facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تطوير وجذب المستثمرين إلى الأردن بصورة فعلية لا نظريةً


السفير الدكتور موفق العجلوني
19-12-2025 10:11 PM

يُعدّ جذب الاستثمار الى الاردن أحد أهم محرّكات النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، غير أن التحدّي الحقيقي لا يكمن في كثرة الحديث عن الاستثمار أو الترويج له في المؤتمرات والندوات، بقدر ما يكمن في ترجمة هذا الخطاب إلى خطوات عملية ملموسة يشعر بها المستثمر على أرض الواقع. فالتنمية لا تُبنى بالشعارات، بل بالقرارات الجريئة والتنفيذ الفعلي.

ما دفعني للحديث في هذا الموضوع هو ما لمسته شخصيًا خلال لقاءاتي بعدد من الأصدقاء من رجال الأعمال من دول شقيقة وصديقة، حيث كان الحديث صريحًا وواضحًا:

هناك فجوة بين الخطاب الرسمي حول جذب الاستثمار وبين التجربة العملية التي يمر بها المستثمر. بل إن بعضهم أشار، وبأسف، إلى هروب رؤوس أموال أردنية إلى الخارج، وإلى نزيف الكفاءات الوطنية، وهو أمر يستوجب وقفة جادة ومراجعة شاملة.

لا خلاف على أن الأردن يتمتع ببيئة أمنية مستقرة، وموقع جغرافي مميز، وسمعة سياسية ممتازة ، وهي عناصر تجعل منه دولة مؤهلة لأن تكون مركزًا استثماريًا إقليميًا. غير أن هذه المقومات، على أهميتها، لا تكفي وحدها ما لم تُدعَم بإجراءات واضحة وسهلة ومحفّزة.

أولى هذه الإجراءات تتمثل في تبسيط الإجراءات وتحويل الاستثمار إلى تجربة سلسة. فالمستثمر لا يبحث فقط عن الإعفاءات، بل عن الوضوح والسرعة واحترام وقته. عندما يجد المستثمر نفسه مضطرًا للتنقل بين عشرات الجهات الحكومية، أو انتظار شهور للحصول على ترخيص، فإن ذلك كفيل بإبعاده مهما كانت الحوافز مغرية. إن توحيد جهة التعامل، وتحديد مدد زمنية ملزمة لإنجاز المعاملات، وربط الموافقات إلكترونيًا، هي خطوات بسيطة لكنها شديدة الأثر، لأنها تقلل من تكلفة الوقت، وهي الكلفة الأعلى في عالم الاستثمار.

أما المسألة الثانية، فهي استقرار التشريعات. لا شيء يربك المستثمر أكثر من تغيير القوانين والضرائب بعد بدء المشروع. الاستثمار بطبيعته قرار طويل الأجل، وأي شعور بعدم الاستقرار التشريعي يعني مخاطرة غير محسوبة. من هنا تبرز أهمية وجود قانون استثمار ثابت وواضح، مع ضمانات حقيقية بعدم تعديل الشروط الضريبية على المشاريع القائمة إلا ضمن أطر زمنية وانتقالية متفق عليها. إن تعزيز الثقة هو المدخل الحقيقي لجذب رؤوس الأموال.

وفي سياق متصل، لا بد من توجيه الاستثمار نحو قطاعات محددة يمتلك فيها الأردن ميزات تنافسية حقيقية، بدل فتح الباب عشوائيًا. فالتكنولوجيا، والصناعات الدوائية، والطاقة المتجددة، والسياحة العلاجية والتعليمية، والصناعات الغذائية الموجهة للتصدير، هي قطاعات قادرة على خلق قيمة مضافة حقيقية. وعندما تُجهَّز لها بنية تحتية مناسبة، وأراضٍ صناعية جاهزة، وحوافز واضحة، فإنها تتحول إلى قصص نجاح قابلة للتكرار.

كما أنه من الضروري ربط الحوافز بالأداء الفعلي، لا بالوعود. فالإعفاءات يجب أن تكون مرتبطة بعدد فرص العمل التي يتم خلقها، وحجم الصادرات، ونقل المعرفة، لا بمجرد تسجيل شركة على الورق. الاستثمار الجاد هو الذي يلتزم، والدولة بدورها يجب أن تكافئ الالتزام وتراجع الامتيازات عند الإخلال به.

ولا يمكن إغفال أهمية التمويل والشراكة المحلية. فالمستثمر الأجنبي يحتاج إلى شريك محلي قوي، وإلى منظومة مالية داعمة. إن إنشاء صناديق وطنية للشراكة، وتشجيع البنوك على تمويل المشاريع الإنتاجية بضمانات حكومية جزئية، سيقلل من المخاطر ويعزز فرص النجاح.

وفي هذا الإطار، يبرز الدور المحوري لسفرائنا و سفاراتنا الأردنية في الخارج، وهو دور يجب أن ينتقل من الإطار البروتوكولي التقليدي إلى الدبلوماسية الاقتصادية الفاعلة. فالسفارة ليست مجرد تمثيل سياسي، بل يجب أن تكون منصة استثمارية نشطة، تُسوّق الأردن كمشروع متكامل، لا كدولة تبحث عن مستثمر. و بالتالي على سفاراتنا أن: تتواصل مباشرة مع مستثمرين محددين وتعرض عليهم فرصًا جاهزة بدراسات جدوى. و تنقل صورة واقعية وموثوقة عن البيئة الاستثمارية.و تتابع المستثمر منذ لحظة اهتمامه وحتى بدء مشروعه، لتكون شريكًا لا وسيطًا فقط.

عندما يرى المستثمر أن السفارة الأردنية حاضرة، متعاونة، وتملك إجابات واضحة، فإن ذلك يعزز الثقة ويخلق انطباعًا إيجابيًا طويل الأمد.

ويبقى الإنسان الأردني هو العنصر الحاسم في معادلة الاستثمار. فالكفاءات المدربة، والتعليم التقني المرتبط بسوق العمل، والتدريب داخل المصانع، كلها عوامل تجعل الأردن أكثر تنافسية. كما أن تسهيل استقدام الخبرات الأجنبية عند الحاجة دون تعقيد يضيف بعدًا عالميًا للبيئة الاستثمارية.

إن جذب المستثمرين إلى الأردن لا يحتاج إلى مزيد من الشعارات أو المؤتمرات، بل إلى إرادة سياسية واضحة، وتنفيذ صارم، وتكامل حقيقي بين الداخل والخارج. وعندما يشعر المستثمر أن الدولة شريك جاد، وأن سفاراتها تقف خلفه، وأن القوانين مستقرة والإجراءات واضحة، فإن الأردن لن يبحث عن مستثمرين، بل سيتحول إلى قبلة يتنافس المستثمرون للدخول إليها .


* السفير الدكتور موفق العجلوني
مدير عام مركز فرح الدولي للدراسات والابحاث الاستراتيجية
Muwaffaq@ajlouni.me





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :