facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التوجيهي الجديد والحقل الصحي .. إشكالية أم قراءة مبتسرة؟


فيصل تايه
16-12-2025 01:25 PM

تساءل الرأي العام مؤخراً بما يشاع من انتقادات حول "الحقل الصحي" في نظام التوجيهي الجديد ، مع تبني بعض الجهات قراءة مختزلة للحقائق ، وهنا يبرز السؤال الجوهري : هل تمثّل هذه الانتقادات إشكالية حقيقية في النظام ، أم أنها قراءة مبتسرة لا تعكس الرؤية التربوية الشاملة؟

اسعى من خلال هذا المقال تقديم توضيح علمي مفصل وحسب رؤيتي التربوية بعد العودة الى الأرقام الرسمية، والفلسفة التربوية، ومتابعة أفضل الممارسات العالمية، في محاولة لبيان حقيقة النظام الجديد ، لا سيما فيما يتعلق بالكفاءة العلمية للطالب، ومدى تحقيقه للتوازن المعرفة والمهارات اللازمة للنجاح في التخصصات الصحية؟

ومن خلال خبرتي التربويه الممتده لسنوات طويله أرى أن الإصلاح التعليمي الجاد لا يقاس بمدى خلوه من الجدل ، بل بقدرته على الصمود أمام نقاش عام يقوم على الفهم والتحليل لا على التخويف أو الاختزال ، ومن هذا المنطلق، فاني أجزم أن وزارة التربية والتعليم ترى أن من واجبها توضيح الصورة كاملة فيما أُثير حول نظام التوجيهي الجديد، ولا سيما ما ورد في بيان لجنة “ذبحتونا” المتعلق بالحقل الصحي، إذ إن كثيراً مما طرح يعكس قراءة جزئية للأرقام ، ويتجاهل الأسس التربوية والفلسفية التي بني عليها هذا النظام.

انني اعي ومن خلال مواكبة تطورات امتحان الثانوية العامة ان هذا النظام جاء استجابة لحاجة وطنية ملحة، بعد سنوات من الإجماع التربوي على أن النظام السابق، رغم ما حققه في سياقه التاريخي، لم يعد قادراً على تلبية متطلبات التعليم الحديث.

فالاعتماد على سنة واحدة فاصلة، وتحويل الامتحان إلى أداة تصنيف حادة، اسهما فى اختزال العملية التعليمية في التلقين والحفظ، وأضعفا مهارات أساسية لا غنى عنها في التعليم العالي ، وفي مقدمتها الفهم اللغوي، والتحليل، والتفكير النقدي.

وعليه، فإن توزيع التقييم على عامين، وبناء مسارات تعليمية واضحة، جاء خياراً تربوياً مدروساً ، يستند إلى تجارب تعليمية عالمية تعتمد التدرج، والتأسيس، ثم التخصص.

إن جوهر الاعتراض الذي طرح يتمحور حول توصيف مواد الصف الحادي عشر، على انها "مواداً أدبية بحتة" لا تخدم طالب الحقل الصحي ، هو توصيف لا يعكس حقيقته هذه المواد ولا وظيفتها التربوية.

فاللغة العربية واللغة الإنجليزية، على سبيل المثال، ليستا مواد ثقافية محايدة عن التخصصات الصحية، بل تمثلان حجر الأساس في تكوين الطبيب أو الممارس الصحي القادر على فهم المراجع العلمية، والتعامل مع المصطلحات الطبية، وقراءة الأبحاث، وكتابة التقارير، والتواصل المهني مع المرضى والزملاء ، كما ان التجربة العالمية في التعليم الطبي تؤكد أن ضعف المهارات اللغوية والتحليلية تعد من ابرز أسباب تعثر الطلبة في سنوات الدراسة الأولى، بغض النظر عن مستواهم في المواد العلمية البحتة.

أما مواد الثقافة العامة، كالتربية الإسلامية والتاريخ، فهي ليست عبئاً على التخصص ، بل جزء لا يتجزأ من بناء الشخصية المهنية المتزنة، التي تمتلك وعياً أخلاقياً ومجتمعياً ، وهو أمر لا يمكن فصله عن المهن الصحية التي تتعامل مع الإنسان قبل المرض .

ومن هنا، فإن اختزال هذه المواد في خانة "غير المفيدة" يعكس فهماً ضيقاً لمفهوم الكفاءة الأكاديمية، الذي لم يعد يقاس بالمعرفة العلمية المجردة وحدها، بل بمنظومة متكاملة من المهارات والقيم .

وفيما يتعلق بالأوزان النسبية للمواد، فإن جمع النسب دون النظر إلى توقيت تدريسها ووظيفتها في مسار القبول الجامعي يفضي إلى استنتاجات مضللة.

فالجزء المحتسب في الصف الحادي عشر يهدف إلى ترسيخ الأساس المعرفي والمهاري، في حين تدرس المواد العلمية الأساسية للحقل الصحي في الصف الثاني عشر، أي في المرحلة التي تشكل جوهر التنافس على القبول الجامعي .

كما أن القبول في التخصصات الصحية لا يبنى على المعدل وحده ، بل يتم ضمن منظومة وطنية تشرف عليها جهات مختصة في التعليم العالي ، وتراعي طبيعة التخصص، ومتطلباته الأكاديمية، والطاقة الاستيعابية، ومعايير الجودة، وهو ما يجعل الادعاء بأن "ثلث العلامة فقط" هو معيار القبول ادعاءً غير دقيق من الناحية العملية.

ويجدر التوقف هنا عند سؤال "لماذا هذه النسب تحديدًا؟"، وهو سؤال مشروع، لكن الإجابة عنه لا تكون بالشعارات، بل بفهم منطق التدرج التعليمي ، اذ ان النسب المعتمدة ليست تعبيراً عن تفضيل مواد على أخرى بقدر ما هي انعكاس لدور كل مرحلة دراسية ، فالصف الحادي عشر مرحلة تأسيس مشترك لجميع الطلبة، بغض النظر عن مساراتهم المستقبلية، بينما الصف الثاني عشر مرحلة تركيز وتخصص ، وهذا التقسيم نهجاً معمولاً به في أنظمة تعليمية عديدة تفصل بين مرحلة بناء القاعدة ومرحلة الحسم الأكاديمي.

أما المقارنة المستمرة بالنظام السابق، بوصفه "معياراً مثالياً" ، فتتجاهل أن ارتفاع وزن المواد العلمية آنذاك لم يمنع وجود ضعف ملحوظ في مهارات الطلبة الأساسية عند انتقالهم إلى التعليم الجامعي، ولم يلغ الحاجة إلى مساقات استدراكية في اللغة والتفكير العلمي ، ومن هنا، فإن الحفاظ على "نسب" سابقة دون مساءلة نتائجها الفعلية لا يمكن اعتباره دفاعاً عن مصلحة الطالب، بل تمسكاً بشكل أثبت محدودية أثره.

كما أن وصف النظام الجديد بأنه "ولد ميتاً” أو "يفتقر إلى مقومات الاستمرارية" لا ينسجم مع منطق الإصلاح التربوي، الذي يقوم بطبيعته على التجريب المراقب، والتقييم المرحلي، والتطوير المستمر ، فالأنظمة التعليمية لا تحاكم قبل أن تطبق وتقاس نتائجها، والوزارة، منذ اللحظة الأولى، أعلنت أن هذا النظام قابل للمراجعة والتحسين بناءً على مؤشرات أداء واضحة، ونتائج فعلية، لا على تخمينات أو مخاوف مسبقة.

انا اعتقد ان ما تسعى إليه وزارة التربية والتعليم ليس تقليص فرص الطلبة، ولا إضعاف التخصصات الصحية، بل على العكس تماماً : إعداد طالب أكثر توازناً ، يمتلك معرفة علمية راسخة، وأدوات لغوية وتحليلية تمكنه من النجاح في التعليم العالي، والاستمرار فيه بكفاءة ، وهذا التوجه لا يتناقض مع التخصص، بل يحميه من الاختزال، ويمنحه عمقاً معرفياً وإنسانياً يحتاجه الواقع الصحي المعاصر.

وفي هذا السياق، ومن خلال متابعاتنا لما تطرحه الوزاره من توضيحات تؤكد من خلالها أنها ترحب باي نقد بناء، لقناعتها أن الحوار المجتمعي جزء أساسي من تطوير السياسات التعليمية، لكنها في الوقت ذاته ترى أن المسؤولية الوطنية تقتضي أن يكون هذا النقد قائماً على فهم شامل للنظام، وعلى قراءة دقيقة لأهدافه وآلياته، لا على اجتزاء الأرقام أو إثارة القلق العام دون سند علمي كاف ، فطلبتنا يستحقون نقاشاً هادئاً، ونظاماً يبنى بالعقل، ويقيم بالبيانات، ويطور بالشراكة، لا بالصدام

والله ولي التوفيق..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :