عوامل تعزيز السلم المجتمعي ومظاهر العيش المشترك ومدينة السلط
م. عبد الغني طبلت الايوبيين
17-12-2025 03:54 PM
تُعد مدينة السلط أنموذجاً تاريخيا متميزا قام على رفد معطيات السلم المجتمعي وتدعيم مظاهر العيش المشترك التي نمت وترعرعت وتأصلت بين جنبات أزفتها وحاراتها ، فقد تميزت المدينة (وما زالت) بألفة فريدة وتناغم لا نظير له بين عشائرها وعائلاتها ومقيميها وزوارها دون تمييز او مفاضلة من أي نوع كان ، وخاصة ان تعلق ذلك بالعرق او الطائفة أو الأصول أو المنابت
كما وتجلت تعابير التناغم والألفة وانجلت مفرداتها المتجذرة ، عبر ما ورد وأشار اليه تاريخ مدينة السلط المغموس بالعراقة والاصالة والضارب في القدم ، والذي راعى (ومازال يراعي) مظاهر التسامح وسلوكيات التاّلف والاندماج ، واعتنى بممارسات الاحترام البيني المتبادل بين مختلف المكونات المجتمعية فيها ، الأمر الذي خلق نسيجاً ديموغرافيا (سكانيا) متماسكا ومتناغما بمختلف الوانه واطيافه ، عكس مضامين الألفة المتأصلة ، وبلور مفردات الترابط الراسخ بين تلك المكونات عبر الأجيال المتعاقبة (الى يومنا هذا) وجعلها أسلوب حياة مستدام
وتقوم مظاهر العيش المشترك والسلم المجتمعي التي تعزز من وحدة وتجانس مكونات مدينة السلط على مايلي:
1. التاريخ المشترك: فالسلط مدينة عريقة ، تعايشت في جنباتها مختلف المكونات ولفترات طويلة متعاقبة بدعة ووئام وسلم مجتمعي ، مما انتج منظومة مجتمعية متماسكة وراسخة ، نضجت بشكل ظاهر للعيان بمرور السنين
2. الاحترام المتبادل: ويظهر ذلك جلياً في توطيد عرى الاحترام البيني المتبادل بين مختلف المكونات المجتمعية دونما قيد او شرط ، لابل ان مظاهر التكافل الطاغية تعكس أهمية كل مكون في المنظومة المجتمعية بشكل متوازن غير متحيز
3. التسامح الديني: ولا أدل على ذلك سوى تجاور الكنائس والمساجد ووجود فروع مسيحية ضمن تشكيلة بعض العشائر ، ناهيك عن المشاركة البينية المتبادلة في المناسبات والأعياد والاحتفالات الدينية ووجود تمثيل نيابي ولدى الجهات العامة
4. التداخل البيني والمصاهرة: بين مختلف المكونات المجتمعية من عشائر وعائلات التي عكست عمق الروابط الأسرية بينها والتي تخطت أية حدود نمطية او معيقات غير مألوفة وغدى الجميع بمثابة الأخوال لبعضهم البعض
5. تداخل الموروث الثقافي (مادي ولامادي): بما فيه من عادات وتقاليد ، حيث تتجلى روح التآلف في مختلف مناحي وأماكن ممارسة الحياة اليومية بمدارسها وجامعاتها واسواقها وشوارعها ومناسباتها الاجتماعية بأفراحها وأتراحه
6. الطابع العمراني: ووجود أكثر من 500 مبنى تراثي من الحجر الأصفر مثلت مختلف المكونات المجتمعية على حد سواء ، مما عكس هوية بصرية موحدة رمزت للسلم المجتمعي والعيش المشترك الذي ميز حقبة الازدهار 1860 - 1920
7. أثر الكيانات المجتمعية: من مؤسسات وجمعيات وروابط وأندية ممن لعبوا أدوارا مهمة وملموسة في تعزيز مستوى التداخل والتفاعل البيني بين مختلف المكونات المجتمعية ، والذي عززته عبر تعميم برامجها ومبادراتها ومشاريعها دونما تحيز
8. المكاسب المشتركة: التي تجلت من خلال مد يد العون والمساعدة لمن يحتاجها سواء من الجيران أو المعارف أو غيرهم دون قيود اواستثناءات او تحديد اولويات ، ناهيك عما توطد من عرى للتعاون والمساندة بين مختلف المكونات
9. المشاركات التلقائية: التي تصب في مصلحة المدينة عبر انخراط مختلف المكونات المجتمعية في الأعمال التطوعية والجهود الخيرية والمبادرات البيئية بجهود مشتركة دونما تمييز او مفاضلة لمواجهة التحديات القائمة والتغلب عليها
10. انعكاسات التحول الرقمي والمجتمع المعرفي: التي ساهمت في توظيف التقنيات الحديثة لتعزيز مدى وسهولة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإبراز أية مصاعب قد تواجه المدينة ، ونقل روح السلط الأصيلة المتسامحة للوطن والعالم
باختصار، فإن مدينة السلط تقدم أنموذجاً فريدا ونمطا حياً لمعطيات السلم المجتمعي والتعايش المشترك ، ليس كمفهوم نظري جامد ، وإنما تم معايشتها كتجربة ديناميكية حية على أرض الواقع ، وكمنهج حياة حياة يومي متوارث أب عن جد ، تميز بالألفة وازداد تألقا بالتسامح ، وسطع وتوهج بالمشاركة الوجدانية العاطفية بين مختلف المكونات المجتمعية التي تعيش في المدينة