مع قدوم كل فصل شتاء، وتزامنًا مع الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة، الانجرافات الترابية والانجمادات الصباحية، الانزلاقات الأرضية والانهيارات الجبلية، وفي خضم تجمعات مائية وإغلاقات مرورية، تتعالى الأصوات والتقييمات وما بين انتقادات وتحليلات، وما بين كلمات واقعية وعبارات عاطفية، وفي خضم هذا المشهد، يثار السؤال: هل أمطار الخير أصبحت اليوم معيارًا لحكمنا على الغير ! للحكم على كفاءة العمل الميداني، التخطيط العمراني، التنظيم السكاني؟

تشير الدراسات العلمية والأبحاث العالمية إلى أن المعدل السنوي لهطول الأمطار في الأردن يبلغ ما بين (100-200 ملم)، بينما يصل المتوسط العالمي ما بين (900-1100 ملم)، مما يضع الأردن ضمن الدول ذات الهطول المطري المنخفض (FAO & The Global Economy) مع الأخذ بعين الاعتبار التمركز المطري في شهور الشتاء فقط والانتشار المطري خلال أشهر السنة كاملة في بعض الدول..!

هذا الواقع الطبيعي يجعل من إدارة الأمطار تحديًا كبيرًا يتطلب التخطيط الاستباقي والاستثمار الذكي في البنية التحتية والخدمات اللوجستية. بعض تجارب دول العالم مثل المملكة المتحدة، اليابان، هولندا، وألمانيا وغيرها ركزت على الاستثمار في شبكات الصرف الصحي المتطورة، السدود المتعددة وتصاميم الطرق المتقدمة ، المرافق المقاومة للفيضانات والشوارع ذات المواصفات الفنية العالية.

لقد اجتهدت الحكومات في التعامل مع التغيرات المناخية والأحوال الجوية، فأصابت في كثير من الحالات، ولكن في كثير من الحالات كانت التقلبات الجوية غير متوقعة فجاءت النتائج غير جيدة !

الكثير من دول العالم منعت البناء في الأودية والمناطق المنخفضة منذ سنوات طويلة، كما وقامت بوضع قوانين صارمة لحماية المجاري المائية للحد من آثار الأمطار والفيضانات، كما وقامت بتشجيع المواطنين على بناء المباني الصديقة للبيئة، مثل تلك المزودة بخزانات لتجميع مياه الأمطار والأسطح الخضراء، مما ساهم في إدارة الموارد المائية بكفاءة عالية.

لقد حان الوقت لتطوير أجهزة رصد لبعض الجبال ذات الصفات الجيولوجية العالية، أو الأودية المنخفضة ذات المجاري المتشعبة أو المتعرجة، تفعيل أنظمة المعلومات الجوية مع ربطها بأنظمة إنذار ذكية عبر تطبيقات متطورة تسمح باستخدام الرسائل النصية لغايات تحذيرية.

الأمطار والفيضانات ليست مجرد ظاهرة طبيعية تتطلب رد فعل فوري، بل فرصة لإعادة التفكير في التخطيطات العمرانية، التجمعات السكانية، الأفكار المستقبلية، والعمل على تعزيز التعاون بين الحكومة والمجتمع المدني، فالبنية التحتية القوية والمرنة والرؤية الكاملة الشاملة هي الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه الدولة في تعاملها مع الهطولات المطرية لتحقيق نتائج إيجابية تنعكس على القدرة المائية بطريقة استراتيجية.