سلامة المريض أولاً: رفض توصيل الدواء موقف علمي وأخلاقي
د. عبدالحميد عليمات
23-12-2025 09:41 AM
في ظل موجة التحول الرقمي المتسارعة، طُرحت فكرة توصيل الدواء إلى المنازل باعتبارها خطوة عصرية تواكب التطور التكنولوجي. إلا أن هذه الفكرة، عند إخضاعها للمعايير العلمية والمهنية، تكشف عن مخاطر جسيمة تجعل رفضها موقفاً مسؤولاً ينحاز بوضوح إلى حماية صحة المواطن الأردني، لا إلى معاداة التقدم أو الابتكار. فالدواء ليس سلعة استهلاكية يمكن التعامل معها بمنطق التجارة الإلكترونية، بل هو منتج علاجي حساس يرتبط ارتباطاً مباشراً بسلامة الإنسان وحياته.
من الناحية العلمية، يقوم الاستخدام الآمن للدواء على تقييم صيدلاني مباشر يشمل مراجعة التاريخ المرضي للمريض، والتحقق من أدويته السابقة، ورصد التداخلات الدوائية المحتملة، وتقديم الأستشارات الصيدلانيّة اللازمه حول الجرعات وطريقة الاستعمال. إن استبدال هذا الدور المهني بمنصات إلكترونية أو خدمات توصيل يلغي جوهر الممارسة الصيدلانية، ويحوّل عملية الصرف إلى إجراء آلي يفتقر إلى أبسط مقومات السلامة الدوائية. فالصيدلي ليس وسيط بيع، بل شريك أساسي في العملية العلاجية، ولا يمكن تعويض حضوره بتقنيات الاتصال عن بُعد.
وعملياً، يفتح توصيل الدواء الباب أمام انتهاكات خطيرة، أبرزها انتشار سوء استخدام الأدويه . كما أن نقل الأدوية خارج الإطار الصيدلاني المعتمد يعرّضها لمخاطر التخزين غير السليم، لا سيما الأدوية الحساسة للحرارة والرطوبة، ما قد يؤدي إلى فقدان فعاليتها أو تحولها إلى خطر على صحة المريض. ويُضاف إلى ذلك حرمان المريض من المشوره الصيدلانيّة المباشره ، وهو عنصر أساسي في نجاح العلاج والالتزام به.
في هذا الإطار، يبرز الدور الوطني والمحوري للمؤسسة العامة للغذاء والدواء، التي تضطلع بمسؤولية الحرص على سلامة المواطن الأردني ومأمونية دوائه. فالمؤسسة تمثل خط الدفاع الأول عن الأمن الدوائي في المملكة، ويقوم جوهر عملها على ضمان جودة الدواء وسلامته وفعاليته منذ تصنيعه وحتى وصوله إلى يد المريض بالشكل الصحيح. إن رفض توصيل الدواء خارج الإطار الصيدلاني المباشر ينسجم تماماً مع هذه الرسالة، ويعكس التزاماً واضحاً بحماية الصحة العامة ومنع أي ممارسات قد تفرغ منظومة الرقابة الدوائية من مضمونها.
أما نقابة صيادلة الاردن فهي المظلة الراعية للقطاع الصيدلاني والدوائي، وحامية للمهنة وللمريض في آن واحد. فالدفاع عن دور الصيدلي هو في جوهره دفاع عن سلامة المريض، ورفض أي نماذج عمل تُقصي الصيدلي أو تختزل دوره في سلسلة لوجستية لا تراعي البعد الصحي والأخلاقي للدواء.إن المطلوب اليوم هو التوعية بمخاطر تسليع الدواء، والعمل المشترك بين الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني لترسيخ مفهوم أن الدواء خدمة صحية متكاملة لا تقبل الاختزال أو المساومة.
إن رفض توصيل الدواء لا يعني الوقوف في وجه التطور أو إنكار فوائد التكنولوجيا، بل يعني وضع الإنسان في صدارة الأولويات. فالتجارب أثبتت أن أي خلل في منظومة صرف الدواء ينعكس مباشرة على صحة المجتمع وكلفة النظام الصحي بأكمله. وفي الأردن، حيث يشكل القطاع الدوائي ركناً أساسياً من أركان الثقة الصحية، يبقى الموقف الرافض لتوصيل الدواء موقفاً علمياً وعملياً وأخلاقياً، ينطلق من مبدأ لا يقبل الجدل: سلامة المواطن الأردني ومأمونية دوائه فوق كل اعتبار تجاري أو شعارات براقه .