يخطئ كثيرون حين يعتقدون أن الصراخ على الأطفال مجرّد وسيلة سريعة للضبط أو التنبيه، وأن أثره يزول بانتهاء الموقف. غير أن العلم الحديث في مجالي علم النفس العصبي والإرشاد التربوي يؤكد أن الصراخ المتكرر يُعد شكلًا من أشكال العنف النفسي، وله آثار عميقة قد تمتد لسنوات.
عندما يتعرّض الطفل للصراخ، لا يستقبل دماغه الكلمات بقدر ما يستقبل الإحساس بالتهديد. إذ ينشط مركز الخوف في الدماغ، وتُفرز هرمونات التوتر، فيدخل الطفل حالة دفاعية تعيق التفكير والتعلّم. في تلك اللحظة، لا يكون الطفل قادرًا على فهم الرسالة التربوية، بل يكون منشغلًا بمحاولة حماية نفسه نفسيًا.

وتشير دراسات نفسية حديثة إلى أن الأطفال الذين ينشأون في بيئات يكثر فيها الصراخ يكونون أكثر عرضة للقلق، وتدنّي تقدير الذات، واضطرابات السلوك. كما أظهرت دراسات عربية أن التعنيف اللفظي المستمر يرتبط بضعف الشعور بالأمان النفسي، ويؤثر سلبًا في العلاقة بين الطفل ووالديه.

من منظور الإرشاد النفسي والتربوي، لا يمكن اعتبار الصراخ أداة تربية فعّالة، بل هو غالبًا انعكاس لضغط نفسي يعيشه الكبار أكثر من كونه استجابة واعية لسلوك الطفل. فالأطفال لا يسيئون التصرّف عبثًا، بل يعبّرون عن احتياجات غير مشبعة، كالتعب أو الخوف أو الإحباط، بطرق لا يجيدون تنظيمها بعد.

التربية الهادئة لا تعني غياب الحزم، بل تعني وضع حدود واضحة بلغة محترمة، ونبرة ثابتة، وتواصل يشعر الطفل بالأمان. فالطفل يتعلّم الانضباط حين يشعر بالاحتواء، لا بالخوف.
إن أخطر ما في الصراخ أنه يعلّم الطفل درسًا غير مقصود: أن الصوت العالي أقوى من الحوار. بينما التربية الواعية تزرع داخله درسًا أعمق: أن الاحترام هو أساس العلاقة، وأن الخطأ فرصة للتعلّم لا للإهانة.