facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




نتائج "TIMSS 2024" .. لحظة الحقيقة ومسؤولية القرار


فيصل تايه
17-12-2025 10:57 AM

عند التوقف أمام نتائج دراسة "TIMSS" الأخيرة، سواء في بعدها المقارن بين الدول أو في بعدها الطولي عبر السنوات الدراسية، لا يمكن التعامل معها بوصفها أرقاماً عابرة أو مجرد نتائج امتحان دولي عادي ، بل بوصفها لحظة حقيقة تربوية تكشف بوضوح أين نقف، وإلى أي اتجاه نسير ، فهذه النتائج تؤكد أننا وصلنا إلى مستويات مقلقة في تحصيل طلبتنا في الرياضيات والعلوم والقراءة، وأن الفجوة بيننا وبين الدول المتقدمة، بل وحتى عدد من الدول النامية، آخذة في الاتساع ، بيد أن الأخطر من انخفاض العلامات ذاتها هو ما تعكسه البيانات من ضعف في التقدم المعرفي الحقيقي عبر الصفوف الدراسية، بما يعني أن الطالب ينتقل من مرحلة إلى أخرى دون أن يحقق نمواً تعليمياً متراكماً يتناسب مع سنوات تعليمه.

من منظور تربوي مهني، لا يمكن اختزال هذه المؤشرات في امتحان أو مرحلة بعينها، ولا في جائحة أو ظرف طارئ، بل هي نتاج تراكمات بنيوية في السياسات التعليمية والممارسات الصفية وأنماط التدريس والتقييم ، فنحن أمام نظام تعليمي بذل جهداً كبيراً في الإتاحة والانتشار، لكنه لم ينجح بالقدر الكافي في ضمان نوعية التعلم وعمقه ، فالطالب الذي يعجز عن فهم نص علمي، أو تحليل موقف رياضي، أو توظيف ما تعلمه في حل مشكلة جديدة، هو نتاج مسار تعليمي ركز لسنوات طويلة على الحفظ والاستظهار، وأهمل بناء الفهم، والتفكير، والنقل المعرفي.

ما أؤمن به "كتربوي" أن هذه النتائج، على قسوتها، لا يجب أن تكون مادة للتخويف أو جلد الذات، بل منطلقاً وطنياً جادًا للإصلاح ، فالجمود أمام هذه الأرقام أخطر بكثير من خوض تجربة إصلاح مدروسة، حتى وإن احتاجت إلى تصويب وتطوير في مسارها ، والسؤال الحقيقي ليس : لماذا جاءت النتائج ضعيفة؟ بل : ماذا سنفعل بهذه المعرفة، وكيف نحولها إلى قرارات وسياسات تصنع فرقاً فعلياً داخل الصف؟

جوهر المعالجة يبدأ من داخل العملية التعليمية نفسها، من حيث تبنى المهارات الأساسية للطلبة ، فالدراسات الدولية لا تقيس مقدار ما حفظه الطالب، بل قدرته على الفهم، والتحليل، والتطبيق، وحل المشكلات ، وهذا يفرض إعادة توجيه التعليم نحو بناء هذه القدرات منذ الصفوف الأولى، باعتبارها الأساس الذي يقوم عليه أي تعلم لاحق ، فلا يمكن أن نطالب طالباً بأداء متقدم في "TIMSS" إذا لم نضمن أنه يمتلك أساساً متيناً في القراءة والفهم الرياضي والتفكير العلمي.

وفي قلب هذا التحول يقف المعلم، بوصفه العامل الأكثر تأثيرًا في جودة التعلم ، اذ ان أي إصلاح لا يضع المعلم في مركزه الحقيقي هو إصلاح منقوص ، اذ اننا بحاجة إلى تطوير مهني عميق ومستدام ، لا يكتفي بدورات نظرية عامة، بل يرتبط مباشرة بما يحدث داخل الغرفة الصفية، ويزود المعلم بأدوات عملية لبناء التفكير، وطرح الأسئلة، وإدارة الحوار، وتشخيص تعلم الطلبة ، حؤث تمكين المعلم مهنياً هو الطريق الأقصر لتحسين تعلم الطلبة، وهو استثمار طويل الأمد لا غنى عنه.

كما أن التقييم، بصيغته السائدة، يحتاج إلى مراجعة جذرية ، حيث ان التقييم التكويني المستمر يجب أن يتحول إلى ممارسة يومية واعية، لا إلى شعار تربوي ، فعندما يستخدم التقييم لاكتشاف الفجوات أثناء التعلم، وتقديم تغذية راجعة فورية ومفهومة، يصبح أداة علاج لا أداة فرز ، بهذا الشكل فقط يمكن منع تراكم الضعف عبر السنوات، وبناء استعداد حقيقي لأي اختبار وطني أو دولي في المستقبل.

ولا يقل أهمية عن ذلك توفير برامج دعم مبكر ومنهجي للطلبة الذين تظهر لديهم فجوات في المهارات الأساسية ، فالدعم لا يعني عزل الطالب أو وصمه، بل تمكينه عبر تدخلات ذكية قائمة على بيانات دقيقة، تعيد بناء الأساس المعرفي بثقة وتدرج ، فكل فجوة تعالج في وقتها توفر على النظام التربوي سنوات من المعالجة المتأخرة.

إلى جانب المدرسة، لا يمكن إغفال دور الأسرة والمجتمع ، فالتعلم لا يحدث في الفراغ، والطالب الذي لا يجد بيئة داعمة خارج المدرسة سيبقى أثر التعليم لديه محدوداً ، فتمكين الأهل بالمعرفة والأدوات، وبناء شراكة حقيقية بينهم وبين المدرسة، يضاعف أثر أي إصلاح، ويمنح العملية التعليمية بعدها الإنساني الذي لا غنى عنه.

أما على مستوى السياسات، فإن هذه النتائج تفرض تبني ثقافة القرار المبني على البيانات، وتحديد مؤشرات أداء واضحة، ومتابعة أثر أي تدخل بشكل دوري ، فالإصلاح الحقيقي لا يقاس بالنوايا، بل بالأثر داخل الصف، وبقدرة الطالب على التفكير والتعلم والنمو المعرفي المتواصل.

بقي ان اقول : إن نتائج "TIMSS" ليست شهادة فشل، بل جرس إنذار وفرصة في آن واحد ، حيث الفرصة لإعادة ترتيب الأولويات، والانتقال من إدارة التعليم إلى قيادة التعلم، ومن التركيز على الشكل إلى التركيز على الجوهر ، فإذا أحسنا قراءة هذه اللحظة، واتخذنا قرارات شجاعة ومدروسة، يمكننا أن نحول هذا التحدي إلى نقطة انطلاق نحو نظام تعليمي أكثر عدالة وفاعلية وقدرة على إعداد جيل يمتلك المهارات التي يحتاجها للمستقبل.

وأخيراً فالتعليم مسار طويل، لكنه قابل للإصلاح إذا توفرت الرؤية، والجرأة، والعمل الجاد ، وهذه النتائج، مهما كانت قاسية، قد تكون أفضل ما حدث لنا إذا تعاملنا معها بوصفها بداية الحل لا نهايته.

والله ولي التوفيق





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :