facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




المفكر العربي حسن نافعة: قصور الأمة في معالجة قضيتها المركزية السؤال الحقيقي الذي يواجهنا


08-02-2008 02:00 AM

حاوره: أحمد الطراونة - يؤكد المفكر العربي حسن نافعة، أمين عام منتدى الفكر العربي، أن العمل الفكري مثل العمل السياسي لا يمكن أن ينمو إلا في ظل التنوع والتعدد، مضيفاً أنه ليس من أهداف منتدى الفكر العربي أن يؤسس فكراً أو تياراً خاصاً به، إلا أنه يعمل مع المؤسسات الفكرية الأخرى على تجسير الفجوة بين المفكرين والمثقفين العرب من جهة، وبين صناع القرار من جهة أخرى.
ويرى نافعة، الذي يحمل دكتوراه الدولة في العلوم السياسية من جامعة السوربون (1977)، ان غياب الديمقراطية أعاق بشكل مباشر تحقيق الوحدة العربية، وأن اغلب التيارات الفكرية العربية التي استلمت الحكم قد عطلت العمل بالديمقراطية حتى تحقيق الاستقلال الناجز، وثبت ان ذلك وهمٌ، إذ تحقق الاستقلال صورياً، ولم تتحقق الديمقراطية أو الوحدة.
الرأي الثقافي التقى نافعة، وكان الحوار التالي:
الثقافي يقول سمو الأمير الحسن بن طلال ان منتدى الفكر العربي ينطلق من أن الإنسان هو محور الفكر وروحه وغايته، كيف يترجَم هذا على الواقع، خصوصا ان المنتدى مرّ على تأسيسه أكثر من خمس وعشرين سنة؟
من الطبيعي أن يكون الإنسان محور اهتمام أي مؤسسة فكرية، لأن الفكر إذا لم يستهدف خدمة قضايا الإنسان ويسعى لبحث سبل إشباع حاجاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية يتحول إلى فكر مجرد لا علاقة له بالواقع وبالتالي لا قيمة له. لذلك يجب أن تكون كل الأفكار موجهة للارتقاء بالإنسان سواء الإنسان الفرد او الإنسان في جماعة او الإنسان في دولة، وأظن أن هذا هو ما قصده سمو الأمير الحسن بن طلال حين عدّ -عن حق- الإنسانَ محورَ الفكر وروحه وغايته. وسنقوم في منتدى الفكر العربي بترجمة هذا المفهوم من خلال تخصيص ندوة كبرى لمناقشة قضية المواطنة في العالم العربي، وذلك على هامش مؤتمر الهيئة العمومية والذي سيعقد في المغرب في نيسان القادم. وقد تم تكليف أحد الباحثين المرموقين من أعضاء المنتدى بإعداد ورقة بحثية ترصد وتحلل أهم الإشكاليات التي تعوق أو تحول دون تمتع الإنسان العربي بحقوق المواطنة كاملة. فقضية المواطنة قضية أوسع من حقوق الإنسان. فإذا تم تشخيصها وإيجاد الحلول المناسبة لها يسهل بعد ذلك معالجة قضايا أخرى خطيرة تهدد وحدة المجتمعات العربية وسلامتها، مثل قضايا الأقليات الدينية أو الطائفية أو العرقية. وأعتقد أنه آن الأوان لطرح كل الأسئلة المتعلقة بحقوق المواطنة والتي تشتمل بالإضافة إلى حقوق الإنسان في مختلف المجالات السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، مشكلات الشرائح الاجتماعية المهمشة كالمرأة وأصحاب الحاجات الخاصة. لذلك نريد أن نعالج دور الإنسان الفرد في العالم العربي بوصفه مواطنا وليس رعية، وهل الفرصة متاحة أمامه فعلا للمشاركة في صنع القرار، وهل يحصل على الحد الأدنى من الاحتياجات التي تكفل له حياة حرة كريمة؟ وهل يتعايش الأفراد والجماعات بشكل متناغم ومنسجم؟ كما يتعين أيضا طرح أسباب وجذور الحروب الأهلية التي بدأت تهدد مناطق كثيرة في العالم العربي وقضايا المحرومين والمستضعفين فيه أيا كانت نوعياتهم وفئاتهم.
مطلوب إذن أن نتناقش معا في حوار حر حول ما إذا كان هناك حد أدنى لحقوق المواطنة كما تراها مؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي سواء كانت هذه المؤسسات من طبيعة فكرية أو اجتماعية أو سياسية وكيف تتوزع المسؤولية المتعلقة باحترام حقوق المواطنة بين الأطراف الرسمية والشعبية. لذلك أتمنى أن يكون المؤتمر الذي نعد له حاليا على المستوى المطلوب، وأن لا يكون تقليديا، وأن ينجح في إلقاء الضوء على أهم المشكلات الإنسانية والاجتماعية التي تواجه المواطن العربي، وان يساهم في اقتراح حلول بناءة.

الثقافي كيف تقيّم تجربة المنتدى، وكيف ترى مستقبله وقدرته على التأثير في صياغة مشروع فكري عربي؟
- منتدى الفكر العربي مؤسسة مهمة وعريقة ومن المؤسسات الرائدة في العالم العربي، وهو من المؤسسات العريقة والفريدة، إضافة الى مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وقد ظهر المنتدى الى حيز الوجود بمبادرة واعية من صاحب السمو الأمير الحسن بن طلال في العام 1981، حيث انعقد المؤتمر العربي حينها في عمّان، وكان العالم العربي يواجه أزمتين حقيقيتين هما زيارة الرئيس المصري أنور السادات الى إسرائيل وتوقيع معاهدة كامب ديفيد، إذ قطع العالم العربي علاقته مع مصر، وكان هنالك ما يسمى جبهة الصمود والتصدي والتي قادت هذا التوجه، والمشكلة الأخرى هي دخول العراق في حرب مع إيران والتي استعد العراق حينها والعرب أيضا لحرب طويلة.
لذلك كان هنالك من المخلصين في العالم العربي والذين رأوا ان هذا العالم يواجه مشكلات حقيقية تتهدد هويته، ومن هنا جاءت فكرة الأمير الحسن في ذلك الوقت، وكانت هنالك اتصالات مع عدد من المفكرين وصناع القرار ورجال الأعمال، وكان ذلك تأسيسا لوجود صيغة تبحث في مشكلات الوطن العربي وطرح الحلول لها واتخاذ القرارات المهمة حولها، والتي يمكن لصانع القرار ان يتبناها، انطلاقاً من انه اذا وُجد المفكر مع صانع القرار مع رجل الأعمال فقد يؤدي ذلك الى وجود قرار أكثر عقلانية وقوة وإسهاماً في حل المشكلات المستعصية.
هذه هي الفكرة من إنشاء المنتدى، ومنذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة في المجاري العربية سواء على مستوى مؤسسات صنع القرار او المؤسسات الفكرية او المؤسسات الاقتصادية الى غير ذلك، الا ان المنتدى استطاع ان يصمد في ظل واقع عربي ونظام دولي متغير، ومرت فترات كان فيها شعلةَ نشاط، وفترات أخرى أصابه فيها ركود وخمول، وهذا أيضا كان متناغما مع التغير والتحول على مستوى الوطن العربي والعالم، وأيضا مع طبيعة شخصية الأمين العام، فهنالك من كان له اهتمامات مالية، وآخر انشغالاته فكرية. وقد عقد المنتدى عددا من الندوات والمؤتمرات وورش العمل وأصدر العديد من الكتب، وأسهم في إلقاء الضوء مع غيره من المؤسسات الفكرية العربية على العديد من المشاكل وأسهم في حلها أيضا.

الثقافي هل ترى أن المنتدى نجح في تجسير الفجوة بين المفكرين والمثقفين العرب؟ وبين المفكر والمواطن؟ وبين الفكر العربي والفكر العالمي؟
- بشأن تجسير الهوة بين المفكر وصانع القرار والتي كانت همنا الأساسي، لأعترف أن المنتدى ومعه بقية مؤسسات الفكر العربي، لم تنجح في ذلك، إذ ظل صانع القرار هو من يسيطر في النهاية، ويسحب المفكر باتجاهه، ورغم ذلك بقي المنتدى مستقلا في قراره وفكره، يشخص المشكلات والحلول بعيدا عن تأثير صاحب القرار. وانتبه المنتدى الى تجسير الهوة بين المفكر والمواطن، وبين المفكر العربي والمفكر العالمي، أي ان هنالك فجوات كثيرة بين المفكر وغيره من الشرائح يجب ان يسعى الى تجسيرها، وقد بدأنا في برنامج سنعمل على تحقيقه خلال المواسم الثقافية القادمة.

الثقافي هل تعتقد أن هنالك ملامح لمشروع فكري عربي؟ وفي حال وجودها أين تظهر هذه الملامح أو تتمثل، وإذا لم تكن كذلك، ما هي المعوقات التي حالت دون أن تظهر؟
- لا تستطيع أي مؤسسة فكرية عربية ان تقول ان لديها مشروعا فكريا عربيا متكامل الجوانب، ولكن يتعين على المؤسسات الفكرية العربية كافة ان يكون لديها مشروع عربي للنهضة، وعلى كل مؤسسة ان تقوم بدور او عمل معين بحكم ما يتوفر لها من موارد ويؤدي الى تكامل الأدوار، إلا أنه يمكن القول ان هنالك مدارس او تيارات فكرية عربية، فهنالك التيار الليبرالي والتيار الإسلامي والتيار اليساري.
علينا ان نتحلى بالتواضع، وأن لا نخدع المواطن بأن هنالك مشروعا عربيا قادما سيحل كل المشكلات العربية، لكن هنالك مؤسسات فكرية تعمل على إيجاد حلول لبعض المشكلات العربية، من بين هذه المؤسسات: منتدى الفكر العربي، ومركز دراسات الوحدة العربية، ويتبلور الآن ما يسمى نحو مشروع نهضوي عربي ، وهذا المشروع يستند إلى محور مهم هو الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، وقد ساهم فيه عدد كبير من المفكرين العرب وهو الآن في مراحل بلورته النهائية، وهو مطروح على الشرائح والمؤسسات العربية كافة، لكن المهم هو كيف يؤمن المفكرون العرب بوجود إطار عام عملي وليس نظرياً يجمعهم وينصهرون داخله ويتفاعلون فيه ويقنعون صانعي القرار به لتحويل هذا المشروع الى واقع، وهذه مسؤولية اكبر بكثير من ان تتحملها مؤسسة فكرية واحدة، اذ يتطلب ذلك تكاتف جهود كبيرة من قبل المؤسسات الفكرية العربية كافة.

الثقافي كيف ينتج الفكر عموما؟ وهل هنالك مؤسسات عربية تلتقون معها في عملكم أو تتقاسمون معها خطةً ما لإنتاج فكر عربي مشترك، وما هي الآليات التي تستندون اليها في عملكم لإنتاج فكر عربي حقيقي؟
- هنالك فوضى هائلة في كل شيء، ففي المجال الإعلامي لا يمكن لأي صاحب عقل ان يقول ان هنالك استراتيجية واضحة تنظم عمل الفضائيات، وعلى المستوى السياسي انظر الى الجامعة العربية: ليس في جعبتها أي استراتيجية عربية، لا للأمن القومي الغذائي او المائي او البيئي او التعليمي او غيره، وهذا ينسحب على مؤسسات الفكر العربي، فليس هنالك أي تنسيق بينها.
هناك ما يشبه الدكاكين الصغيرة، وهناك تنافس غير صحي، وهناك بعض الدول التي لديها إمكانية اقتصادية عالية تستخدم الفكر لغايات إضفاء الشرعية على قراراتها وخدمة أهدافها، لذلك المطلوب من مؤسسات الفكر العربي ان تجتمع بشكل دوري وان تضع قراراتها بشكل دوري لتقطع الطريق على من يوجهون الفكر العربي بحكم ما يمتلكون من امكانات اقتصادية. للأسف ان التنسيق غائب بين هذه المؤسسات، وما يعانيه الوسط العربي عموما يعانيه الوسط الفكري، فالعمل العربي حتى لو كان فكريا فهو يتأثر بشكل مباشر بالخلافات السياسية مما يستدعي إعادة النظر في هذه العلاقة وإعادة صياغتها على أسس جديدة بعيدا عن التأثر بأي خلافات. ويجب أن يُطلب من القطاع الخاص ورجال الأعمال ان يدعموا هذه المنتديات حتى تستقل بقراراتها عن الحكومات وأصحاب القرار، وكي تستطيع الإنفاق على نشاطاتها بحرية، خصوصا ان هذه النشاطات تكلّف كثيرا. وعلى الحكومات ان لا تقف في وجه هذه المؤسسات وان تساندها بعيدا عن التدخل في أجنداتها وعملها الا بما يضمن الرقابة على الإنفاق.

الثقافي برأيك، هل يتطلب إنتاج فكر عربي ميزانية عالية أم سقفَ حريةٍ عاليا؟
- القضية ليست قضية مالية، فالعالم العربي ليس فقيرا، وهنالك فوائض مالية لا يعرف أصحابها التصرف بها، لكن المشكلة الحقيقية هي أننا نهدر مواردنا المالية والبشرية وغيرها، فهنالك صفقات سلاح لا حاجة لنا بها، وهي مشروطة ولا تخدم قضايا الأمن العربي، وهنالك أموال عربية تتجاوز 3 تريلون دولار تُستثمر في خارج الوطن العربي، والوطن العربي يستورد أكثر من نصف غذائه، وهنالك هجرة العقول الى الخارج لأنها لا تجد من يتبناها ويساعدها على تحقيق برامجها، وهنالك نزيف هائل في القدرات لعدم وجود مناخ من الحرية يسمح بانطلاقها وجعلها تبدع.
لكي ينهض العالم العربي فإنه بحاجة ماسة لسقف عال من الحريات، وهذا السقف لا يمكن توفيره إلا بوجود نظم لديها حد أدنى من الديمقراطية والشرعية.. وهنالك نقص كبير في الحريات الأكاديمية، لأن التعليم والفكر والثقافة في الوطن العربي لا يمكن ان تتطور إلا اذا توافر شرطان مهمان جدا: الأول سقف عال من الحرية، وهو ليس متاحا؛ والثاني استقلال مؤسسي، كي تتمكن المؤسسات التعليمية في الوطن العربي من إدارة نفسها بنفسها دون تدخل من السلطات الحكومية.
إذا توافر هذان الشرطان سيكون لدينا تنمية ونهضة، ونحن نحاول من جانبنا ان نركز على هذه الأمور، فقد آن الأوان لجميع المؤسسات الفكرية ان تعمل على التكامل بينها، خصوصا انه لا يمكن لأي دولة عربية ان تحل مشاكلها بمفردها، وبالتالي هنالك تكامل عربي مطلوب. علينا ان نبحث عن وحدة عربية على مستوى الأمن وعلى مستوى الغذاء وعلى مستوى الاقتصاد، وان نبحث عن قواسم مشتركة بما يخدم التكامل والتكافل المتبادل، وان نبحث عن طريق او أسلوب يكسب من خلاله الجميع.

الثقافي أين هي المظلة العربية التي يمكن للفكر العربي بكل أشكاله أن يقتنع بالانضواء تحتها؟
- تحدثنا كثيرا في المنتدى عن فكرة أكثر شمولا تنضوي تحتها اغلب الأفكار والرؤى، وتبنى المنتدى فكرة الوسطية، بمعنى الوسطية في كل شيء والابتعاد عن التطرف في كل شيء، خصوصا التطرف في الأفكار.. كما تبنينا محاربة فكرة التخوين والتكفير، ودعونا إلى احترام التنوع والاعتراف بالآخر.
العمل الفكري كما أرى مثل العمل السياسي؛ لا يمكن أن ينمو إلا في ظل التنوع والتعدد، وليس من طموح المنتدى ان يؤسس فكراً او تياراً خاصاً به. وانا تحدثت عن الوسطية انطلاقاً من انها الفكرة التي نظر منتدى الفكر العربي على انها يمكن تجمع وتوحد اغلب التيارات الفكرية، ورغم انني لا اظن ان هنالك فكرا وسطيا متبلورا او يمكن ان يتبلور، إلا انه يمكن ان تلتقي الأفكار المختلفة على فكرة واحدة تكون إطارا عمليا لها وتتفق من خلالها على أسس النهضة او العمل المشترك مع تأكيد خصوصية كل فكرة او تيار، ولكن المشكلة في العالم العربي هي ان كل تيار فكري ينبثق من أيديولوجية سياسية معينة ينحاز لها، فهنالك المدرسة الفكرية الليبرالية والفكرية اليسارية او القومية وغيرها، وهنالك ما يقابلها في الشارع السياسي من أحزاب سياسية اقرب الى الفكر القومي او الليبرالي او الماركسي او الاشتراكي، وهنالك التيار الإسلامي العريض والذي يحتوي على عدد من الفرق والأحزاب.
الإشكالية هي: كيف نهض الغرب وحقق ما نرى من تقدم؟ والسبب واضح، هو انه نهض لأنه استطاع ان يؤسس أحزابا سياسية ومؤسسات فكرية متصالحة وقادرة على ان تجمع بين الأفكار كافة ضمن إطار واحد لخدمة المصلحة العليا مع احتفاظ كل منها بخصوصيتها بعيدا عن الاتهامية والخيانة المسبقة. المطلوب من العالم العربي كي ينهض تشكيل إطار سياسي يجمع كل الأفكار العربية ويدعوها الى الاعتراف بالآخر خلال هذا الإطار.
هذه المشكلة واجهت كل الأحزاب السياسية التي استلمت الحكم، إذ لم تستطع هذه الأحزاب ومنطلقاتها الفكرية ان تقبل بالآخر أو أن تتحاور معه، بل أقصته عن الساحة نهائيا، وعدّت نفسها وحدها من تمتلك الحقيقة، وحاول صانع القرار ان يختار من المفكرين وأصحاب وجهات النظر ما يخدم مصالحه ويضفي الشرعية على قراراته، وهذا ما سبب التخلف في العالم العربي.
المطلوب ان يوضع إطار مؤسسي على الصعيدين الفكري والسياسي يسمح للتيارات المختلفة ان تقول معا وتتفاعل معا بعيدا عن الاعتداء والتخوين، وانا اعتقد ان هنالك تخوفا من التيار الإسلامي ومن بعض الذين يدعون الى الديمقراطية فيه رغم انه تيار يقبل بالآخر ويسمح بالتعايش على عكس بعض التيارات الأخرى كالماركسية التي تدعو الى دكتاتورية البروليتاريا والتي تأتي من ان التطور الرأسمالي سيودي حتما الى انقسام طبقي ووجود فرق شاسع بين الطبقة الرأسمالية والطبقة الكادحة مما يدفع الطبقة الكادحة الى إقامة دكتاتوريتها بالقوة، وعندما تتمكن من تصفية الطبقة الرأسمالية وفكرها تدخل الى الشيوعية والتي لا تناقض فيها. وقد اتضح ان هذه الفكرة واهمة، وان التيار القومي والتيار الإسلامي لم يهتما بالفكرة الديمقراطية وانتبها فقط لعملية التحرر والوحدة، خصوصا ان هنالك امة عربية واحدة في حالة تشتت يتعين عليها ان تتوحد وتتحرر، وبعد التحرر ستبني دولتها وتقيم الديمقراطية، وكان ذلك وهماً، حيث تحررت الأمة صورياً، ولم تَقُم الديمقراطية المنشودة لأن في العالم العربي تناقضات كبيرة.

الثقافي هل تعتقد أن غياب الديمقراطية كان معوّقاً في طريق تحقيق الوحدة العربية؟
التطور التاريخي للأمة العربية لم يأت من فراغ، فلأمتنا ماضٍ قبل الحقبة الإسلامية، وكان على التيار القومي ان يدرك ان هنالك دولا صغيرة ودولا كبيرة، وان هنالك دولا لها أعراف وتقاليد خاصة بها، فهنالك حضارة مصرية وحضارة يمنية وحضارة عراقية وغيرها، ثم تطورت هذه الحضارات داخل الحضارة الإسلامية.. ورغم ذلك فإن هنالك الكثير من القواسم المشتركة التي يمكن ان تجمعها كالتاريخ المشترك لأكثر من ألف وأربعمائة عام والدين واللغة، وما بينها أعظم بكثير مما هو بين الدول الأوروبية، ورغم ذلك نجحت الدول الأوروبية في إيجاد أشكال مختلفة من الوحدة كالعملة الواحدة مثلا. وأعتقد ان عجز الدول العربية في إيجاد أي شكل من أشكال الوحدة يعود بتقديري إلى غياب الديمقراطية وغياب المؤسسات والحرية، مما أدى الى إفشال جميع مشاريع الوحدة.
خذ الدستور الأوروبي مثلا، فقد رُفض في دول اوروبية او توقف، ولكن التوقف كان لإعادة القراءة وليس الرفض، مما يعني ان هنالك مؤسسات هي التي تتبنى، وهنالك فعل تراكمي، وليس مرتبطاً بالأشخاص كما في تجربتنا، فالتيار الذي يصل الى الحكم عندنا يلغي الآخر ويلغي الديمقراطية مما يجعل كل الأمراض السياسية تظهر وتدخلنا في مأزق بعد ان تخرجنا من مأزق آخر، ولعل الأسلوب الامثل هو ان تزدهر الأفكار في إطار وطني حقيقي وعلى أسس واضحة لتداول السلطة ضمن آليات سياسية حقيقية، خصوصا ان هنالك قضية مهمة جدا أيضا بدأت تعمّق القطرية، وهي ربط مصلحة الأنظمة العربية بمصلحة الدولة. في الدولة الديمقراطية هنالك مصلحة وطن وليس مصلحة شخص، وفيها الأشخاص مسؤولون عن أعمالهم، وهذا ناتج عن فكرة الديمقراطية الحقيقية التي يراها الشعب من خلال تداول السلطة.

الثقافي ما هي الانكشافات التي تعاني منها أمتنا والتي تجعل منها أكثر قربا لإنضاج فكر عربي حقيقي يسهم بقوة في إيجاد غطاء لهذه الانكشافات، خصوصا في ظل العولمة وانحسار الحدود؟
- أرى أننا في العالم العربي لم نفهم العولمة على حقيقتها، خصوصا اذا نظرنا اليها على انها نتاج من التطور الإنساني خصوصا في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات والتي اتاحت للبشر التفاعل بشكل آني ولحظي، لكن هذا لا يلغي حقيقة ان العالم مختلف في كل شيء، فهنالك حضارات مختلفة، وثقافات مختلفة، وعوالم سياسية مختلفة، ومصالح مختلفة أيضاً. أصبح هنالك قوى فوق الدول كالشركات العابرة للقارات، وهذا يعني ان الانتماء ليس للدولة او الأمة وانما للسوق في بعض الأحيان، مما جعل التفاعل بين البشر أكثر كثافة فالفرد يمكن ان يجد مصالحه مع أفراد آخرين خارج دولته، ولكن للأسف الشديد انه ليس هنالك مزاج عالمي، بمعنى ان هنالك قوى علمية وتكنولوجية تدفع البشر الى التفاعل والانصهار في بوتقة واحدة، الا انه لا توجد حكومة واحدة قادرة على ان تدير هذا الكون، ونحن نرى ان الدول الديمقراطية لا تسلك سلوكا ديمقراطياً، فأميركيا مثلا رغم أنها تدعي الديمقراطية لإلا أنها أفرزت جورج بوش، وهي بحجة الحفاظ على الديمقراطية تضرب العالم وتدمر الكون، وبحجة الحفاظ على المجتمعات الإنسانية تسخّر قوى العولمة وتطورها التكنولوجي لخدمة مصالحها الآنية والضيقة. إن فكرة الهيمنة والإمبراطورية بهذا الشكل تتناقض مع فكرة العولمة الحقيقية، لذلك أصبح من الضروري البحث عن نظام عالمي إنساني، وهذه مهمة كل الوطنيين والأحرار في العالم، وكل الذين يعتقدون ان غاية التقدم هو الإنسان بصرف النظر عن الدين واللون والعرق، ورغم ان هذا الهدف هو هدف كل الذين يعملون في مجالات حقوق الإنسان، إلا ان التطبيق غير وارد، واغلب القوى الليبرالية الغربية تطالب شعوب العالم الثالث باللحاق بقطار العولمة، وهذا من وجهة نظرهم يعني اللحاق بالأمركة والتي لا تصنع أي تقدم او تحرر او ازدهار. يجب ان نحافظ على ثقافتنا وهويتنا في إطار التطور التكنولوجي العالمي وبما يعمق الجوانب الإنسانية، لذلك لا بد من البحث عن نظام امني إنساني، وهذا يتطلب ان يكون تحت مسؤولية هذا النظام كل ما يهدد النظام العالمي كالحروب والمجاعات والفقر، وفكرة الأمن الجماعي تنظر الى ان امن الدول والجماعات يأتي من الحفاظ على إنسانية الإنسان وتأمين أبسط حقوقه في الحياة، فليس صحيحا ان ما يهدد الإنسان هي الحروب فحسب، فنحن نرى ان من يموتون من الجوع الآن يفوقون بأضعاف مضاعفة أعداد الذين يموتون من الحروب، وهنالك البراكين والزلازل والتلوث والأوزون أيضاً،.
إن العالم ليس مجهزا لا على مستوى الجماعات ولا على مستوى الدول ولا على المستوى الفكري والتنظيمي لمواجهة مثل هذه الكوارث، لذلك علينا كأمة ان نساهم في بلورة نظام إنساني جديد ينظر الى مصادر التهديد للبشرية على أنها مصادر تهديد حقيقية تواجه الإنسان بكل أشكاله وأماكن انتشاره، وان يكون هدف هذا النظام القضاء على الأمراض الفتاكة والفقر والجوع والكوارث الطبيعية وأخطار البيئة التي تواجه الإنسانية.
هذه هي الانكشافات العالمية والتي تعدّ الأمة جزءا منها، الأمر الذي يستدعي قيام فكر عربي يسهم في مواجهة هذه الأخطار، وهذا ينطلق من مستويين: الاهتمام بهذه الأخطار على المستوى الوطني ثم الإقليمي، ثم الانطلاق الى المستوى العربي والذي يمكن ان يشكل تكاملا حقيقيا بين القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة مثل هذه الانكشافات بحيث لا يكون هنالك تناقض بين الأمن بالمفهوم الوطني والعالمي، وان نمد الجسور مع العالم لإنقاذ البشرية والتي نحن احد مكوناتها.

الثقافي إلى أي مدى أسهمت الثورات الحديثة كالفرنسية والبلشفية في تكوين الفكر العربي الحديث وفي صياغة السياسات الاجتماعية والايديولوجيات المختلفة التي أثرت فيه؟
- كل الثورات في العالم والتي كان لها ما يبررها في الواقع الذي أنضجها أثرت في الإنسانية، ولكن في مراحل ومجالات معينة، فالفكر الليبرالي الذي يتحدث عن الفكر الإنساني وحقوق الإنسان أنضجته الثورات التي حدثت في بريطانيا وفرنسا وغيرها من الثورات التي قامت لتجذر حقوق الإنسان، خصوصا الثورة الفرنسية التي تتحدث عن الحرية والمساواة والإخاء.
كما إن الثورة البلشفية التي استندت إلى الفكر الشيوعي الماركسي، دعت الى المساواة الاجتماعية، ولكن من الناحية الاقتصادية، وكل الثورات التي جاءت بعدها واستلهمت فكرها منها داعية الى إشباع الحاجات الأساسية للإنسان والمستوى الاجتماعي، ألقت الضوء ساطعا على الحقوق الاقتصادية للإنسان. والتراث الإنساني لحقوق الإنسان الذي عكسه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يحتفل العالم بمرور 60 سنة على وضعه غذته الثورة الفرنسية والثورة البلشفية وثورات التحرر في العالم الثالث، بمعنى ان هنالك ثورات ركزت على حقوق الإنسان القانونية، وأخرى على حقوق الإنسان الاقتصادية، وجاءت ثورات التحرر الوطنية في العالم الثالث لتركز على شيء مهم، هو حقوق الشعوب في التحرر من الاستعمار، لأن الشعب لا يمكن ان يتمتع بحقوقه الاقتصادية والقانونية ان لم يكن لديه حق ممارستها. وهنالك جيل آخر من الثورات أسهم في إثراء الإنسانية، كالثورات التي تطالب بحقوق الإنسان البيئية وغيرها. اما الثورات الإسلامية فقد أسهمت بشكل مباشر في إلقاء الضوء على الخصوصيات والهويات الخاصة، الا انها للأسف لم تتقدم في التعامل مع الديانات الأخرى رغم ان الدين الإسلامي لا يمنع ذلك. المذاهب الإسلامية نفسها متناحرة فيما بينها، فكيف يمكنها أن تتعامل مع الآخر؟ أنا افهم الإسلام بأنه من أرقى الرسالات الحضارية، الا اننا لم نرَ فهما ناضجا لهذا الإسلام ومن يتمترسون حوله، وانا اعتقد انه لا يوجد فهم حقيقي للإسلام من قبل الجماعات الإسلامية. أنت لا تستطيع ان تعيش في هذا العالم ان لم تعترف بالآخر، خصوصا ان المسلمين يشكلون اقلية في العالم، فعليهم ان يحلوا مشاكله وان يقدموا اطروحات إنسانية للعالم حتى يستعيدوا مكانتهم.

الثقافي هنالك العديد من الأسئلة العربية التي تبحث عن إجابات على بوابة الألفية الثالثة، من موقعك كمفكر ومؤتمن على استراتيجية كيف تقرأ هذه الأسئلة؟
- أرى ان هنالك خطرا حقيقيا يواجه الأمة العربية، وان هنالك عجزا واضحا في مجابهة هذا الخطر او التعامل معه كما يجب، وانا ارى ان الشعوب العربية تنبهت متأخرة لحقيقة هذا الخطر الصهيوني، ورغم ذلك لم تتنبه بالمستوى الكافي سواء على مستوى الشعوب او الحكومات، واظن ان التناقضات الموجودة في العالم العربي حول كيفية إدراك الخطر الصهيوني والتعامل مع العالم الخارجي على أساسه هي من العوامل التي تسهم بشكل مباشر في تأخر تقدم العرب والحيلولة دون لحاقهم بركب العالمية، والفشل في تحقيق الديمقراطية ومكافحة المشكلات الحقيقية الأخرى. فأهداف الدولة الصهيونية هي إقامة دولة يهودية واستئصال الشعب الفلسطيني وحل ما يسمى القنبلة الديمغرافية العربية ، ورغم ان هنالك طروحات للسلام إلا أنه حتى يتحقق هذا السلام يتعين على العرب ان يتنبهوا للخطر الصهيوني، وان يعطوه اهتماماً بالغاً، وان يلقي العالم العربي بكل ثقله لحلّ هذه المسألة، وإذا لم تُحَلّ لن يتقدم العالم العربي ولن يكون هنالك استقرار، وهذا يعني ان أهم الأسئلة التي تبحث عن حل في العالم العربي هو سؤال القضية الفلسطينية، ولكن هذا لا يعني ان نؤجل كل شيء حتى تحل القضية الفلسطينية، فهنالك الصحة والتعليم والبطالة والديمقراطية وغيرها، لكن السؤال الكبير هو ما يدفع هذه المجتمعات الى الاستقرار والأمن، وكما يقال السمكة تفسد من رأسها ، فرأس الأمة القضية الفلسطينية، فإذا فسدت يفسد العالم العربي.(الراي).
* صحفي أردني
ahmad_rai2005@yahoo.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :