نزيف الكفاءات 2025: حين يهاجر "عقل" الأردن .. من يبقى ليبني الوطن؟
شرين الصّغير
21-12-2025 11:24 AM
بينما ننشغل بتفاصيل حياتنا اليومية، هناك طائرات تقلع كل يوم من مطار الملكة علياء، تحمل معها أكثر من مجرد مسافرين، إنها تحمل "عقولنا"خلف كل حقيبة سفر يغلقها طبيب شاب أو مهندس مبدع، قصة أمل انطفأت في الداخل لتشتعل في الخارج، هجرة العقول في عام 2025 لم تعد مجرد "سفر"، بل هي نزيف مستمر في قلب التنمية الوطنية، فمن المسؤول عن رحيل من استثمرنا في تعليمهم لسنوات؟
لغة الأرقام: جرس إنذار من واقع 2025
الحقائق على أرض الواقع صادمة وتتجاوز مجرد التكهنات، تشير أحدث البيانات والدراسات حتى الربع الأخير من عام 2024 وبدايات 2025 إلى أن نحو 48% من الأردنيين يفكرون في الهجرة، والنسبة ترتفع بشكل مرعب بين فئة الشباب لتصل إلى 63% ، نحن لا نتحدث عن رغبة عابرة، بل عن جيل كامل ينظر إلى "خارج الحدود" كحل وحيد.
أما في قطاع الطب فالأرقام تدق ناقوس الخطر، حيث تشير تقديرات نقابة الأطباء إلى أن هناك آلاف الأطباء العامين يواجهون تحديات في التعيين والاختصاص، مما يدفع أكثر من 50% من الخريجين الجدد للبحث عن "بورد" ألماني أو بريطاني، إننا نقدم "هدية مجانية" من الكفاءات الجاهزة للدول المتقدمة، بينما يعاني قطاعنا العام من نقص الخبرات بسبب ضغوط العمل وتدني الرواتب التي لم تعد تواكب غلاء المعيشة.
لماذا يرحلون؟ (بين لقمة العيش وتقدير الذات)
السبب ليس "حب الرحيل"، بل هو واقع يفرض نفسه، فرغم انخفاض طفيف في معدلات البطالة الكلية لتصل إلى 21.3% في منتصف 2025، إلا أن الصدمة تكمن في أن 59.1% من المتعطلين عن العمل هم من حملة الشهادات الجامعية (الثانوية فأعلى).
يجد المبدع الأردني نفسه أمام خيارين أحلاهما مُر: البقاء تحت وطأة "الواسطة" وبيروقراطية تقتل الطموح، أو الرحيل نحو بيئة تقدر العقل وتضمن الكرامة المادية، المهاجر اليوم لا يبحث فقط عن المال، بل يبحث عن "منظومة" تحترم تخصصيّة علمه، وتوفر له مسارًا مهنيًا واضحًا.
من المسؤول؟
المسؤولية تبدأ من السياسات الاقتصادية التي لم تنجح في خلق فرص عمل كافية تليق بـ 36 ألف طالب طب يدرسون الآن في الداخل والخارج وسيتخرجون قريبًا، غياب الحوافز الحقيقية للكفاءات، وتواضع ميزانيات البحث العلمي، هي الأسباب التي تدفع أبناءنا للرحيل، كما أن القطاع الخاص شريك حين لا يوفر بيئة عمل جاذبة تواكب طموح جيل الابتكار.
الحلول: كيف نستعيد نبض الوطن؟
إن إيقاف هذا النزيف يتطلب قرارات جريئة في عام 2026 وما بعده:
1. العدالة المطلقة: اعتماد معيار الكفاءة والإنتاجية في التوظيف والترقية، لكسر حاجز اليأس لدى الشباب.
2. تحسين بيئة العمل الطبي والتقني: رفع أجور الأطباء المقيمين وتحسين ظروف تدريبهم لضمان بقائهم في مستشفياتنا.
3. دعم اقتصاد المعرفة: تحويل الابتكارات الشبابية إلى مشاريع إنتاجية بدعم حكومي مباشر.
4. شراكة المغتربين: استثمار خبرات المهاجرين في نقل التكنولوجيا وتطوير القطاعات الحيوية في الأردن وهم في أماكنهم.
وفي الخاتمة أقول يا وجع الوطن حين يرى أبناءه يبدعون في بناء مدن الآخرين، إننا بحاجة إلى مشروع قومي يُشعر الشاب الأردني أن "العقل" الذي يحمله هو الثروة الحقيقية للأردن، وأن مكانه الطبيعي هو هنا.. يبني بيد ويحمي بيد، لا في غربة تسرق منه هويته وأجمل سنوات عمره.