موقف لا بد منه .. د. حسن البراري
21-12-2011 03:02 PM
في محاولة بائسة من قبل عدد من الشخصيات التي تحوم حولها الشكوك الشعبية حول ارتباطهم بشبهات الفساد، حاول بعضهم الترويج لمقولة مفادها أن كثرة الحديث عن الفساد يبعد المستثمرين ما يشكل ضررا بالغا بالاقتصاد الأردني، وكان أملهم أن تضع هذه المقولة حدا لملاحقات الرأي العام لهذه القضية.
وعلى النقيض من ذلك، هناك من يقول أن عدم حسم موضوع الفساد هو ما يطرد المستثمر الأجنبي ويجعل من الأردن بيئة طاردة للاستثمار بدلا من أن تكون جاذبه. وحجة الفريق الثاني في النقاش العام أن المستثمر النظيف يرتاح أن أظهرت الدولة جدية في محاربة الفساد، ويرتاح أكثر إن عرف بأن ثمة دولة قانون ومؤسسات لا يمكن لأي كان تجاوز ذلك. بمعنى آخر، لا بد من توجيه رسالة للجميع بأن هناك قانونا يحترم من قبل الجميع دون استثناء. فمثلا، في إسرائيل يحاسب حتى رئيس الوزراء أو رئيس الدولة ويزج في السجن إذا اقتضى الأمر ما يضفي مصداقية لنظام النزاهة وهو ما يشجع المستثمرين على الإقدام على الاستثمار أو لنقل المخاطرة بالاستثمار في إسرائيل.
المبادرة في حسم هذا الملف هي ملكية بامتياز، فكان للرسائل والإشارات التي بعث بها الملك للمسؤولين أثر في خلق انطباع عام بأن الفاسد غير محصن كما كان يروّج البعض ما كلف الأردن ومؤسسة العرش كثيرا.
وفي غير مرة أكد الملك بأنه لا يحمي أي فاسد وطالب المعنيين بالقيام بواجباتهم حيال هذه القضية على وجه الخصوص وأن لا يستمعوا لمن يستعملون المرجعيات العليا للتطاول على القانون أو لحماية أنفسهم من ملاحقات قانونية. في بلد مثل الأردن، يعتبر تنفيذ القانون هو الضامن الرئيس للحد من ظاهرة الفساد لأن المجتمع الأردني وإن يحارب الفساد لفظيا غير أنه لا ينبذ الفاسدين وبالتالي لا يمكن الرهان على تكون قيم تمقت الفساد.
فعلى نحو لافت نجد أن الفاسد يحظى باحترام نسبي! فنجد الكثير منهم- وقد تغيرت حالتهم المالية بعد الخروج من موقع مسؤولية وانضموا بين ليلة وضحاها إلى الطبقة المخملية- يتصدرون المناسبات الاجتماعية من عطوات وجاهات ويتقرب إليهم الكثيرون. بمعنى أن أيا من الذين حامت حولهم الشكوك لم يعاني من إحراج بسبب تراكم الثروة على حساب دافعي الضرائب الذين بالكاد يسددون التزاماتهم اليومية. صحيح أن هنالك تراشقا بين المتنافسين الذين خرجوا من السلطة وفي سبيل ذلك وظفوا ما تيسر لهم من أجل النيل من بعضهم البعض، ولا بأس أن يكون الفساد أحد مداخل النيل من الخصم. وهم بذلك خلقوا حالة من "تعويم" الفساد حتى غدا الموضوع برمته على أهميته مبتذلا!
المفارقة أن الكثير ممن يرفعون شعارات محاربة الفساد هم أنفسهم لا يتورعون من استخدام بعض مظاهره مثل الواسطة والتدخل لدى أصحاب القرار للتأثير عليهم. بمعنى أن الدعوة لمحاربة الفساد تأتي أما في سياق تسجيل نقاط سياسية أو لأن جزءا من المجتمع يرى بأن التصدي لهذه الظاهرة يترتب عليه استرداد أموال يمكن لها أن تضع حدا للمشاكل الاقتصادية الرئيسية مثل الفقر والبطالة. فالموقف من الفساد ليس أخلاقيا بالدرجة الأولى بدليل لجوء بعض المشتبه بهم لعشائرهم أو مناطقهم طلبا للحماية من تطبيق القانون وحصولهم على هذه الحماية. لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد من يريد موقفا حاسما من الفساد لأسباب أخلاقية وحماية للدولة ومؤسساتها ومكانتها.
بالمجمل، يمكن القول أن نظرة ثاقبة لموقف المجتمع من الفساد تكشف عن تعقيد، فعندما يكون الفاسد محترما اجتماعيا ويمكن يحظى أن بحماية منطقته أو عشيرته فإن هذا يستلزم تنفيذ القانون بصرامة كرادع وحيد هذه الأيام إذ لا يمكن الاستناد على تبلور ثقافة مجتمعية تحارب الفساد قولا وفعلا.
hbarari@gmail.com