عيد الميلاد في الأردن غير ..
القس سامر عازر
18-12-2025 11:43 AM
عيد الميلاد في الأردن غير، ليس لأنَّ طقوسه مختلفة فحسب، بل لأنَّ روحه متجذّرة في عمق هذا الوطن، في تاريخه، وفي إيمانه، وفي نسيجه الإنساني والوطني الفريد. والتأمل العميق في معنى الميلاد وفي واقع الأردن يكشف سرّ هذا «الغير» الذي لا يشبه سواه.
ميلاد السيد المسيح من بتول مباركة، بقوة الروح القدس، هو إيمان مشترك يوحّد القلوب قبل أن يميّز العقائد. هو سرّ إلهي تلتقي فيه السماء بالأرض، ويتحوّل إلى رسالة محبة وسلام موجهة لكل إنسان. وفي الأردن، لا يُختزل الميلاد في جماعة بعينها، بل يُعاش كقيمة جامعة، لأن الإيمان بالله، ومحبة الإنسان، واحترام كرامته، ركائز راسخة في وجدان هذا الشعب.
ولذلك، ليس غريبًا أن تتلألأ شجرة الميلاد في كل زوايا المملكة، في الساحات العامة كما في البيوت والكنائس، وأن تُضاء بفرح يشترك فيه المسيحي والمسلم معًا، وبرعاية ملكية سامية تعبّر بعمق عن اللحمة التاريخية، والوحدة الوطنية، والشراكة الإنسانية الأصيلة. هنا يصبح الميلاد حدثًا وطنيًا بامتياز، تتجسد فيه الأخوّة المعاشة لا الشعارات، والمحبة المتجذرة في الحياة اليومية.
الأردن أرض مقدسة، يزخر بالمواقع الدينية التي تشهد لحضور الله في التاريخ، وفي طليعتها موقع معمودية السيد المسيح، حيث انطلقت رسالة رسول المحبة والسلام، وحيث تتجدد الدعوة إلى القيم الإنسانية والروحية التي يحتاجها عالمنا اليوم أكثر من أي وقت مضى، شرقًا وغربًا. فهذه البلاد، القريبة من الله بمحبتها وإيمانها، تؤمن أن محبة الإنسان—الذي هو صورة الله ومثاله—هي الطريق الأصدق إلى الله.
الميلاد في الأردن غير، لأنه أيضًا عيد وطني يولّف بين القلوب، ويحمل أشواق الروح نحو العلاء، نحو التكافل والتضامن، ونحو حياة آمنة مطمئنة يسودها البر والعدل والسلام. إنه زمن تتلاقى فيه القيم الإيمانية مع القيم الوطنية، فيتعانق الإيمان بالمواطنة، والروح بالوطن.
والميلاد في الأردن غير، لأن هذا الوطن يحتضن الجميع على أساس تعددية غنية وثرية، لا تضعف النسيج الوطني بل تغنيه وتقوّيه، تحت الراية الهاشمية المستندة إلى مبادئ الثورة العربية الكبرى: الحرية، والكرامة الإنسانية، والوحدة، والعدل. هنا يتحول التنوع إلى نعمة، والشراكة إلى قوة، والاختلاف إلى مصدر غنى لا انقسام.
وهو غير أيضًا، لأن الميلاد يجمع القيادات الدينية معًا في معايدة صادقة في الديوان الملكي العامر، مما يجسّد تآلف القلوب قبل تلاقي الكلمات، وتؤكد أنَّ المحبة والتعاون وخدمة الوطن هي رسالة مشتركة. ومنها تنبع المواقف الثابتة في الدفاع عن الكرامة الإنسانية، وإنهاء الاحتلال، وصون المقدسات الدينية، في إطار الوصاية الهاشمية وبموجب الوضع التاريخي والقانوني القائم.
نعم، عيد الميلاد في الأردن غير..
هو أكثر من ذكرى، وأكثر من احتفال.
إنه شهادة حيّة على أن الإيمان حين يُعاش بصدق يتحول إلى سلام، وأن الوطن حين يُبنى على المحبة والعدل يصبح مساحة رجاء للعالم أجمع. وفي هذا الميلاد، نؤمن من جديد أن النور أقوى من الظلمة، وأن الله، محبةً، ما زال يسكن بيننا.