facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




وزارة التعليم وتنمية الموارد البشرية بين الدمج الإداري والتحول التربوي


فيصل تايه
22-12-2025 10:55 AM

كنا قد تحدثنا في المقال السابق عن الانتهاء من مسودة قانون "وزارة التعليم وتنمية الموارد البشرية" والذي لا يمكن مقاربته بوصفه إجراءً إدارياً أو تنظيماً هيكلياً عابراً ، بل ينبغي النظر إليه كاختبار حقيقي لقدرة الدولة على الانتقال من إدارة التعليم إلى حوكمة التعليم ، ومن التعامل مع التعليم كقطاع خدمي إلى اعتباره مشروعاً وطنياً لبناء الإنسان ، فالحديث بأن الهدف ليس دمج وزارتين، بل تصميم وزارة جديدة بنموذج تشغيلي مختلف، هو قول يحمل وعياً متقدماً في ظاهره، لكنه في عمقه يضعنا أمام مسؤولية ثقيلة ، لأن الفارق بين الدمج والتحول الحقيقي لا تصنعه النصوص القانونية بل تصنعه الفلسفة التي تقف خلفها، والقدرة على تحويلها إلى ممارسة مؤسسية يومية.

وهنا اود التاكيد ان التحدي الأول الذي يواجه هذا التوجه يتمثل في اتساع المهمة وتعقيدها ، فوزارة تجمع بين التربية والتعليم وتنمية الموارد البشرية لا تدير قطاعاً واحداً ، بل تدير مسار حياة الإنسان منذ سنواته الأولى وحتى دخوله سوق العمل ، وهذا الاتساع لا يحتمل إدارة تقليدية ولا عقلية مركزية، لأن التعليم العام ، والتعليم المهني، والتعليم العالي، لكل منها منطق تربوي مختلف وأدوات مختلفة وغايات مختلفة، وأي محاولة لتوحيدها دون إطار فكري وتربوي ناظم ستؤدي إما إلى تذويب الخصوصيات أو إلى تضارب في السياسات ، فما نحتاجه هنا ليس هيكلاً أكبر، بل رؤية تربوية وطنية واضحة تعيد تعريف وظيفة التعليم نفسها، وتضع تنمية الإنسان في قلب القرار لا في هامشه.

أما التحدي الأكثر حساسية، فيكمن في الانتقال المعلن من دور الوزارة كجهة تنفيذية مركزية إلى دورها كمنظم وصانع سياسات، مع منح مديريات التعليم صلاحيات أوسع في الميدان ، فهذا التحول، رغم أهميته، يصطدم بثقافة إدارية مترسخة ترى في المركز مصدر القرار الوحيد ، وفي الميدان جهة تنفيذ لا شريكاً ، فمنح الصلاحيات دون إعادة بناء الكفايات القيادية في المديريات، ودون نظام مساءلة قائم على الأداء والنتائج، قد يؤدي إلى فوضى إدارية بدل أن يؤدي إلى كفاءة، كما أن الإبقاء على العقلية القديمة داخل هيكل جديد سيجعل النموذج التشغيلي المعلن مجرد توصيف نظري لا ينعكس في الواقع.

ويبرز هنا تحد لا يقل أهمية، وهو خطر أن يتحول ربط التعليم بتنمية الموارد البشرية إلى خطاب اقتصادي ضيق يختزل التعليم في تلبية احتياجات سوق العمل الآنية، متجاهلاً دوره التربوي والثقافي والقيمي ، فتنمية الموارد البشرية لا تعني فقط إنتاج مهارات، بل تعني بناء إنسان قادر على التعلم المستمر، والتفكير النقدي، والتكيف مع التحولات السريعة ، وإذا لم تضبط هذه العلاقة بوعي تربوي عميق، فقد نفقد التوازن بين التعليم كحق إنساني والتعليم كرافعة اقتصادية.

كما أن التعليم والتدريب المهني، على وجه الخصوص، يقف عند مفترق طرق حاسم في ظل هذا التحول ، فهذا القطاع لا ينجح بالقرارات المركزية ولا بالإجراءات البيروقراطية، بل بالمرونة، وبالشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص، وبالقدرة على تحديث البرامج بسرعة تتجاوز إيقاع الجهاز الحكومي التقليدي ، أي دمج لا يضمن لهذه المنظومة استقلالية تشغيلية واضحة سيؤدي إلى إضعافها بدل تطويرها، وهو ما يتعارض مع الهدف المعلن لتنمية الموارد البشرية.

ولا يمكن إغفال التحدي البشري في هذا المشروع ، فالتعليم في جوهره علاقة إنسانية قبل أن يكون نظاماً إدارياً ، فالمعلمون، والمشرفون، والمديرون، وأعضاء هيئة التدريس، هم الذين سيحملون هذا التحول أو سيُفرغونه من مضمونه ، وإذا لم يشعر هؤلاء بأنهم شركاء في صياغة المستقبل، لا مجرد متلقين للتغيير، فإن أي إصلاح سيبقى حبيس الورق ، اذ ان إدارة التغيير هنا لا تقل أهمية عن التغيير ذاته، بل قد تكون العامل الحاسم في نجاحه أو فشله.

إن تجاوز هذه التحديات لا يكون عبر الاندفاع أو المجاملة السياسية، بل عبر شجاعة في الاعتراف بأن بناء وزارة بهذا الحجم يحتاج إلى تنفيذ مرحلي، وتقييم مستمر، واستعداد حقيقي لتعديل المسار عند الحاجة ، والوزارة الجديدة، إذا أُريد لها أن تنجح، يجب أن تكون وزارة تفكر أكثر مما تدير، وتقيم أكثر مما تنفذ، وتمنح الثقة للميدان بدل أن تثقله بالتعليمات.

في المحصلة، نحن أمام فرصة نادرة لإعادة تعريف التعليم ودوره في الدولة الحديثة ، إما أن نحسن استثمارها بعقل تربوي إصلاحي يرى في الإنسان غاية التنمية وأداتها، أو نهدرها بتحويلها إلى عملية دمج إدارية تبدل الأسماء وتبقي الممارسات كما هي والفرق بين الخيارين لن يظهر في القانون، بل في الجرأة على التطبيق، وفي الصدق مع الذات، وفي الإيمان بأن إصلاح التعليم ليس قراراً ، بل مسار طويل يحتاج إلى رؤية، وصبر، ومسؤولية وطنية عالية.

والله ولي التوفيق





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :