المستشفيات الحكومية والعسكرية في قلب الدولة الأردنية
د.عدلي قندح
29-12-2025 01:30 AM
منذ نشأة الدولة الأردنية، شكّلت المستشفيات الحكومية والعسكرية أحد الأعمدة الصلبة في بناء الوطن، ليس بوصفها مرافق علاجية فحسب، بل باعتبارها مؤسسات سيادية تحمي الإنسان الأردني في صحته وكرامته وأمنه الاجتماعي. وقد ارتبط اسم هذه المستشفيات، عبر عقود طويلة، بقصص التفاني، والانضباط، والعمل الصامت في أصعب الظروف، حيث كان الطبيب والممرض والمسعف جنديًا آخر في معركة الحفاظ على الحياة.
لقد أولى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، القائد الأعلى للقوات المسلحة، اهتمامًا استثنائيًا بالقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، وبجميع الأجهزة الأمنية، انطلاقًا من إيمانه الراسخ بأن قوة الدولة لا تُقاس بالسلاح وحده، بل بسلامة الإنسان الذي يحمل هذا السلاح ويخدم الوطن بإخلاص. كما يواصل سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، حضوره الميداني الدائم إلى جانب منتسبي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، مؤكّدًا دعم القيادة الهاشمية لحقوقهم، واحتياجاتهم، وجودة حياتهم، وفي مقدمتها الرعاية الصحية اللائقة لهم ولعائلاتهم.
في هذا السياق، تبرز المستشفيات العسكرية والخدمات الطبية الملكية بوصفها نموذجًا متقدمًا في تقديم الرعاية الصحية الشاملة، ليس فقط للعسكريين والأجهزة الأمنية، بل لشرائح واسعة من المواطنين المدنيين، وخاصة في المحافظات والأطراف. وهي مستشفيات أثبتت كفاءتها العالية في الطب التخصصي، والطوارئ، والتعامل مع الأزمات، والأوبئة، والكوارث، بما جعلها صمّام أمان حقيقي للنظام الصحي الوطني.
وبموازاة ذلك، تضطلع المستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الصحة بدور حيوي في تحقيق العدالة الصحية، حيث تشكّل المزود الأكبر للخدمات الطبية في المملكة. فهذه المستشفيات تستقبل سنويًا عشرات الملايين من المراجعين، وتتحمّل العبء الأكبر في علاج الأمراض المزمنة، والحالات الطارئة، ورعاية الفئات الأقل دخلًا. وقد شهد القطاع الصحي الحكومي توسعًا ملحوظًا خلال العقود الماضية، سواء في عدد المستشفيات أو الأسرة أو الخدمات المقدمة، رغم محدودية الموارد المالية وارتفاع كلفة التكنولوجيا الطبية الحديثة.
وتزداد أهمية دعم هذه المستشفيات إذا ما وضعنا في الاعتبار الحجم الكبير للعاملين في القطاع العام والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية. فالأردن يضم عشرات الآلاف من العسكريين، ورجال الأمن، وموظفي القطاع العام، إضافة إلى مئات الآلاف من المتقاعدين منهم، الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الدولة ومؤسساتها. هؤلاء لم يكونوا يومًا عبئًا على الوطن، بل كانوا ركيزته الأساسية في الاستقرار، وحفظ الأمن، واستمرارية مؤسسات الدولة، وهم اليوم يستحقون نظامًا صحيًا يليق بما قدموه من تضحيات.
إن تحسين الخدمات الصحية المقدمة لهذه الفئات هو التزام أخلاقي ووطني ودستوري. فالرعاية الصحية الجيدة تنعكس مباشرة على الاستقرار النفسي والاجتماعي، وترفع من كفاءة الأداء الوظيفي، وتخفف الأعباء الاقتصادية عن الأسر، وتُعزز الثقة المتبادلة بين المواطن والدولة. كما أن الاستثمار في المستشفيات الحكومية والعسكرية يُعد استثمارًا عالي العائد، لأن كل دينار يُنفق في الصحة يوفّر أضعافه لاحقًا في تقليل المرض، ورفع الإنتاجية، وخفض كلفة العلاج المتأخر.
ولا يمكن تجاهل أن الكوادر الطبية في هذه المؤسسات تعمل في ظروف ضاغطة، وبمعدلات عمل مرتفعة، ونقص نسبي في بعض التخصصات والتمريض مقارنة بالمعايير الدولية. ورغم ذلك، فإن مستوى الالتزام والانتماء الوطني الذي تبديه هذه الكوادر يستحق وقفة تقدير حقيقية، وسياسات دعم واضحة، تشمل تحسين الأجور، وتطوير بيئة العمل، وتحديث الأجهزة، وتوسيع الطاقة الاستيعابية، خاصة في المستشفيات المرجعية.
إن دعم المستشفيات الحكومية والعسكرية في الأردن هو في جوهره دعم للدولة نفسها؛ دعم لأمنها الاجتماعي، واستقرارها الاقتصادي، وتماسكها الوطني. وهو ترجمة عملية لرؤية القيادة الهاشمية التي لطالما أكدت أن الإنسان الأردني هو الثروة الحقيقية، وأن من يخدم الوطن يجب أن يحظى بأعلى درجات الرعاية والاحترام.
إن أي نقاش جاد حول مستقبل الدولة الأردنية لا يكتمل دون وضع المستشفيات الحكومية والعسكرية في صدارة الأولويات الوطنية. فهي ليست مؤسسات خدمية عادية، بل خطوط دفاع متقدمة عن صحة الإنسان وكرامته، وعن استدامة الوطن وقدرته على مواجهة التحديات. ودعمها اليوم هو ضمانة مؤكدة لمستقبل أكثر أمنًا وعدالة واستقرارًا للأردن وأبنائه.
كل عام والوطن وقائدة وابناءه بالف خير.