facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التدريب الضريبي في العالم العربي: بين وفرة المحتوى وندرة الأثر


عيسى عبدالرحيم الحياري
13-12-2025 03:16 PM

لم يعد الحديث عن التدريب الضريبي في العالم العربي ترفًا مهنيًا أو شأنًا نخبويًا يخص فئة محددة من الممارسين، بل أصبح ضرورة ملحّة تفرضها تعقيدات التشريعات، وتسارع التعديلات القانونية، والتحول الرقمي المتسارع في الأنظمة الضريبية. غير أن المتأمل في واقع التدريب الضريبي يلحظ مفارقة واضحة: وفرة في المحتوى، وضجيجًا تدريبيًا لافتًا، يقابله ضعف ملموس في الأثر الحقيقي على كفاءة المتدربين وأدائهم المهني.

أولاً: واقع يختلط فيه التعليم بالتدريب

أحد أبرز الإشكالات الجوهرية في سوق التدريب الضريبي العربي هو الخلط المتعمد أو غير المتعمد بين مفهومي "التعليم" و"التدريب". فالتعليم يركّز على نقل المعرفة النظرية، أما التدريب فيُعنى ببناء المهارة وصقل القدرة على التطبيق واتخاذ القرار.

ما نشهده اليوم هو انتشار برامج تُقدَّم على أنها دورات أو ورش تدريبية، بينما حقيقتها لا تتجاوز إعادة قراءة للنصوص القانونية، أو شرحًا تقليديًا للمواد الضريبية، دون أي إسقاط عملي أو محاكاة لواقع الممارسة. فهي ليست دورات بالمعنى المهني، ولا ورشًا بالمعنى التطبيقي، ولا ترفع من كفاءة المتلقي بقدر ما تكرّس وهم التطوير.

ثانياً: سطوة المحتوى الرقمي المبهر

مع صعود منصات التواصل الاجتماعي، برزت صفحات تروّج لدورات ضريبية عبر فيديوهات قصيرة جذابة، تعتمد الإخراج السريع والعناوين الرنانة والوعود الكبيرة. غير أن هذا البريق الرقمي كثيرًا ما يخفي فراغًا مهنيًا حقيقيًا.

إن المحتوى المبهر لا يصنع محترفًا، والفيديو القصير – مهما بلغ إتقانه – لا يبني مهارة، ولا يؤهل ممارسًا للتعامل مع فحص ضريبي، أو نزاع، أو تسوية، أو تفسير تشريعي معقد. والخطورة هنا لا تكمن في التسويق بحد ذاته، بل في انخداع المتلقين بمحتوى يبدو غنيًا في شكله، خاويًا في مضمونه، لا يضيف إلى أدواتهم العملية شيئًا يُذكر.

ثالثاً: نتائج تدريب بلا تدريب

إن مخرجات هذا الواقع تنعكس بوضوح على المهنة، حيث نلحظ:

- ضعف القدرة على تطبيق النص القانوني في حالات واقعية.
- أخطاء متكررة في الإقرارات والمعالجات الضريبية.
- تضخم الثقة الشكلية مقابل هشاشة الكفاءة الفعلية.
- ارتفاع النزاعات الضريبية الناتجة عن سوء الفهم لا عن سوء النية.

وهنا تتجلى الإشكالية الحقيقية: تدريب لا يدرّب، وشهادات لا تعكس مهارة، وساعات تدريبية لا تُترجم إلى أداء مهني رشيد.

رابعاً: الدور المأمول للمنظمات والمؤسسات المهنية

لا يمكن إحداث تحول حقيقي في نهج التدريب الضريبي دون دور فاعل للمنظمات والمؤسسات المهنية المحلية والعربية. فهذه الجهات مطالبة اليوم – أكثر من أي وقت مضى – بأن تعيد النظر في:

- معايير اعتماد البرامج التدريبية ومحتواها.
- شروط اعتماد المدربين، وربطها بالخبرة الميدانية لا بالظهور الإعلامي.
- التمييز الصارم بين التعليم العام والتدريب المهني التخصصي.
- وضع مقاييس واضحة لقياس أثر التدريب على الأداء الفعلي.

إن غياب هذا الدور الرقابي والتطويري يفتح الباب أمام فوضى تدريبية، تختلط فيها المهنة بالتجارة، والمعرفة بالاستعراض.

خامساً: غياب التشاركية بين القطاع العام والقطاع المهني

من الإشكالات العميقة التي لا يُلتفت إليها كثيرًا في ملف التدريب الضريبي العربي، ضعف – وأحيانًا غياب – التشاركية الحقيقية بين القطاع العام الضريبي وبين القطاع المهني والتدريبي.

فعلى الرغم من أن الإدارات الضريبية هي الجهة الأكثر التصاقًا بالتطبيق العملي للنصوص القانونية، والأكثر اطلاعًا على مكامن الخلل والتأويل والنزاع، إلا أن مساهمتها في بناء برامج تدريبية مهنية تطبيقية لا تزال محدودة، وغالبًا شكلية أو موسمية.

إن التعاون القائم – في أغلب الأحيان – يقتصر على محاضرات تعريفية أو مشاركات بروتوكولية، لا ترقى إلى مستوى الشراكة المؤسسية التي تُسهم في:

- نقل الخبرة التطبيقية من واقع الفحص والتدقيق.
- توضيح فلسفة الإدارة الضريبية في التفسير والتطبيق.
- تضييق فجوة الفهم بين المكلف والإدارة.
- بناء لغة مهنية مشتركة تقلل من النزاعات المستقبلية.

غياب هذه التشاركية يترك التدريب يدور في حلقة مغلقة، ويُبقي المحتوى بعيدًا عن نبض التطبيق، ويُحمّل المتدرب عبء التخمين بدل الفهم.

سادساً: ملامح التدريب الضريبي المنشود

التدريب الضريبي الذي نطمح إليه ليس ترفًا معرفيًا، بل منظومة متكاملة، تقوم على:

- شراكة حقيقية بين الإدارات الضريبية والمنظمات المهنية.
- برامج تدريبية مبنية على حالات واقعية لا أمثلة نظرية.
- إشراك خبراء مارسوا الفحص، والنزاع، والتسوية، لا من اكتفوا بشرح النص.
- التمييز الواضح بين التعليم العام والتدريب المهني التخصصي.
- قياس الأثر التدريبي على الأداء الفعلي بعد انتهاء البرنامج.
- مواكبة التحول الرقمي والأنظمة الإلكترونية والبيانات الضخمة.

خاتمة

إن إصلاح مسار التدريب الضريبي في العالم العربي مسؤولية مشتركة، تبدأ من وعي المتلقي، ولا تنتهي عند التزام المدرب، مرورًا بدور محوري للمنظمات والمؤسسات المهنية، وتشاركية حقيقية مع القطاع العام الضريبي.

فالمحتوى الرقمي، مهما بلغ بريقه، لا يغني عن تدريب حقيقي، والتعاون الشكلي لا يبني كفاءة، وكثرة الدورات لا تعوّض غياب الأثر. والرهان الحقيقي ليس على عدد الشهادات ولا المشاهدات، بل على بناء مهنيين قادرين على التطبيق الرشيد، وحماية المكلف، ودعم الإدارة، وتعزيز العدالة الضريبية.

إن إصلاح مسار التدريب الضريبي في العالم العربي مسؤولية مشتركة، تبدأ من وعي المتلقي، ولا تنتهي عند التزام المدرب، مرورًا بدور محوري للمنظمات والمؤسسات المهنية. فالمحتوى الرقمي، مهما بلغ بريقه، لا يغني عن تدريب حقيقي، ولا يصنع خبيرًا ضريبيًا قادرًا على حماية المكلف، ودعم الإدارة، وتعزيز العدالة الضريبية.

والرهان الحقيقي ليس على كثرة الدورات، بل على عمق الأثر، وليس على عدد المشاهدات، بل على عدد المهارات المكتسبة.

* خبير ضريبي و مقيِّم جودة التدريب





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :