facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




"وزارة التعليم المستحدثة" .. إصلاح هيكلي شامل أم اختبار لجدية التحديث؟


فيصل تايه
21-12-2025 11:15 AM

يبرز مشروع إنشاء "وزارة التعليم وتنمية الموارد البشرية" كأحد أعمدة التحول الأكثر طموحاً وتأثيراً في قطاع التعليم ، في الوقت الذي تخوض فيه الدولة الأردنية مسارا معقداً لتحديث القطاع العام ، فالمشروع لا يقتصر على إعادة تنظيم إداري، بل يمس جوهر الدولة: الإنسان ، قدرته على التعلم ، وتأهيله لسوق عمل سريع التغير ومتطلبات التنمية المستدامة.

اننا وفي تناول هذا التحول كمشروع اصلاحي ، يأتي طرحنا فيه بوصفه فعل شراكة وطنية لا قراءة نقدية أو تقييماً لجهود بعينها، بل شأن عام تتقاطع فيه مسؤوليات الدولة والمجتمع معاً ، وذلك اسهاماً في تعزيز فرص النجاح من خلال نقاش مهني هادئ يضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار.

وانطلاقاً من هذا الفهم ومن أجل فهم أثر هذا الإصلاح على أرض الواقع ، تتقدم الحاجة إلى التوقف عند جوهر هذا التحول ، إذ إن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس في إعلان وزارة جديدة، ولا في إعادة رسم الخرائط التنظيمية ، بل في جوهر التحول : هل نحن أمام إصلاح يعيد تعريف دور الدولة في التعليم ، أم مجرد إعادة تموضع إداري بواجهة حديثة؟ ويتطلب الإجابة عن هذا السؤال متابعة دقيقة لتطورات المشروع وقرارات الحكومة المقبلة، خصوصاً بعد انتهاء مرحلة التشاور والمراجعات القانونية.

الطرح الحكومي ، كما قدم في منتدى الإستراتيجيات الأردني ، يتجاوز الدمج التقليدي بين وزارتين قائمتين ، فالمشروع يقوم على تصميم وزارة جديدة بنموذج تشغيلي مبتكر ، يركز على دور الوزارة كصانعة للسياسات ومنظم للعملية التعليمية .

وبناءً على هذا التصميم الجديد ، بدأت على ما يبدو الخطط العملية لتفعيل دور مديريات التربية والتعليم ومنحها صلاحيات تنفيذية واسعة تمكنها من تنفيذ السياسات التعليمية وإدارة العملية على الارض بكفاءة أعلى ، وبما يضمن تكامل الأدوار بين الوزارة والميدان ، حيث يأتي ذلك "كما تبين" بعد عام ونصف من العمل المكثف والمداولات المستمرة، بمشاركة رئيسية من رئاسة الوزراء ووزيرة تطوير القطاع العام ، وهيئة الخدمة العامة، وهيئة الاعتماد وضمان الجودة، ووزارة العمل، بالإضافة إلى خبراء محليين ودوليين، حيث جرت مقابلات واجتماعات مكثفة مع جميع أصحاب العلاقة في القطاع لضمان تصميم عملي وواقعي للوزارة الجديدة.

الحكومة بدورها أنهت مسودة القانون الخاص "بهذه الوزارة المستحدثة " وتستعد لإرساله لمجلس النواب خلال الشهر المقبل ، كما أعدت مسودة نظام التنظيم الإداري، وتعمل على مراجعة قانون الجامعات الخاصة لعكس تعديلات رئيسية تعزز استقلالية مؤسسات التعليم العالي ، وتشمل التحضيرات أيضاً ، تفعيل مركز الوزارة وفق خطة تفصيلية لمسارات عمل خمسة : الموارد البشرية، العمليات والخدمات، المرافق والمباني ، التواصل والتوعية، والأنظمة الإدارية والمالية والتقنية، مع هدف واضح لتفعيل "المركز" بشكل كامل بحلول شهر آب من العام المقبل ، ذلك دون تعطيل الخدمات الأساسية أو إنهاء خدمات أي موظف ، وهذا يجعل متابعة خطوات مجلس النواب والمراجعات القانونية القادمة أمراً حيوياً لفهم مدى تطبيق الإصلاح على أرض الواقع.

من الظاهر ان أحد أبرز مقومات المشروع ، الفصل الواضح بين صنع السياسات، وضمان الجودة، والتنفيذ ، هذا الفصل يعالج اختلالات تاريخية حيث كانت بعض الجهات تقوم بوظائف متداخلة، ما أدى إلى ضعف المساءلة وتضارب المسؤوليات ، فالوزارة المستحدثة الجديدة ستتولى صنع السياسات لجميع المراحل التعليمية، بما فيها تعليم الطفولة المبكرة والتعليم الأساسي والثانوي والتعليم العالي والتعليم والتدريب المهني والتقني، في حين يتم توطين ضمان الجودة في هيئة الاعتماد وضمان الجودة لتشمل جميع المؤسسات التعليمية العامة والخاصة، بما يضمن تطوير مستوى التعليم وتحقيق المعايير الوطنية والدولية.

كما يركز المشروع على تعزيز استقلالية الجامعات وتقليص الدور التنفيذي للوزارة في التعليم العالي إلى وضع السياسات والمعايير الفنية، وترخيص المنشآت، والتحقق من توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل ، إضافة إلى دعم استراتيجيات التعليم الوطني ، وأما الهيكل التنظيمي للوزارة فهو كما فهمنا "رشيق" ومكون من تسع إدارات عامة ، مع تفويض واسع للصلاحيات التنفيذية للمديريات كنا سبق وتحدثنا ، وتشمل صلاحيات مثل إدارة شؤون الطلبة، الإرشاد الوظيفي ، والصيانة والبناء والمشتريات، بما يتناسب مع عدد الطلبة والمساحات الجغرافية.

من الواضح ان ربط التعليم بسوق العمل يعد أحد أهم أهداف المنظومة الجديدة، إذ يتيح دمج السياسات التعليمية العامة والعالية والتقنية والمهنية ضمن إطار وطني موحّد لتنمية الموارد البشرية، ما يحول التعليم من خدمة اجتماعية إلى أداة استراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، كما ويشمل المشروع وضع إطار للكفايات للعاملين في مختلف المجالات، وتحليل عبء العمل في كل مديرية للتأكد من قدرتها على تنفيذ المهام المطلوبة، إضافة إلى وضع برامج تدريبية مستمرة وتطوير أدوات قياس الأثر لضمان فاعلية كل خطوة في العملية التعليمية.

من وجهة نظري فان التحدي الأكبر يكمن في قدرة مديريات التربية والتعليم على تحمل الصلاحيات الجديدة، إذ أن التفويض الواسع لا ينجح إلا إذا دعّم بإطار كفايات واضح، برامج تدريبية مكثفة، وأنظمة متابعة دقيقة تقيس الأثر الحقيقي للتعليم وليس مجرد الإجراءات ، اما بالنسبة لمقر الوزارة، فكما فهمنا انه سيكون المبنى الرئيسي الحالي لوزارة التربية والتعليم هو المركز الرئيس، مع استخدام بعض المباني المساندة، بينما تبقى إدارة التعليم العالي في مبناها الحالي.

في المحصلة، وزارة التعليم وتنمية الموارد البشرية ليست مجرد تعديل إداري عابر، بل اختبار حقيقي لجدية الدولة في التحديث ، فالقوانين والهياكل وحدها لا تكفي، فالأثر الحقيقي يقاس بنوعية التعليم، وكفاءة الخريجين، ومواءمة التعليم مع احتياجات التنمية، وثقة المجتمع بالمؤسسات التعليمية.

الرهان اليوم ليس على اسم وزارة جديدة، بل على قدرة النظام التعليمي على التحول إلى منظومة متكاملة، شفافة، ومسؤولة، ومرنة ، وإذا نجحت الحكومة في تنفيذ هذا المشروع دون تعطيل الخدمات أو إرباك الميدان، فقد يكون هذا الإصلاح أحد أعمق التحولات التي شهدها التعليم الأردني في العقود الأخيرة، وجواز مرور حقيقي نحو تحديث الدولة بأكملها ، والنجاح الفعلي لهذا المشروع سيكون مؤشراً حقيقياً لمدى جدية الدولة في التحديث وتحقيق الأهداف التنموية المعلنة.

وللحديث بقية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :