facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الآلة والتفكير - المقال التأسيسي لـ ألن تورينغ في الذكاء الاصطناعي


إبراهيم غرايبة
14-12-2025 02:25 PM

نشر ألن تورينغ مؤسس علم الكمبيوتر في عام 1950 مقالا بعنوان آلات الحوسبة والذكاء الاصطناعي في مجلة مايند (Mind) وسأقدم في هذه المساحة ملخصا استيعابيا للمقالة، علما بأنها جاءت في المجلة في 12 الف كلمة. يركز المقال موضوع الذكاء الذكاء الاصطناعي بمنظور رياضي – منطقي وفلسفي، ولم تكن الحواسيب بالطبع ولا مفهوم الذكاء الاصطناعي كما هما اليوم، ويبدأ المقال بسؤال مركزي هل تستطيع الآلات أن تفكر؟ ويحاول تورينغ أن يجيب بالنظر إلى إمكانات محاكاة التفكير.

وقد ابتدأ تورنغ مقالة بمجموعة من الافتراضات والاعتراضات الشائعة حينها عفى مقولة أن الآلات قد تفكر، ومنها الاعتراض الديني: «التفكير وظيفة الروح الخالدة، والآلات لا روح لها" والاعتراض من العجز العامّ: «آلة لا تستطيع أن تُخطئ، لا تستطيع أن تفعل، لا تستطيع أن تُبدع أو تقع في حبّ، إذاً لا تفكر». ويرد على ذلك بالقول: هذا الافتراض ليس دليلاً على ما تمنعه الفيزياء أو المنطق. واعتراض «من الوعي" بأن التفكير يستلزم شعوراً أو وعيّاً، والآلة لا تملك ذلك. تورينغ يردّ بأنه لا يرى ضرورة لحلّ كلّ لغز الوعي قبل أن نناقش ما إذا كانت الآلات يمكن أن تؤدّي ما نُعدّه تفكيراً.

إن تورينغ يركز على البعد الواقعي في عمل الحاسوب (محاكاة التفكير) لكن ذلك لا يكفي لقياس الفمه والوعي والمعنى، فمحاكاة التفكير ليست بالضرورة تفكيرا. ومازال السؤال مفتوحا حتى اليوم بعد 75 سنة من مقالة تورينغ حول ما إذا كان الحاسوب يمكن أن يمتلك خصائص بُعدية مثل الوعي أو الحُرّية أو الإبداع، وهي خصائص غالباً ما تُنسب للبشر.

يقول تورينتغ: إذا كان التفكير الإنساني في جوهره: معالجة رمزية، واستدلال، وتلاعب بالمعاني وفق قواعد فلا يوجد – من حيث المبدأ – ما يمنع آلة عامة من أداء وظائف مماثلة. فالحاسوب الرقمي يعمل وفق تعليمات محددة (برنامج) وقادر على تخزين المعلومات، وينفذ عمليات حسابية ومنطقية عامة.

يمكن شرح الفكرة الأساسية للحواسيب الرقمية بالقول إن هذه الآلات مُصمّمة لتنفيذ أي عمليات يمكن أن يقوم بها حاسِب بشري. ويُفترض في هذا الحاسِب البشري أنه يتّبع قواعد ثابتة، ولا يملك سلطة الانحراف عنها في أي تفصيل.

تمتلك معظم الحواسيب الرقمية الفعلية مخزنًا محدودًا. ولا توجد صعوبة نظرية في تصور حاسوب ذي مخزن غير محدود. وبالطبع، لا يمكن استخدام إلا جزء محدود منه في أي لحظة، كما لا يمكن بناء إلا جزء محدود في البداية، لكن يمكننا أن نتصوّر إضافة المزيد عند الحاجة. وتحظى هذه الحواسيب باهتمام نظري خاص، وسنسمّيها حواسيب ذات سعة غير محدودة. إن فكرة الحاسوب الرقمي قديمة نسبيًا. فقد خطّط تشارلز بابِج، أستاذ الرياضيات في جامعة كامبردج بين عامي 1828 و1839، لبناء آلة من هذا النوع سمّاها «المحرّك التحليلي»، لكنها لم تُستكمل. وعلى الرغم من أن بابِج امتلك جميع الأفكار الأساسية، فإن آلته لم تكن في ذلك الوقت مشروعًا جذابًا. فالسرعة المتاحة كانت ستكون أسرع من الحاسِب البشري، لكنها أبطأ بنحو مئة مرة من آلة مانشستر، وهي نفسها من أبطأ الآلات الحديثة.
وكان المخزن ميكانيكيًا خالصًا، يستخدم العجلات والبطاقات. ويساعدنا كون محرّك بابِج التحليلي ميكانيكيًا بالكامل على التخلّص من خرافة شائعة، هي إضفاء أهمية نظرية على حقيقة أن الحواسيب الرقمية الحديثة كهربائية، وأن الجهاز العصبي كذلك كهربائي. وبما أن آلة بابِج لم تكن كهربائية، وبما أن جميع الحواسيب الرقمية متكافئة من حيث المبدأ، يتبيّن أن استخدام الكهرباء ليس ذا أهمية نظرية. فالكهرباء تُستخدم أساسًا لأجل السرعة في نقل الإشارات، ولهذا ليس من المستغرب وجودها في الحالتين. وفي الجهاز العصبي تلعب الظواهر الكيميائية دورًا لا يقل أهمية عن الظواهر الكهربائية. بل إن أنظمة التخزين في بعض الحواسيب تعتمد أساسًا على الظواهر الصوتية. ومن ثم، فإن التشابه الكهربائي ليس سوى تشابه سطحي. وإذا أردنا البحث عن تشابهات أعمق، فعلينا أن نتجه إلى التماثلات الرياضية الوظيفية.

وقد يبدو أنه، إذا عُرفت الحالة الابتدائية للآلة وإشارات الدخل، فمن الممكن دائمًا التنبؤ بجميع حالاتها المستقبلية. وهذا يذكّرنا برؤية لابلاس، القائلة بأنه لو أمكن معرفة الحالة الكاملة للكون في لحظة معيّنة، كما تُحدَّد بمواقع وسرعات جميع الجسيمات، لأمكن التنبؤ بجميع الحالات المستقبلية.

غير أن التنبؤ الذي نعنيه هنا أقرب إلى الإمكان العملي من ذلك الذي تصوّره لابلاس. فالنظام الذي يمثله «الكون بأسره» يتميّز بأن أخطاء صغيرة جدًا في الشروط الابتدائية قد تُحدث أثرًا بالغًا في وقت لاحق. فقد يؤدّي انزياح إلكترون واحد بمقدار جزء من مليار من السنتيمتر في لحظة معيّنة إلى الفرق بين أن يُقتل إنسان بانهيار ثلجي بعد عام أو أن ينجو منه.

أما السمة الجوهرية للأنظمة الميكانيكية التي سمّيناها «آلات حالات متقطّعة» فهي أن هذا النوع من التضخّم الهائل للأخطاء لا يحدث فيها. فحتى عند النظر في الآلات الفيزيائية الفعلية، لا في الآلات المثالية فقط، فإن المعرفة الدقيقة إلى حد معقول بالحالة في لحظة معيّنة تفضي إلى معرفة دقيقة إلى حد معقول بالحالات اللاحقة بعد عدد كبير من الخطوات.

إذا أخذنا الصيغة الأدق للسؤال، فإنني أعتقد أنه في غضون نحو خمسين عامًا سيكون من الممكن برمجة الحواسيب، بسعة تخزين كبيرة، بحيث تلعب لعبة المحاكاة على نحو جيّد. أما السؤال الأصلي: «هل تستطيع الآلات أن تفكر؟» فأعتقد أنه سؤال عديم المعنى إلى حدٍّ لا يستحق النقاش. ومع ذلك، أؤمن بأنه مع نهاية هذا القرن، سيتغيّر استعمال الألفاظ والرأي العام المتعلّم تغيّرًا كبيرًا، إلى درجة يصبح معها من الممكن الحديث عن «تفكير الآلات» دون توقّع اعتراض.

وأعتقد أيضًا أنه لا فائدة تُرجى من إخفاء هذه المعتقدات. فالرأي الشائع القائل إن العلماء ينتقلون حتمًا من حقيقة راسخة إلى حقيقة راسخة، دون أن يتأثروا بأي تخمينات محسّنة، هو رأي خاطئ تمامًا. فطالما كان واضحًا ما هو مثبت وما هو تخميني، فلا ضرر من ذلك. بل إن التخمينات ذات أهمية كبيرة، لأنها تقترح مسارات بحثية مفيدة.

لقد طرحنا السؤال: هل يمكن لفكرة واحدة تُقدَّم للآلة أن تولّد سلسلة متنامية من الأفكار اللاحقة، على نحو يشبه ما يحدث في بعض العقول البشرية؟ إن الفكرة التي أودّ الدفاع عنها هي أن آلات التعلّم تمثّل السبيل الطبيعي للإجابة عن هذا السؤال بالإيجاب. وبدلًا من محاولة إنتاج برنامج يُحاكي عقل الراشد مباشرة، ينبغي علينا أن نحاول بناء برنامج يُحاكي عقل الطفل. فإذا كان عقل الراشد هو نتاج عقل الطفل مع التربية والتعليم، فلماذا لا نحاول محاكاة هذه العملية؟

يمكن تقسيم العقل الطفولي إلى ثلاثة مكوّنات تقريبية:

1. الحالة الابتدائية للعقل (Initial State)
2. التعليم (Education)
3. خبرات أخرى غير التعليم (Other Experience)

وبالمثل، يجب أن يتكوّن برنامج آلة الطفل من:
• برنامج ابتدائي بسيط
• وآلية لتعديل نفسه استجابةً للتجربة

ويجب أن يكون البرنامج الابتدائي بسيطًا، بحيث يترك مجالًا واسعًا للتغيّر والتطوّر.

تُعدّ عملية التعليم – في جوهرها – عملية تنظيم لسلوك الآلة عبر تعزيز بعض الاستجابات وكبح غيرها. ويمكن تشبيه هذا بآلية المكافأة والعقاب. فالأحداث التي تُعدّ «مكافآت» تميل إلى تعزيز الروابط أو المسارات التي أدّت إليها، في حين تميل «العقوبات» إلى إضعافها.
ولا يلزم أن تكون هذه المكافآت أو العقوبات مادية أو فسيولوجية؛ فقد تكون مجرد إشارات رمزية داخل النظام. والمهم هو وجود آلية تجعل سلوك الآلة قابلًا للتعديل المنهجي. ولا شك أن مثل هذا النظام سيكون، في مراحله الأولى، غير فعّال، وقد يُنتج أخطاء كثيرة، لكنه سيكون – من حيث المبدأ – قابلًا للتعلّم والتحسّن.

قد يكون من المفيد إدخال عنصر من العشوائية في عملية التعلّم. فالتغيّرات العشوائية الصغيرة في البنية الداخلية للآلة قد تؤدّي أحيانًا إلى تحسينات كبيرة في الأداء. ويمكن بعد ذلك الاحتفاظ بالتغيّرات الناجحة والتخلّي عن غير الناجحة. وهذا يشبه – إلى حدٍّ ما – آليات التطور البيولوجي، حيث تؤدّي الطفرات العشوائية، مقرونة بالانتقاء، إلى ظهور بنى أكثر تكيفًا. ولا يعني هذا أن علينا محاكاة التطور البيولوجي بدقة، بل إن المبدأ العام للتغيّر والانتقاء يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة في تصميم آلات متعلّمة.

قد يُعترض على هذا النهج بالقول إن تعليم آلة بهذه الطريقة سيكون بطيئًا للغاية، أو مكلفًا، أو غير عملي. لكن لا يوجد سبب للاعتقاد بأن التعليم الآلي يجب أن يكون أبطأ من التعليم البشري. بل قد يكون أسرع بكثير، نظرًا لقدرة الآلات على إجراء تعديلات داخلية بسرعة هائلة. وقد يُقال أيضًا إن الآلة قد تتعلّم أشياء غير مرغوب فيها. لكن هذا الاعتراض ينطبق بالدرجة نفسها على التعليم البشري، ولا يُعدّ سببًا كافيًا لرفض المبدأ.

هل ستنجح آلة الطفل في لعبة التقليد؟ إذا نجح برنامج آلة الطفل في اكتساب قدر كافٍ من الكفاءة اللغوية، والمعرفية، والسلوكية، فإننا قد نتوقع أن تؤدّي هذه الآلة أداءً جيّدًا في لعبة التقليد. ولا يعني ذلك أن الآلة ستكون «واعية» أو «تفكّر» بالمعنى الفلسفي العميق، بل إنها ستنجح في محاكاة السلوك الذكي الإنساني على نحو لا يمكن تمييزه عمليًا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :