أطفال (نضجوا) قبل الأوان .. أسر مفككة وأمهات جاهلات وآباء مخطئون
28-01-2007 02:00 AM
تحقيق- سهير جرادات - تكافح أحلام، 14 عاما، لإغلاق باب الذكريات المرّة مذ تكسرت أحلام طفولتها حين تعرضت للاغتصاب على يد والدها الذي يفترض أن يكون حامي البيت وراعيه. تتطلع هذه الفتاة بعزم للملمة انكساراتها لعّلها تنقذ ما تبقى من براءة الطفولة وتبعد طفلتي عن درب الشقاء والسفاح.
كلمة السر بالنسبة لأحلام هي الصفح والغفران.
فرغم الجرح الذي تركه في النفس والجسد اعتداء والدها الجنسي، وقفت أحلام أمام القاضي لتقول سامحته.. بدّي أدرس تربية أطفال.. لأساعد طفلتي/شقيقتي في هذه الحياة.
قضية أحلام وجدت طريقها إلى المحاكم الأردنية. كما حظيت الفتاة المجروحة بعلاج نفسي بخلاف عشرات الحالات المتوارية خلف قصور التشريعات في مجتمع محافظ.
أحلام هي واحدة من بين 2454 قضية اعتداء جنسي تعرض لها الأطفال تعاملت معها إدارة حماية الأسرة التابعة لمديرية الأمن العام، منذ تأسيسها عام 1998 ولغاية نهاية العام الماضي.
على أن أضعاف هذه القضايا تبقى غير مكتشفة بسبب تركيبة المجتمع الأبوي وغياب التشريعات المفترض أن تحصن الأطفال ثم تحميهم من أذى المقربين منهم، حسبما يؤكد خبراء قانون.
ولا يوجد قاعدة بيانات موحدة لرصد هذه المشاكل.
إلا أن دراسات، أجرتها إدارة حماية الأسرة، لاحظت تزايدا في هذه الحالات في أوساط البيئة الفقيرة، العاطلين عن العمل، تدني مستوى الثقافة والعلم وارتفاع عدد أفراد الأسرة.
بحسب اختصاصي الطب الشرعي هاني جهشان، فإن 25 % من الاعتداءات الجنسية التي تصل عيادته تكون عادة من داخل الأسرة، ومثلها تنسب إلى غريب عن العائلة و50 % على يد شخص معروف للضحية.
الإبنة والأم بانتظار مولودين من أب واحد
والد أحلام، العامل في أحد مصانع الطوب (38 عاما)، اعتبر أن ابنته وجسدها ملك لي، حسبما جاء في اعترافاته أمام محكمة الجنايات الكبرى.
وبالتالي عنّ له فعل ما يشاء بهذا الجسد الغض، طالبا من أحلام أن لا تخبر أحدا بفعلته خصوصا والدتها. انتفخ بطن الفتاة العزباء بالتزامن مع حمل أمها تحت سقف واحد. وانكشفت الفضيحة بالصدفة بعدما أخذتها والدتها إلى الطبيب لمعالجة ألم مفاجئ في خاصرتها.
أحالت السلطات الابنة الحامل إلى أحد دور الرعاية بوزارة التنمية الاجتماعية حتى وضعت طفلة في الشهر الأخير من عام 2005. أودعت الطفلة لاحقا لدى إحدى دور الرعاية وفصلت نهائيا عن أمها، بموجب المادة31 الفقرة 7 من قانون الأحداث رقم 24 لسنة 1968 الطفلة/الأم لا تعرف اسم ابنتها غير الشرعية التي تلج الحياة بدون هوية لأب مجهول وأم ضحية. تبقى هذه الطفلة مجهولة النسب، كعشرات اللقطاء- يحملون وزر خطايا وأخطاء الأهل والمجتمع، والسلطات.
نهاية أسرة
أما والدة الأم وجدة الطفلة فوضعت طفلا بعد ذلك التاريخ بشهرين، ليرتفع عدد الأسرة إلى أربعة بدون الأم الضحية التي خسرت طفولتها لتستقر قسرا في إحدى دور رعاية الأحداث.
في إفادتها أمام القاضي، أكدت الوالدة البالغة من العمر 30 عاما أن علاقتها الجنسية مع زوجها كانت على ما يرام، بدليل ابنها الجديد، كما وصفت زوجها بأنه أب مثالي.
أما الأب فرفض الاعتراف أمام القاضي. عندما سئل عن الجريمة صمّ أذنيه عن الاتهامات لكنه لم يبد خوفا أو ندما. على أن فحص الحمض النووي (دي إن إي) أثبت أبوته لمن يفترض أن تكون حفيدته.
لاعتبارات أسرية وإنسانية طلبت الأم بصفتها الوصية على المجني عليها التنازل عن حقها الشخصي. بيد أن المحكمة لم تأخذ بـالأسباب المخففة التقديرية ووضعت الأب بالسجن 15 عاما مع الأشغال الشاقة، بدلا من تخفيضها إلى الحد الأدنى سبع سنوات.
ارتكزت المحكمة في هذا القرار إلى المادة 285 من قانون العقوبات وتعديلاته رقم 16 لسنة 1960 المتعلقة بجناية الشروع التام بالاغتصاب مكرر عشر مرات وجناية هتك العرض مكرر عشرين مرة.
جنايات أخرى بدون عقاب
رصدت خلال التحقيق الاستقصائي الذي استمر ستة شهور العشرات من الاعتداءات الجنسية أوقعها الأب و/ أو الأخ على الأطفال، إلا أن قصور التشريعات تحول دون عقاب المسيئين.
ويتحدث خبراء قانونيون عن فراغ تشريعي وثغرات قانونية فيما يتعلق بمعالجة قضايا السفاح. كما وان مواد القوانين الحالية، التي تعود إلى خمسة عقود، تعجز عن احتواء تداعيات هذه الجرائم. وبالتالي يبقى الأطفال عرضة لاضطرابات نفسية دائمة، قد تحولهم إلى جناة في المستقبل، بحسب خبراء في الطب النفسي.
تاليا بعض حالات العنف داخل الأسرة لدى سجلات القضاء ودور الرعاية..
باسم كان أطفأ شمعته التاسعة حين أجبره والده سائق تكسي على ممارسة اللواط في غرفة بمنزلهم. عندما نبّه باسم والده إلى أن أحد الجيران كان يتلصص على فعلته نهره الأب قائلا إنت ابني وأنا حر فيك ..وما حدا خصّه فينينا.
أما الشقيقان أيهم وراويه (عشرة وسبعة أعوام) فتعرضا لإساءة جنسية وجسدية على يد والدهما وزوجته بما في ذلك دفعهما لممارسات جماعية معهما تحت التهديد بالعقاب.
تقول خديجة البيطار المسؤولة الإعلامية في مؤسسة نهر الأردن التنموية التي تتبع لها دار الأمان، إن رحلة علاج أيهم وراوية النفسي تتعثر بسبب فرار الجناة، إذ يخشى الطفلان من انتقام الأب وزوجته.
وتتحدث البيطار عن صعوبة إيجاد أسرة بديلة لرعاية الطفلين لغياب الضمانات بحماية الأسرة من مطالبات الأهل الشرعيين.
ثلاثة أشقاء، أكبرهم طفلة في الخامسة، انخرطوا في حركات جنسية مع والدهم الذي استغل طفولتهم بعد أن كان يضع حبوبا منومة لوالدتهم. الأب، الذي يعاني من مرض نفسي بحسب زوجته، فرّ إلى الولايات المتحدة بعد أن كشفت خدعه.
استغلال وقتل شاب في السادسة عشرة اغتصب أخته غير الشقيقة البالغ عمرها ست سنوات ثم قتلها ليغطي على جريمته، بحسب سجلات المحاكم. نال الأخ القاتل، صاحب سوابق في السرقة، حكما مخففا بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة بعد أن أسقط والد الضحية حقه الشخصي.
آثار نفسية بأثر رجعي
سماح (34 عاما) كشفت لحماية الأسرة التابعة للأمن العام عن تعرضها لاعتداء جنسي على يد والدها حين كانت في الثالثة عشرة. روت سماح كيف اتخذها والدها خليلة من بين أخواتها على مدار 21 عاما تحت غطاء الأبوة.
كان الوالد يصطحب سماح إلى مزرعة العائلة بعد أن يحضّها على افتعال مشاكل مع والدتها وأخواتها الست الأصغر منها، حتى يجد فرصة ليمارس رذيلته هناك بعيدا عن أعين العائلة التي صعقت حين باحت الضحية بسرها بأثر رجعي.
سماح لم تفش سرّها بسبب صحوة ضمير مفاجئة بل لأن والدها أوقف نشاطه معها بسبب كبر السن.
نظرت الفتاة حولها لتجد أخواتها وقد تزوجن فيما خسرت هي كل شيء.
بعد أن انتهت فترة الحكم، التي خفضت إلى سبع سنوات لأن الفتاة تنازلت عن الحق الشخصي، عاد الجاني والضحية للعيش تحت سقف واحد.
الإشكال القانوني
يطالب قانونيون بتعديل وسن قوانين جديدة لحماية الأطفال وتشكيل محاكم بمسارات سريعة مختصة بقضايا العنف الأسري، على أن تكون مزودة بحلقات استماع عبر الفيديو لتخفيف الانعكاسات النفسية على الطفل. قضاة هذه المحاكم يجب أن يكونوا مؤهلين للتعامل مع الطفل.
بعد إجراءات التقاضي، يأتي دور مراكز حماية المعنفّين لإيواء الشباب والشابات بعد سن الثامنة عشرة ومعالجة الآثار النفسية التي يتعرضون لها يدعو خبير الطب الشرعي هاني جهشان، وهو عضو مؤسس في جمعية ضحايا العنف الأسري، إلى تسريع إجراءات التقاضي وتوعية المواطنين ومنفذّي قرارات المحاكم من اجل اختزال هذه الإجراءات.
أظهرت دراسة للمركز الوطني للطب الشرعي أن واحدا من خمسة متهمين في قضايا عنف أسري يفلتون من العقاب لعدم ثبوت الأدلة. في المقابل دعا جهشان إلى سد النقص في أعداد المؤهلين بمقابلة الضحايا وإيجاد هيئة مختصة في الجنايات الكبرى متفرغة لقضايا حماية الأسرة.
وتحدث عن وجود قاعة واحدة ضمن الجنايات الكبرى مزودة بأجهزة فيديو سي سي تي في مؤهلة للاستماع للشهود بعيدا عن أعين الحضور حتى لا تتفاقم الآثار النفسية.
أيد هذا المطلب مدير إدارة حماية الأسرة العقيد فاضل الحمود، وطالب بتشكيل محاكم أسرية متخصصة في مبان منفصلة عن المحاكم النظامية تضم قضاة مدربين.
ودعا الحمود إلى مأسسة العمل وتشبيكه بين مختلف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية المعنية بمتابعة قضايا المجتمع.
إدارة حماية الأسرة، وفق الحمود، اعتمدت السرية والخصوصية منذ إنشائها عام 1998 كما وفرت الراحة النفسية للضحايا من خلال التحقيق معهم في غرف خاصة وتصوير مقابلات الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية بواسطة الفيديو لحماية الطفل من الإيذاء النفسي وعدم تعرضه لتكرار سرد ما وقع عليه من إساءة عدة مرات أمام أكثر من جهة.
قدمت الإدارة خدمات إلى 7079 طفلا وطفلة بين عامي 1998 و2005، من خلال فروعها في عمان وإربد والزرقاء والعقبة والكرك والبلقاء ومادبا.
يُرجع الحمود ارتفاع حالات التبليغ عن العنف الأسري بشكل عام إلى زيادة درجة وعي مجتمع بالآثار السلبية لهذه المشكلة ونوعية الخدمات المقدمة من مختلف المؤسسات المعنية.
المسؤولة الإعلامية في مؤسسة نهر الأردن التي تشرف على دار الأمان التي تاسست عام 2001 وتعاملت لغاية اليوم مع 209 حالات تنتقد غياب إجراءات تأهيل المعتدي إذ ليس ثمة جلسات إرشادية مناسبة وجها لوجه لمعالجة هذه الفئة.
دار الأمان الأولى في الأردن والمنطقة تستقبل وتتعامل وتؤهل الأطفال الذين تعرضوا للعنفالجسدي والجنسيبطاقة استيعابية تصل إلى 35 طفلا وطفلة وتقوم الدار التي تأسست لتكون نموذجا للمنطقة بتدريب الاخصائيين الاجتماعيين من مختلف الأقطار على كيفية التعامل مع الأطفال المعنفين.
إلى ذلك طالبت البيطار بسن تشريعات متطورة لمتابعة الجناة بعد إجراءات التقاضي، كما حثت على تسريع إقرار قانون حقوق الطفل المعروض الآن على مجلس الأمة.
وكان الأردن وقّع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل عام 1991 مع تحفظات على البنود المتعلقة بحرية الفكر والوجدان والدين وحق الطفل بالرعاية البديلة أو التبني، إذ تبيح المملكة الكفالة بدلا من التبني طبقا للشريعة الإسلامية، وفقا للمحامية رحاب القدومي.
وأقر مجلس الأمة الاتفاقية مع التحفظات في منتصف العام الماضي ونشرت في الجريدة الرسمية وبالتالي أصبحت نافذة.
تقول القدومي، التي شاركت في صياغة مشروع قانون حقوق الطفل عام 1997 أنه يفترض أن يسد ثغرات قانونية وتشديد عقوبة استغلال الأطفال جنسيا من هتك العرض والاغتصاب من الأشغال المؤقتة 15 عاما الى المؤبد 25 عاما.
الأهم منذ ذلك أن القانون المعدل يجمع مواد حماية الطفل ضمن تشريع موحد بدلا من بقائها مبعثرة في قوانين الصحة والجنسية والتربية والتعليم وفقا للقدومي.
ينص مشروع القانون، الذي لمّا يقر بعد، على حق الطفل في هوية شخصية منذ ولادته يحدد فيها اسمه ونسبه وجنسيته وديانته ومكان ولادته وتاريخها، حقه في النسب والرعاية الصحية والتعليم والسلامة المرورية والنشوء في أسرته وعدم فصله عنها إلا بقرار قضائي.
هذا القانون يلزم أي شخص يشاهد إساءة بحق أي طفل بالتبليغ عنها وإلا تعرض للمساءلة الجزائية، بخلاف القانون المطبق حاليا، الذي يترك خيار تقديم الشكوى. وفي حال قدّم أي طفل إفادة بتعرضه لعنف جسدي أو جنسي، تحرّك قضية حق عام بحق ذوي الطفل، مع أنه لا يستطيع تقديم شكوى مباشرة- كونه أقل من السن القانونية- إلا تحت مظلة أحد أقربائه.
ينص القانون أيضا على إقرار نظام رعاية بديلة مع منح الأسر البديلة ضمانات بما يمنع الأب والأم غير الأسوياء من التحرش بهذه الأسر أو المطالبة بالأطفال.
مع أن مشروع القانون أحيل لمجلس النواب عام 2003 إلا انه لم يعرض للنقاش حتى الآن، بحسب القدومي التي أوضحت أن المجلس الوطني لشؤون الأسرة والمنظمة الدولية لرعاية الطفولة اليونيسيف والمركز الوطني لحقوق الإنسان إلى تشكيل جبهة ثلاثية عام 2004 لتسريع النظر في القانون.
ورأت المحامية القدومي، المتخصصة في شؤون رعاية الطفل، أن بعض المسؤولين يعيقون تعديل التشريعات بسبب أنماط فكرية تقليدية أو مناهضة للأفكار الغربية بصرف النظر عن نجاعتها.
في الأردن قانون وحيد قانون الأحداث ونظام وحيد نظام رعاية الطفولة وصادقت المملكة ووقعت ثلاث اتفاقيات دولية، هي: اتفاقية حقوق الطفل عام 2006 ، والحد من جميع أشكال عمل الأطفال رقم 182 عام 2000 وعدم استخدام الأطفال رقم 138 عام 1997.
الثقافة الجنسية ورأي الدين
ما كنت اعرف شو يللي بصير، وانه ما كان لازم يعمل أبوي هيك، أو إني لازم أرفض إلحاحه هكذا أجابت أحلام على تساؤلات القاضي.
يطالب علماء دين إسلامي ورجال دين مسيحي بإدخال الثقافة الجنسية ضمن المنهاج المدرسي، لكن ضمن ضوابط بحيث يبتعد المساق عن الإثارة.
مفتي عام المملكة الشيخ سعيد الحجاوي أكد أن الثقافة الجنسية تندرج تحت فرض كفاية لافتا إلى أن مجلس الإفتاء ينظر الآن في فتوى حول جواز إدراج الثقافة الجنسية ضمن مناهج وزارة التربية والتعليم.
رئيس المركز الأردني لبحوث التعايش الديني الأب نبيل حداد ورئيس المركز الثقافي الإسلامي الدكتور احمد العوايشة طالبا أيضا بإدراج الثقافة الجنسية ضمن مساقات المدارس.
ولفت رجال الدين إلى دورهم في حثّ السلطة التشريعية على الاهتمام بالقوانين التي ترعى حقوق الطفل وتصونها. إلى ذلك دعوا إلى حملة وطنية لمكافحة العنف وتعزيز دور الأسرة.
الباحث الاجتماعي في جامعة البلقاء التطبيقية حسين الخزاعي أرجع تنامي حالات العنف الأسري إلى غياب الوعي الجنسي البسيط ومظاهر الانغلاق الأسري على النفس وعلى الأهل والمحيط وتنامي الفجوات الثقافية داخل المجتمع وغياب التوافق على قيم مجتمعية تضبط تصرفات الجميع.
القضاء العشائري
القاضي العشائري فهد مقبول الغبين تحدث عن حزمة عقوبات عشائرية بحق الجاني في قضايا العنف الأسري.
يقول الغبين إن عقوبة من يعتدي جنسيا على أحد المحارم هي النفي والازدراء وعدم المصاهرة. يترجم ذلك بـعدم رد التحية أو صب قهوة الضيف له وصولا إلى هدر دمه وعدم المطالبة بدمه.
على أن القضاء العشائري توقف عن النظر في هذه القضايا منذ عقود.
قواعد بيانات غير مكتملة
بحسب الناطق الإعلامي في وزارة العدل القاضي جهاد العتيبي لا تتوفر لدى وزارة العدل احصائيات تفصيلية عن القضايا او عن درجة القرابة في قضايا الاغتصاب المسجلة بسجلات المحاكم لعدم توفر سجل عدلي. لكن العتيبي أوضح أن العمل جار على حوسبة القضايا التي تنظر في المحاكم .
يؤوي 24 مركزا حكوميا وتطوعيا 1300 طفل. لكن هذه المراكز لا تصنّف أيا من نزلائها على خلفية الاعتداءات الجنسية داخل الأسرة .
بحسب مدير مديرية الأسرة والمرأة والطفولة في وزارة التنمية الاجتماعية سعود البراري، لا توجد قاعدة بيانات حول إجمالي عدد الأطفال الذين انتفعوا من خدمات الوزارة منذ تأسيسها عام 1946. يتحدث البراري أيضا عن غياب الإحصائيات حول أعداد الأطفال مجهولي النسب لقيط أو ابن سفاح إذ لا يتم تصنيفهم تحاشيا لـوصم الأطفال بمصطلحات تسيء لهم.
دار الأمان الدار الايوائية الوحيدة التي تعنى بقضايا الإساءة التي يتعرض لها الأطفال من داخل أو خارج الأسرة، أما إدارة حماية الأسرة غير إيوائية تعنى بالأطفال المساء لهم تحول حالات الإساءة التي ترد إليها إلى دار الأمان لمن هم دون الثانية عشرة من عمرهم أو إلى مركز الخنساء لرعاية وتأهيل وحماية الفتيات إذا كانت الفتيات المحتاجات للحماية لتعرضهن للإساءة من داخل الأسرة أو خارجها وكن أكبر من اثني عشر عاما واقل من الثامنة عشرة.
أما رئيس محكمة الجنايات الكبرى القاضي محمد إبراهيم فأوضح من جانبه أن عدد قضايا الاعتداءات الجنسية القطعية أو تلك التي لا تزال منظورة أمام المحاكم بلغ 1297.
تتنوع هذه القضايا بين القتل والتدخل بالقتل والشروع بالقتل وقضايا الاغتصاب والتدخل بالاغتصاب والشروع بالاغتصاب ومواقعة أنثى (برضاها) وهتك العرض.
تحديث التشريعات
يطالب قضاة بتعديل المادة الوحيدة المتصلة بقضايا السفاح رقم (285) في قانون العقوبات لسنة 1960، بهدف احتواء حالات الاعتداء الجنسي. في العام 1988 عدلت هذه المادة برفع حد العقوبة الأدنى من سنتين إلى سبع سنوات وحدها الأعلى من ثلاث إلى 15 سنة.
رئيس محكمة الجنايات الكبرى محمد إبراهيم ورئيس الهيئة المختصة بالنظر في قضايا العنف الأسري نذير الحياري والقاضي عزام عبيدات يطالبون بإدخال تعديل ثان يكون أكثر ردعا. ويرى هؤلاء القضاة أن على المشرّع تشديد العقوبة فيما يتعلق بدرجة الحرمة الدائمة (الأب، الأخ) إذ أنها تصنف حاليا مع الدرجة المؤقتة التي تنتهي بالطلاق مثل (زوج الخالة وزوج العمة).
وأقرّ القضاة بوجود فراغ تشريعي فيما يتعلق بمواقعة أنثى دون الخامسة عشرة برضاها قاصر أقل من السن القانونية إذ أن المحكمة تلجأ للاجتهاد في غياب نص قانوني لتوصيف المواقعة. بالاستناد إلى قرار صدر عن محكمة التمييز عام 1998، يصنف القاضي درجة الجناية بأنها هتك عرض تستوجب السجن 15 عاما مع الأشغال في حدها الأعلى حتى لو كانت الحالة اغتصابا بالقوة تستوجب الإعدام. ينظر إلى قرارات التمييز بأنها مبدأ له قوة القانون.
وأقّر القضاة أيضا بوجود فراغ تشريعي فيما يتعلق بالاستماع لشهادة المجني عليه المسجلة. إذ لا يوجد نص قانوني يجيز الاستماع للشهادة باستخدام التقنية الحديثة على شبكة الربط التلفزيوني المغلقة أو تسجيل الفيديو المعد مسبقا. وبالتالي طالبوا بتعديل المادة 158/3 من الأصول الجزائية بما يبيح الاستماع لشهادة المجني عليه المسجلة مسبقا بالفيديو واعتمادها ضمن أوراق المحاكم.
رئيس الهيئة القضائية المختصة بقضايا العنف الأسري أوضح مع ذلك أن قاعات هذه الهيئة المجهزة بأحدث التقنيات الإلكترونية نظرت 400 قضية أسرية -بواقع 15 جلسة شهريا- منذ تجهيزها عام 2005.
لتسريع واختزال إجراءات التقاضي، طالب القضاة بنص يجيز للمحكمة الاستغناء عن إفادات شهود ثانويين في حال اتفق الخصوم على الاستغناء عن استدعائهم. يشمل ذلك أقطاب الضابطة العدلية والطب الشرعي إذ يرغب القضاة بالاكتفاء بإبراز التقارير باعتبار أن منظمها قدم إفادته تحت القسم أمام المدعي العام.
مع أن لمحكمة الجنايات الحق في قبول إسقاط الحق الشخصي باعتباره شأنا جوازيا غير مشروط، إلا أن محكمة التمييز تعيد القضايا إلى الجنايات وتلزمها بإعادة قراءة القضية في ضوء المصالحة وإسقاط الحق الشخصي.
الأمين العام للجنة الوطنية لشؤون المرأة عضو اللجنة التنفيذية لشؤون الأسرة المحامية أسمى خضر طالبت هي الأخرى بتشديد العقوبة في المادة 285 إلى جانب تطوير الخدمات النفسية والصحية للضحايا والجاني وسائر أفراد الأسرة.
ودعت خضر إلى توفير الحماية للطفل المعنف بحيث لا يعود إلى نفس الأسرة بعد إعادة تأهيله وذلك تحت مظلة قانون يحميه من العنف الأسري.
إلى ذلك طالبت خضر بإدخال مفهوم محاكم أسرية خاصة ذات طابع اجتماعي أكثر منها قانوني وقضائي وشرطي. ولفتت إلى أهمية وضع برامج توعية مثل التثقيف المدرسي أو الخصوصية الشخصية وإيجاد المساندة المؤسسية والقانونية والنفسية لأطراف المشكلة.
علم النفس
يرى مختصون في علم النفس ان نزعة إجرامية تتولد لدى الطفل الضحية إذ ترتفع احتمالات ارتكابه جرائم قتل أو اغتصاب عشر مرات عن الطفل الطبيعي، بحسب الدراسات وبحسب أخصائي الطب النفسي المعتمد لدى إدارة حماية الأسرة الدكتور محمد الحباشنة.
ورغم عدم وجود دراسات في الأردن حول ارتباط الجنوح باضطرابات السلوك فإن التعامل اليومي والدراسات العالمية تؤكد ظهور نضوج جنسي مبكر لدى الضحايا وانحرافات جنسية مثل الدعارة. يصاحب ذلك مزاج متعكر وحديّة وانطوائية.
ويسهل على أصحاب هذه الاضطرابات خرق القواعد والقوانين وربما ينزعون صوب إيذاء النفس (المازوشية) والآخرين (السادية)، فضلا عن سهولة ارتكابهم السرقات أو النزوع نحو الانتحار.
بحسب دراسة أعدّها الباحث الخزاعي، فإن 95 % من المتزوجات يحجمن عن التبليغ عن التجاوزات بسبب الموروث الثقافي الأمر الذي ينعكس على الأطفال الذين لن يفصحوا عما يتعرضون له من عنف واستغلال جسدي وجنسي ونفسي بسبب المفاهيم التي ترسخت بضرورة التستر على /الفضيحة/ تجنبا للعقاب المجتمعي.
أما أحلام فتستعد للعودة لمقاعد الدراسة بعد أن انقطعت عنها بسبب الحمل والولادة .. وهي عازمة على إكمال تعليمها لتتمكن من مساعدة شقيقتها على الإبحار في الحياة بوعي وحصانة، فهل يساعد القانون في ذلك؟
تم اعداد هذا التحقيق بدعم من شبكة اريج - اعلاميون من اجل صحافة استقصائية عربية.