الأمل ليس كلمة عابرة.. هو حالة داخلية تشبه الضوء حين يتسلل من شقٍ ضيق في جدار معتم.. والثقة ليست كمالية شعورية.. بل عقد غير مكتوب بين الإنسان ونبضه.. بين الفرد والجماعة.. وحين يكون الأمل صادقاً.. يكون قادراً على البناء.. وحين تُمنح الثقة في موضعها.. تتحول إلى طاقة تصنع الاستقرار.. لكن الخطر كل الخطر.. حين يُبنى الأمل على صورة مصقولة.. وتُمنح الثقة لوجوه تعرف جيداً كيف تتقن التمثيل..
وحتى لا أطيل.. سأتحدث في هذه العجالة عن خيبتين لا ثالث لهما.. خيبة تمس القلب.. وخيبة تمس الوطن.. وكلاهما يبدأ بالطريقة ذاتها.. وجه جميل.. خطاب مهذب.. قيم معلنة.. ونوايا تبدو نقية.. ثم يتدخل الزمن.. وتقترب المسافة.. وتسقط الأقنعة واحداً تلو الآخر..
في الخيبات العاطفية.. لا يكون الألم في الفراق وحده.. بل في اكتشاف أنك كنت تحب صورة لا إنساناً.. كنت تصدق لغة ناعمة لا سلوكاً.. شخصٌ يتقن تمثيل دور الصادق الأمين غير المستغِل.. المتوافق معك في كل شيء.. فيربح ثقتك خطوة خطوة.. ثم مع العِشرة.. يظهر الجشع.. ويتضح الكذب.. وينكشف ما كان فيه من غموض وما كان يخفيه.. ويخرج التسلط.. ويتبدد الاحترام.. فتدرك أن الطعنة لم تأتِ من غريب.. بل من مساحة ظننتها آمنة لجودة التمثيل.. وهنا لا تنكسر العلاقة فقط.. بل ينكسر معيار الثقة ذاته..
أما خيبات الأمل السياسية.. فهي أشد قسوة.. لأنها لا تصيب فرداً فقط.. بل تصيب فكرة الوطن في الوجدان.. مسؤولون يحدثونك عن النزاهة.. عن الوطنية.. عن محاربة الفساد.. عن المستقبل المشرق.. فتشعر وأنت تستمع إليهم أن البلد بخير.. وأن القرار بيد أمناء.. لكنك حين تراقب الفعل.. تجد القرارات بعيدة عن المصلحة العامة.. وتجد الشللية تحكم.. والمحسوبية تتصدر.. والفساد يلبس ثوب القانون..
وهنا يصبح الألم مركباً.. لأنك لا تُخذل في شخص.. بل في منظومة.. لا تُصدم في علاقة.. بل في مصير.. وتكتشف أن اللغة الوطنية كانت مجرد أداة تهدئة ومراوغة.. لا التزاماً وعقداً أخلاقياً.. وأن الثقة التي منحتها لم تكن سذاجة فرد.. بل حسن ظن شعب بأكمله..
الخيبة.. سواء كانت عاطفية.. أو سياسية.. لا تقتل الأمل فوراً.. لكنها تجعله أكثر حذراً.. أكثر صمتاً.. أقل اندفاعاً.. وربما هذا أقسى ما فيها.. أنها لا تسلبك الإيمان فقط.. بل تغيّر طريقتك في الإيمان نفسه.. وتتركك تسأل في داخلك دون صوت.. هل المشكلة فيمن خذلنا؟!.. أم في أننا صدقنا أكثر مما ينبغي؟!..