وحدتنا الوطنية ممارسة راسخة لا شعارًا عابرًا
محمد عبدالحليم الفاعوري
24-12-2025 08:51 PM
في وطنٍ تشابكت فيه الهويات، لا لتتصادم بل لتتكامل تحت راية الدولة والشرعية، يثبت الأردن، مرةً بعد أخرى، أن وحدته الوطنية ليست شعارًا عاطفيًا عابرًا، بل ممارسة يومية وثقافة راسخة في وجدان شعبه، ومشروع دولة صمد في وجه التحولات الإقليمية والعواصف السياسية.
فالمواطنة الأردنية، بوصفها عقدًا أخلاقيًا وقانونيًا بين الدولة وأبنائها، لم تُبنَ على أساس ديني أو عرقي، بل تأسست على العدالة الاجتماعية، والمساواة المتجذّرة، والاحترام المتبادل، ما جعلها السياج المتين الذي حمى المجتمع، وعزّز مناعته، وحوّل تنوّعه الطبيعي إلى مصدر قوة ديناميكية لا نقطة ضعف.
وفي هذا السياق، لم يكن التعايش بين أبناء الوطن الواحد، بمختلف انتماءاتهم الدينية والثقافية، أمرًا طارئًا أو ظرفيًا، بل هو لُبّ الهوية الأردنية وركنٌ أصيل من صرح الاستقرار الاجتماعي والسياسي. ويُشكّل إخوتنا المسيحيون جزءًا أصيلًا من النسيج الوطني، شركاء في البناء، وحاضرين في التاريخ، ومساهمين في تشكيل الدولة ومؤسساتها منذ نشأتها الأولى.
لقد قدّم الأردنيون، بمسلميهم ومسيحييهم، نموذجًا فريدًا في المنطقة، قوامه الإيمان بأن التنوّع لا يُدار بالإقصاء بل بالاعتراف، ولا يُحمى بالتخويف بل بالثقة المتبادلة، ولا يُصان إلا تحت مظلة دولة القانون والمؤسسات. ومن هنا، فإن خطاب الوحدة والانفتاح والاعتدال لم يكن خيارًا سياسيًا فحسب، بل ضرورة وطنية وأداة دفاعية في مواجهة محاولات التفتيت وبثّ الكراهية والتطرّف.
وفي خضم هذا المشهد، تظل القضية الفلسطينية حاضرة في الوجدان الأردني، قيادةً وشعبًا، باعتبارها قضية أخلاقية وإنسانية قبل أن تكون سياسية. فالإيمان بعدالة الحق الفلسطيني، وحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية، جزء لا يتجزأ من الضمير الوطني الأردني، ومن منظومة القيم التي شكّلت وعي الدولة والمجتمع على حدٍّ سواء.
واليوم، أكثر من أي وقت مضى، تبدو الحاجة ملحّة إلى خطاب وطني جامع، يُعلي المصلحة العليا للوطن، ويمنح الشباب الثقة بدورهم ومسؤولياتهم، ويؤكد أن المواطنة ليست امتيازًا بل مسؤولية، وأن قوة الأردن تكمن في تماسك مجتمعه، ووضوح بوصلته، وصلابة قيادته، ووحدة شعبه.
إن الأردن، بتاريخ قيادته الهاشمية، ووعي شعبه، وتراكم تجربته، سيظل واحة أمنٍ واستقرار، ونموذجًا متقدمًا في التعايش الإنساني، ودولةً قادرة على تحويل التحديات إلى فرص، والتنوّع إلى قوة، والمواطنة إلى صُلب مشروعها الوطني.
* محمد عبدالحليم الفاعوري/ رئيس هيئة شباب عين الباشا.