معادلة "الاقتصاد مقابل التوطين"
محمد نور الدباس
31-12-2025 12:39 PM
في إطار الطرح الذي تم رصده على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل دولة السيد عبد الكريم الكباريتي رئيس الوزراء الأسبق بوجود تيار داخلي يروّج لمعادلة “الاقتصاد مقابل التوطين” بوصفه ظاهرة سياسية -اقتصادية مركّبة، تتقاطع فيها الضغوط الخارجية مع حسابات داخلية، وتُقدَّم عادةً في خطاب غير مباشر أو مغلّف بلغة “الواقعية الاقتصادية”، ورغبةً منا بتوضيح ماهية هذه المعادلة فإنه يمكننا تناول هذا الموضوع من خلال تحليل متوازن لهذه الفكرة، عبر تبيان ماهية المعادلة بشكل أساسي، فإن معادلة الاقتصاد مقابل التوطين تعني طرحَ فكرة مفادها أن تحسين الأوضاع الاقتصادية، وجذب الاستثمارات، والحصول على دعم مالي دولي، قد يكون مشروطًا أو مرتبطًا ضمنيًا بقبول ترتيبات سياسية – ديموغرافية، في مقدمتها توطين اللاجئين الفلسطينيين أو القبول بحلول تنتقص من حق العودة.
وفي الإطار ذاته نتناول ثانيًا ملامح التيار المروّج لهذه المعادلة، فلا يظهر هذا التيار غالبًا بصيغة سياسية صريحة، بل عبر خطاب اقتصادي تقني يركّز على العجز، والدين العام، والبطالة، وانخفاض القوة الشرائية، وعبر الترويج لفكرة أن “الهوية السياسية يمكن تأجيلها” مقابل “إنقاذ الاقتصاد” على أساس وجود سلم أولويات، وعبر التقليل من مخاطر التوطين واعتباره “أمرًا واقعًا” أو “مسألة إنسانية”، وعبر تصوير الرفض الشعبي للتوطين بوصفه عائقًا أمام التنمية، وقد يضم هذا التيار بعض النخب الاقتصادية أو الاستشارية، وقد يضم أصوات إعلامية تروّج لـ”البراغماتية”، وقد يضم فاعلين مرتبطين بمشاريع أو برامج تمويل دولية مشروطة.
ونتناول ثالثًا دوافع انتشار هذا الطرح؛ فالضغط الاقتصادي الحقيقي الذي يعانيه الأردن، ما يجعل أي وعود بالدعم الخارجي مغرية لبعض الفاعلين، ومن هذه الدوافع أيضاً الضغوط الدولية والإقليمية المرتبطة بتصفية القضية الفلسطينية أو إعادة هندستها، ومن هذه الدوافع كذلك وجود إحباط اجتماعي عام يُستثمر لإقناع الناس بأن الخيارات الوطنية مكلفة اقتصاديًا، ومن هذه الدوافع أيضاً تحوّل بعض النقاشات من سياسية–حقوقية إلى إدارية–اقتصادية.
ونتناول رابعًا الإشكاليات الجوهرية في المعادلة؛ ومنها الإشكاليات الاقتصادية، فلا توجد ضمانات حقيقية بأن التوطين سيؤدي إلى ازدهار اقتصادي مستدام، بل قد يفاقم الضغط على الموارد والخدمات، مثل الموارد المائية وخدمات النقل العام والمعونة الوطنية، ومن ضمن هذه الإشكاليات أيضاً الإشكاليات السيادية؛ فربط الاقتصاد بقرارات سيادية-أمنية-وجودية يُضعف استقلال القرار الوطني، أما الإشكاليات الحقوقية؛ فالتوطين يتناقض مع حق العودة، ويخدم مشاريع تصفوية للقضية الفلسطينية، وكذلك الإشكاليات المجتمعية؛ فهذه المعادلة تهدد التوازن الاجتماعي، وتخلق انقسامات داخلية طويلة الأمد.
ونتناول خامسًا الموقف الوطني التقليدي؛ فالموقف الأردني الرسمي والشعبي تاريخيًا يقوم على محاور ثلاثة؛ المحور الأول يقوم على رفض التوطين بوصفه حلًا على حساب الأردن والفلسطينيين، والمحور الثاني يتمحور حول الفصل بين الإصلاح الاقتصادي والثوابت الوطنية، أما المحور الثالث فيتركز في التأكيد أن الأزمة الاقتصادية لا تُحل بتنازلات سيادية، بل بإصلاحات داخلية عادلة.
خلاصة القول، إن الترويج لمعادلة الاقتصاد مقابل التوطين ليس طرحًا بريئًا أو تقنيًا، بل مشروع سياسياً مغلّفاً بغطاء البراءة وحسن النية، يستغل الضيق الاقتصادي لتمرير حلول تمس الهوية والسيادة والحقوق التاريخية، والتحدي الحقيقي يكمن في بناء اقتصاد قوي دون المقايضة على الثوابت، وتعزيز وعي عام يرفض تحويل الأزمات المعيشية إلى بوابة لتسويات خطيرة تؤثر على المجتمع الأردني وتزيد في تعقيد التركيبة الاجتماعية، ناهيك عن المخاطر الأمنية والسيادية، والأمل ينصب على قيادتنا الهاشمية المظفرة، الملهمة، الحكيمة، والساعية إلى بناء الأردن وصون كرامة شعبه، واختيار الأفضل للمستقبل الزاهر.