facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




النخب المصنّعة


د. سالم الدهـــام
28-12-2025 06:08 PM

في كل مجتمع من المجتمعات ثمة نخب سياسية واجتماعية وثقافية، تبرز على السطح لما لها من دور مؤثر يمور في الأعماق نراها ونلمس تأثيرها في المجتمع، ولعل النخب الأكثر تأثيرا من غيرها في مجتمعاتنا على وجه التحديد هي النخب السياسية التي تسيطر على مفاصل النفوذ والسلطة، وتتحكم في هندسة الحياة العامة، ورسم ملامحها بشكل مباشر ، أو غير مباشر من وراء الكواليس.

ونظرا لأنه لا يمكن لأي سلطة رشيدة أن تلغي أو تتجاهل دور النخب في رسم الملامح الرؤيوية العامة للمشهد الوطني في أي بلد من البلدان، لذا كان عليها أن تتعاطى مع تلك النخب بفعالية وإيجابية، لكن يحدث أحيانا أن لا تروق عملية استيلاد النخب بالولادة الطبيعية للسلطة الحاكمة، لا سيما حين يكون القوام العام لتلك السلطة (ديكتاتورا طي)،فتذهب إلى إيجاد بدائل نافية لتلك النخب الحقيقية حين يتعذر الإصغاء إليها واحتوائها عبر تصنيع البدائل مختبريا أو بالحقن المجهري لتخليق مضغ وأجنة اصطناعية، ثم دفعها إلى أرحام مستأجرة تصوغها وفق القوالب الهندسية المطلوبة؛ لتؤدي دور النخب الطبيعية الطالعة من رحم الأرض، العابقة بنكهة التراب حين يبلله رشاش الوسمي فيتضوع في فضاء الحراثين(صُمَّاخا) وأرغفة على موائد أقنان الأرض... وتطفو تلك الأجنة المخبرية المصنعة على السطح بعد أن اشتدت عظامها من هشاشتنا، واكتست من السحت شحما ولحما، وجرى نزف قلوبنا دما في عروقها، ويحدث أن تتزاحم نخب الأنابيب المجهرية مع النخب التي ولدت وترعرعت في حقولها الطبيعية، وعندئذ تشاهد على سبيل المثال أستاذا جامعيا مميزا يغيب عن موقع أكاديمي مرموق، أو جائزة علمية مستحقة لصالح زميله الأقل كفاءة بسبب ميوله وفكره النقدي الذي ربما يكون هداما لمعامل إنتاج الأشباه والنظائر المصنعة.

وفي السياق ذاته يتم تكريس بعض مراكز النفوذ العشائرية التي ليس لها من المؤهلات إلا الوراثة لتقابل مجاميع بشرية عشائرية جرى إغفالها وتهميشها لأن مصنعي الأشباه والنظائر ومستورديها أوغلوا في شيطنتها، وفي مواقع أخرى ترى قادة ميدانيين حقيقيين، وإداريين مميزين تواروا لصالح نسخ تالفة ومدورة، ومن عباءات المجاملات والمحاصصات وتوزيع المكتسبات يخرج علينا بعض وزراء ملأوا الأرض أوزارا، وبعض أعيان لا ترى عيونهم أبعد من أنوفهم، وبعض نواب بالاسم فقط...بينما هم من نوائب الدهر، بل هم وزراء منتدبون للغرفة التشريعية لأربع سنوات عجاف...

ليس من المعقول أن يكون هذا نبت أرضنا التي تخفق في سمائها رايات الهاشميين الأخيار أرض الشهداء ومهد الأنبياء وحاضنة الأحرار والشرفاء من أهل الأردن حراس النهر الخالد من شرقه وغربه، ومن صفوة أهل الشام وجزيرة العرب وبلاد الرافدين، ومن اختار الحرية من سائر الأشقاء وعاش في وطن الشمس والنور، ليس من المعقول أن تضمحل العقول، وتستطيل ألسن النفاق والاسترزاق، وتخرس ألسنة أصحاب الكلمة الناصحة الصادقة، ليس معقولا أن يتنافس الجميع في الخداع والتضليل، ليس معقولا أن يتم إفساد الحياة العامة بهذا الشكل، وليس معقولا أن تبتلع الحفرة العميقة كل من يشمر ثوبه ويستعد للعبور إلى الأمام... من ذا الذي يستطيع أن يسد مجاري السيول الطبيعية ليحرفها عن مساراتها القارة فيعاند فطرة الأرض، ويعسف الطبيعة...

لابد لمن ينصبون الفخاخ جسرا على الحفرة العميقة لاصطياد الرائحين والغادين من أن يتوقفوا عن تصنيع أشباه النخب ونظائر القادة في كل مفصل من مفاصل حياتنا العامة حتى لم يعد ثمة مكان لنمو أجنة طبيعية في رحم أرضنا الولود، ولم يعد هناك أمل في أن تغيض الأرحام خارج نطاق المعامل والمختبرات التي غالبا ما تسعى للالتفاف على الخيارات الحقيقية ببضع عشرات من الولدان المخلدين.

لقد كانت الدولة الأردنية التي أقامها الهاشميون -رعاهم الله- على الحق والعدل، وأسسوا بنيانها الشامخ على الحرية والمساواة لتكون وطنا للجميع في يوم من الأيام قاسية على أبنائها، مميزة بينهم على غير معيار مثلما هي اليوم، يجب علينا أن نعترف بذلك رغم ما فيه من مرارة وقسوة، والأمثلة على ذلك شاخصة وشاهدة لكل ذي عينين في كل مكان... لقد حلم الهاشميون بتحرير الأمة بأسرها من نير الظلم والتمييز، واليوم بتنا نلمس ونشاهد في وطننا وطن الحرية من يؤسس لكسر إرادة النظام والقانون والمعايير المستقرة استعباد الأردنيين وتصنيفهم وفرزهم على أساس طبقي، يحدد السقوف ويرسم الطموحات بحبر العصبية والعصبة التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، فأي نكوص وأي ارتداد هذا عن الحلم الوطني الكبير الذي أهدانا الهاشميون إياه رضيعا فاستودعناه في قلوبنا ورعيناه معا على المحبة والوفاء من الأجداد والآباء إلى الأبناء والأحفاد حتى أثمر حمى هاشميا عصيا على الاختراق.

أعتقد أنه قد صار لزاما على المخططين وبناة الاستراتيجيات أن يستمدوا العناصر الرؤيوية لصياغة الأهداف الوطنية وبناء المنطلقات الواقعية من خلال مقاربة نقدية موضوعية تمقت الظلم والتمييز والمحاباة بين المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات ما داموا لا يضمرون لهذا الوطن وقيادته الرشيدة الملهمة سوى الإخلاص والمحبة والاستعداد للتضحية في سبيله بالغالي والنفيس، لابد من احترام الحقوق الفردية التي يقرها القانون، والتوقف عن هدرها، أو تجييرها في صورة شيك يصرف للمستفيد الأول من المتربعين على الماضي حين كان الناس لا يطعمون إلا من صيد السيوف أو لقاء الحتوف.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :