إصلاح أضرار البنية التحتية في الكرك
د. حمد الكساسبة
31-12-2025 03:35 PM
أدّت الأحوال الجوية الأخيرة التي شهدتها محافظة الكرك إلى أضرار في الطرق والبنية التحتية والجسور والعبّارات، إضافة إلى تضرر بعض الملكيات الخاصة، نتيجة الهطولات المطرية الغزيرة وجريان السيول في عدد من المناطق. وقد أوجد هذا الواقع حاجة واضحة إلى التعامل السريع والمنظّم مع هذه الأضرار بما يضمن سلامة المواطنين واستمرارية الخدمات الأساسية.
وفي هذا السياق، باشرت الحكومة تحرّكًا ميدانيًا مباشرًا، حيث تواجدت الفرق الحكومية المختصة في المحافظة على مدار يومين متتاليين لمعاينة الأضرار على أرض الواقع وتقييمها بشكل مباشر. وقد ساهم هذا التواجد في تسريع اتخاذ القرارات الفنية والبدء بأعمال الإصلاح وفق أولويات واضحة تستند إلى حجم الضرر وطبيعة كل موقع.
وشملت الأضرار تضرر طرق رئيسية وفرعية، وظهور تجمعات مائية أعاقت الحركة في بعض المناطق، إضافة إلى أضرار في عدد من الجسور والعبّارات، لا سيما في المناطق القريبة من مجاري السيول والأودية. ومع اتساع نطاق التأثير، أصبح من الضروري اعتماد أسلوب منظّم في التعامل مع الأضرار يوازن بين سرعة التدخل ودقة التنفيذ.
وتبدأ عملية الإصلاح بحصر الأضرار وتقييمها فنيًا، ثم الشروع في إعادة تأهيل الطرق المتضررة، وصيانة الجسور والعبّارات، ومعالجة نقاط الاختناق في شبكات تصريف مياه الأمطار، خاصة في المواقع الأكثر عرضة لتجمع المياه. ويهدف هذا المسار إلى إعادة الحركة والخدمات إلى طبيعتها والحد من الآثار المباشرة على المواطنين.
وتؤدي الحكومة دورًا محوريًا في تنسيق جهود الإصلاح وتوحيد عمل الجهات المعنية وتوفير المتطلبات الفنية واللوجستية اللازمة، فيما تضطلع البلديات بدور تنفيذي أساسي بحكم قربها من مواقع الضرر ومعرفتها بخصوصية المناطق واحتياجاتها، الأمر الذي يسهم في تسريع الإنجاز وتحسين جودة التنفيذ.
أما من حيث التمويل، فإن اعتماد نهج تشاركي يُعد خيارًا عمليًا وأكثر استدامة، خاصة في ظل الضغوط المتوقعة على موازنة عام 2026. فمشاركة الحكومة والبلديات، إلى جانب الشركات الوطنية ومؤسسات القطاع الخاص والجهاز المصرفي، تتيح توزيع الأعباء المالية بصورة متوازنة وتخفف الضغط عن الموازنة العامة.
وفي هذا الإطار، تبرز الحاجة إلى إنشاء صندوق طوارئ وطني دائم، على غرار الصندوق الذي استُحدث إبّان جائحة كورونا، يُخصّص لتمويل إصلاح أضرار البنية التحتية ومواجهة أي ظروف طارئة في جميع محافظات المملكة. ويهدف جعل هذا الصندوق دائمًا إلى تجنّب تعريض الموازنة العامة لضغوط غير محسوبة عند وقوع الطوارئ، وضمان الجاهزية والاستجابة السريعة. ويُفترض أن يعتمد الصندوق على مساهمات مشتركة من الحكومة، والشركات الوطنية، والقطاع الخاص، والبلديات، والجهاز المصرفي، وأن يُدار وفق إطار حوكمة واضح يضمن الشفافية والمساءلة وعدالة توزيع الموارد.
وفي الخلاصة، فإن معالجة أضرار البنية التحتية التي خلّفتها الأحوال الجوية الأخيرة في محافظة الكرك تتطلب عملًا مؤسسيًا منظمًا يقوم على التنسيق، والتمويل التشاركي، والحوكمة الرشيدة. فالهدف لا يقتصر على إصلاح الأضرار الحالية، بل يتعداه إلى تعزيز الجاهزية الوطنية للتعامل مع أي ظروف طارئة مستقبلًا، بما يحفظ سلامة المواطنين، ويصون البنية التحتية، ويدعم الاستقرار الخدمي والاقتصادي في مختلف محافظات المملكة.