لماذا يحتاج الأردن إلى "الأكاديمية الملكية لكرة القدم"؟
المهندس محمد العموش
17-12-2025 12:55 AM
شهدت كرة القدم الأردنية خلال السنوات الأخيرة نقلة نوعية غير مسبوقة، تُرجمت في سلسلة من الإنجازات التي أعادت الروح إلى المدرّجات، وعمّقت مشاعر الانتماء واللٌحمة الوطنية بين الأردنيين من شتى الأصول والمنابت من قرى الأردن وبواديها ومخيماتها ومدنها. وقد شكّل تأهل منتخب النشامى تصفيات كأس العالم وبلوغ نهائي كأس العرب وقبلها بلوغ نهائي كأس آسيا إحدى أبرز هذه المحطات التاريخية، حيث اجتمعت الجماهير على كلمة واحدة: الأردن أولاً… والنشامى فخراً للوطن.
لم يكن هذا الإنجاز مجرد نتيجة رياضية فحسب، بل كان انعكاساً لتطور منظومة كرة القدم الأردنية، وللقدرات الكبيرة التي يمتلكها الشباب الأردني حين تتوفر له بيئة تدريبية سليمة ودعم مؤسسي مستدام. ورغم محدودية الإمكانيات مقارنة بدول المنطقة، نجح الأردن في تكوين منتخب قادر على المنافسة والوصول إلى المراحل النهائية في البطولات القارية والإقليمية، وهو ما ينذر بإمكانية تحقيق إنجازات أكبر مستقبلاً.
اللٌحمة الأردنية… حين توحّد كرة القدم ما لا توحّده أية مبادرة أخرى
شكّل الحضور الجماهيري في البطولة الأخيرة لوحة وطنية نادرة؛ إذ وقف أبناء الأردن جميعاً—من الشمال إلى الجنوب، ومن كافة الأصول والمنابت—صفاً واحداً خلف المنتخب الوطني.
تحوّلت المباريات إلى مظاهرة حب للوطن، وإلى مساحة تعززت فيها قيم الوحدة، والانتماء، والاعتزاز بالهوية الأردنية الجامعة. وهنا تبرز أهمية كرة القدم كقوة ناعمة تجمع وتوحّد، وتستحق الاستثمار فيها كأداة وطنية لبناء الأمل والثقة بالمستقبل.
الإنجازات تكشف الحاجة إلى مؤسسة احترافية لصناعة الأبطال
ورغم هذا التطور الملحوظ، ما زال الأردن بحاجة ماسّة إلى جهة وطنية احترافية تتولى صناعة اللاعبين منذ الصغر، وتطوير المدربين، وبناء منظومة احترافية مستدامة على غرار التجارب العالمية.
ومن أبرز النماذج الملهمة في العالم العربي، أكاديمية محمد السادس لكرة القدم في المغرب، التي نجحت في تقديم نموذج متكامل يجمع بين: التدريب الاحترافي المتقدم، التعليم الأكاديمي، الإعداد البدني والنفسي، استقطاب الخبرات العالمية، البنية التحتية حسب متطلبات كرة القدم العالمية
وقد انعكس ذلك على الكرة المغربية، التي أصبحت اليوم في مقدمة الكرة الإفريقية والعربية، وحققت إنجازات تاريخية على مستوى كأس العالم والأندية والمنتخبات. والاهم من كل ذلك أصبحت كرة القدم المغربية تشكل رافدا اقتصاديا للدولة من خلال الاعداد الكبيرة للمحترفين المغربيين في أوروبا والعالم.
هل يمكن تكرار التجربة في الأردن؟ نعم… وبقوة
استناداً إلى التجربة المغربية، يُقترح إنشاء الأكاديمية الملكية لكرة القدم كمشروع وطني استراتيجي، يهدف إلى صناعة جيل جديد من اللاعبين القادرين على تمثيل الأردن في أقوى المحافل الدولة وتصدير المواهب الأردنية الى كافة قارات العالم.
يمتلك الأردن جميع المقومات الأساسية لإنشاء مشروع مشابه، بل وتطوير نموذج وطني خاص به، خصوصاً في ظل توفر قاعدة واسعة من المواهب الكروية الشابة، ودعم القيادة الهاشمية ورغبة جماهيرية شعبية ورسمية في تطوير الرياضة، وإنجازات تؤكد أن الأردن يستطيع المنافسة قارياً، وبنية تحتية رياضية قابلة للتطوير، وموقع جغرافي وقيمة سياسية تمنح المشروع بعداً إقليمياً.
وهنا أود اقتراح ربط هذه المبادرة بمشروع المدينة الجديدة – مدينة عمره – والمزمع إنشاء أستاذ رياضي أو مدينة رياضية متقدمة بها. ولماذا لا يتم ربط الاكاديمية الملكية الأردنية لكرة القدم بهذا المشروع من الآن ليكون مشروعا رياضيا أردنيا متكاملا يحقق استدامة تطور الكرة الأردنية وانتشارها قاريا.
أهمية هذا المشروع للأردن
إن إنشاء هذه الأكاديمية لن يكون مجرد استثمار في الرياضة، بل استثمار في مستقبل الوطن والشباب وعلى المدرى البعيد سيكون رافدا اقتصاديا للأردن ويسهم في تقليل اعتماد الأندية الأردنية على الاتحاد الأردني لكرة القدم.
فهي ستوفر منصة حقيقية للارتقاء بالكرة الأردنية إلى مستوى جديد، وتمنح الأردن فرصة للتحول إلى مركز إقليمي لتطوير المواهب الكروية، كما ستسهم في تعزيز الهوية الوطنية ووحدة الأردنيين خلف مشروع وطني ملهم.
خلاصة القول، لقد أثبتت كرة القدم الأردنية أنها تمتلك روحاً تعجز كثير من الدول عن صناعتها رغم كل إمكانياتها المادية والبنية التحتية الرياضية لديها، وأن الأردنيين قادرون على الالتفاف حول منتخبهم ووطنهم بطريقة تبعث على الفخر. ورغم الإنجازات، يبقى الطريق إلى العالمية بحاجة إلى مؤسسة وطنية احترافية تصنع النجوم، وتؤطر العمل الكروي، وتدعم المنتخبات على المدى الطويل.
إن الأكاديمية الملكية لكرة القدم ليست فكرة طموحة فحسب، بل ضرورة وطنية للاستفادة من الزخم الحالي وتأسيس مستقبل كروي أكثر إشراقاً… مستقبل يليق بطموح الأردن والأردنيين.