على الأمن الوطني الأردني وعلى استقرار المنطقة عموما. وفي ظل هذا الواقع يصبح من الضروري إعادة تقييم مكونات الساحة الداخلية الأردنية وآليات إدارتها بما يضمن تحصين الداخل وتعزيز مكانة الأردن الإقليمية والدولية.
إن وجود حكومة إسرائيلية تميل نحو أقصى اليمين، وتعبر عن مواقف توسعية وعدائية تجاه الفلسطينيين والأردن والمنطقة يفرض على عمان تأمين جبهتها الداخلية وتوحيد أطيافها السياسية. فكلما توسع خطاب التطرف في الجانب الأخر ازداد احتياج الدولة الأردنية إلى جبهة داخلية متماسكة ومتوازنة تضم مختلف الشرائح والقوى الاجتماعية والسياسية بما فيها التيارات الإسلامية المعتدلة التي أثبتت حضورا تاريخيا في الشارع الأردني.
بعد قرار القضاء الأردني بحل جماعة الإخوان المسلمين برزت الحاجة الى تمييز الحالة الحزبية عن الحالة التنظيمية التقليدية. وهنا يظهر حاجة حزب جبهة العمل الإسلامي بوصفه كيانا سياسيا يمكن إذا تم تطويره وتصويب أوضاعه أن يشكل قناة مؤطرة وشفافة لمشاركة التيار الإسلامي داخل المنظومة المجتمعية والسياسية الأردنية، بدل ترك مؤيديه في مساحات رمادية أو غير منظمة.
وان تحقيق هذه الشراكة السياسية التفاهمية المشروطة القائمة على الاعتدال مقابل المشاركة والمشاركة مقابل المسؤولية تتطلب قيام الحزب وبتفاهمات مع الدولة ومن منطلق إن الإبقاء على الحزب ليس هدفا بحد ذاته بل يجب أن يأتي في إطار معادلة جديدة تقوم على تصويب أوضاعه القانونية والإدارية بما يتماشى مع قانون الأحزاب الأردني الجديد ومراجعة برامجه السياسية لضمان انسجامها مع أولويات الدولة وهويتها الوطنية ومصالحها العليا وتعزيز الشفافية في مصادر التمويل والعمل ضمن اطر وبرامج وطنية غير مرتبطة بتنظيمات خارجية بما يزيل الشكوك ويعزز الثقة.
ان قبول مبدأ الشراكة التدريجية بدل الصدام أو الانكفاء يضمن ان يتحول الحزب من مصدر جدل أو استقطاب باجندات مبهمة إلى عنصر داعم للاستقرار الداخلي وحاضن الشريحة واسعة من المجتمع الأردني وللعملية السياسية القائمة على التعددية المنضبطة .
ولا يمكن باي شكل اغفال المصلحة الأردنية في إدارة التوازنات مع الولايات المتحدة والتي لها مصالحاستراتيجية في استقرار الأردن وتحديدا في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة. ورغم الحساسية التاريخية من التيارات الإسلامية، إلا أن واشنطن أبدت في عدة مراحل استعدادا للتعامل مع القوى الإسلامية التي تعمل ضمن أطر ديمقراطية وقانونية واضحة.
ان الأردن يمتلك بفضل علاقته المستقرة بالولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الهيمنة القدرة على ايصال الرسالة وشرح خصوصية الحالة الأردنية من حيث وجود تيار إسلامي معتدل متجذر اجتماعيا والتأكيد أن دمج الحزب في الحياة السياسية أفضل من استبعاده لأن الإقصاء غالبا ما يخلق فراغات تستغلها تيارات متطرفة وضمان عدم إساءة فهم وجود الحزب كخطر على الاستقرار أو كحالة متعارضة مع المصالحوالاستقرار الإقليمي والعالمي
وهكذا، تصبح مشاركة الحزب وفق قواعد واضحة جزءا من هندسة الاستقرار التي تخدم الاستراتيجيات الأردنية ويؤدي الى تعزيز الشرعية الداخلية والديمقراطية المنضبطة وتحويل التيار الإسلامي إلى شريك خاضع للقانون لا إلى قوى موازية خارج المسار المؤسسي.
إن دمج جبهة العمل الإسلامي ضمن المشهد السياسي والحزبي القانوني يعزز شعور المواطنين بأن النظام السياسي الأردني كان وما زال مفتوح للجميع، وأن التعددية تدار ضمن اولويات وتوافقات وطنية لا ضمن خطوط إقصاء أو محاذير مجهولة وغير واضحة.
وهذا بدوره يؤدي الى رفع منسوب الثقة بالدولة و يقوي مؤسساتها التمثيلية ويمنع الاحتقان الداخلي و يعزز مفهوم “المعارضة الوطنية لا المعارضة الراديكالية.
إن بناء شراكة واضحة وشفافة بين الدولة والحزب مع ضمان خضوعه للقانون واستجابته لمتطلبات الدولة الأردنية، سيسمح للأردن بأن يقدم نموذجا عقلانيا لاستيعاب التنوع السياسي ويحمي استقراره الداخلي ويمنحه هامشا أوسع في تفاعلاته الإقليمية والدولية .