تدمر مجددًا .. حين يصبح الإرهاب مشكلة فقط عندما يطرق باب أمريكا
صالح الشرّاب العبادي
20-12-2025 03:29 PM
ما جرى في تدمر لا يمكن التعامل معه كحادث أمني معزول، ولا حتى كحلقة عابرة في مسلسل الردود العسكرية ، نحن أمام عودة الصحراء السورية إلى قلب المعادلة الاستراتيجية، بوصفها مساحة رخوة قادرة على إعادة إنتاج التهديد، مهما بدا المشهد العسكري مستقرًا على السطح.
الهجوم الذي استهدف قوات التحالف، وما أعقبه من ضربات جوية كثيفة، يكشف حقيقة أساسية: تنظيم داعش لم يُهزم بوصفه فكرة، بل تراجع بوصفه كيانًا مسيطرًا ، التنظيم اليوم لا يبحث عن حكم أو جغرافيا ثابتة، بل عن إرباك، وعن لحظة اختراق، مستفيدًا من فراغات أمنية مزمنة وجغرافيا صحراوية معقدة ، وعدم سيطرة امنية شاملة ، ووجود تقاطعات مع النظام السوري الجديد تم وسيتم استغلاها إذا لم تغلق .
الضربات التي طالت عشرات الأهداف لا تُقرأ فقط في سياق الرد، بل كرسالة ردع : موجهة لداعش، بأن أي محاولة لاستعادة المبادرة ستواجه بقوة.
رسالة موجهة للفاعلين الإقليميين والدوليين، ومفادها أن الولايات المتحدة ما زالت لاعبًا مباشرًا في معادلة الأمن السوري والإقليمي ، ولن تنسحب من مشهد إدارة الخطر ، إذا ما وصل الإرهاب الى جنودها ، وهذا هو السبب الرئيسي لهذه الغارات المكثفة على مواقع داعش وغير ذلك ليس بالقدر الكافي من الأهمية..!!
لنضع السؤال الأعمق في سياقه الصحيح ، لماذا ضُرب الآن؟ الجواب بكل بساطة ، يصبح الإرهاب مشكلة فقط عندما يطرق باب أمريكا وإسرائيل.
ولماذا لم يتحول وجود داعش، المعروف والمراقَب منذ سنوات، إلى أولوية كبرى إلا بعد سقوط قتلى أمريكيين؟
الإجابة تكشف منطق إدارة الصراعات لا منطق حلّها ، فالإرهاب في الحسابات الدولية لا يُقاس بعدد ضحاياه، بل بهوية من يُصيبهم ، طالما بقي داعش يضرب في هوامش الصحراء وأطراف المدن في الاقليم ، ويستنزف أطرافًا محلية وشعوب اقليمية ومناطق مختارة ، يبقى في خانة «التهديد المُدار». أما عندما وصلت النيران إلى الجنود الأمريكيين، تحوّل فجأة إلى خطر داهم يستدعي ردًا واسعًا وحاسمًا.
المفارقة أن القدرة على الضرب كانت موجودة دائمًا، لكن القرار السياسي كان مؤجّلًا ، وما بعد تدمر يثبت أن المشكلة لم تكن في المعلومة، بل في الإرادة والتوقيت.
لكن السؤال الجوهري لا يتعلق بعدد الأهداف التي ضُربت، بل بما هو أعمق: هل تكفي القوة الجوية وحدها؟
التجربة تقول إن الصحراء لا تُحكم بالقصف فقط، وأن التنظيمات المتطرفة تتغذى على الفراغ أكثر مما تتغذى على الأرض.
هنا يبرز البعد الإقليمي الخطير. فالبادية السورية ليست مساحة مغلقة، بل جسر أمني مفتوح يمتد نحو غرب العراق، وشرق الفرات، ويقترب تدريجيًا من الحدود الأردنية ، أي خلل في تدمر سرعان ما تتحول ارتداداته إلى ما وراء الحدود.
في العراق، لا تزال الصحارى الممتدة بين الأنبار ونينوى تشكّل عمقًا خلفيًا لأي تحرك قادم من سوريا ، وفي شرق الفرات، حيث تتقاطع القوى وتتعقد الولاءات، يجد داعش بيئة مثالية للاختباء والمناورة دون الحاجة إلى السيطرة ، أما الأردن، فيدرك أن أمن حدوده الشمالية ليس ملفًا خارجيًا، بل قضية أمن قومي مباشر، وأن أي تساهل شمالًا يحمل أثمانًا باهظة.
في كل تحرك ضد داعش ، تجد نفسها مضطرة إلى نقل النار والارهاب الى دول مجاورة لتحرك الخلايا الراقدة حتى تبعد المشهد عن نفسها وتثبت ان عناصرها قادرة على التحول .. وهذا يستوجب الحذر والحذر..
استشرافيًا، نحن أمام مرحلة احتواء لا اجتثاث ، داعش قد ينكفئ تكتيكيًا، لكنه لن يختفي ما دامت مواقع داعش تُدار كملف أمني مؤقت، لا كمعادلة استراتيجية طويلة الأمد.
تدمر اليوم لا تعلن عودة داعش… لكنها تؤكد أن الحرب عليه لم تُحسم بعد.