تنظيم القاعدة: النشأة .. الخلفية الفكرية .. الامتداد لسعيد علي عبيد الجمحي
16-02-2008 02:00 AM
الوادعي: حكام المسلمين شغلوا شبابهم بالكرة فلما غزا صدام الكويت استعانوا ببنات امريكا!تنظيم القاعدة: النشأة ـ الخلفية الفكرية ــ الإمتداد لمؤلفه الكاتب اليمني سعيد علي عبيد، هو آخر الكتب النادرة التي تحاول الإحاطة بذلك التنظيم الذي شغل الدنيا وملأ الناس بعد أقل من عقد علي انطلاقته، وخصوصا في اليمن، وهو ميدان الدراسة او الكتاب.
وتتوقف الدراسة عند الشق النظري من التنظيم، مثلما ترصد سيرته الواقعية في التاريخ، وهدفها حسب المؤلف هو تقديم فكرة حقيقية وواقعية عن هذا الفكر الجهادي وأصحابه ومعتنقيه وفي المقدمة منهم مؤسس القاعدة وقائدها أسامة بن محمد بن عوض بن لادن.
وقد خص المؤلف القدس العربي بحقوق اعادة نشره، فتولت اختيار اجزاء وافية منه، رغبة منها في تسليط الاضواء علي أحد ابرز تنظيمات الجهاد الاسلامي، واكثرها تأثيرا في عصرنا، بصرف النظر عن الموقف من توجهاته واعماله.
إن مسألة إثبات حصول الكفر البواح عند الحكام اليوم وإقناع هؤلاء السلفيين بذلك، هي من أسهل الأمور التي لا تحتاج للوصول إليها والاقتناع بها سوي مدة قصيرة من الزمن. فالسلفية الجهادية تقول: والسلطان إذا كفر وكان ممتنعاً وجب قتاله فرض عين ويُقدم علي غيره، وهذا كشأن الحكام الذين يحكمون بغير شريعة الإسلام في كثير من بلدان المسلمين، فهؤلاء كفار لقوله تعالي : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) ولقوله (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) وغيرها من الأدلة، ومعظم هؤلاء يدّعون الإسلام فهم بالكفر صاروا مرتدين. والحق أن هؤلاء الحكام مع حكمهم بغير ما أنزل الله يُشرعون للناس ما يشاءون من أحكام فهم قد نصبوا أنفسهم أرباباً وآلهة للناس من دون الله تعالي.. (1). قلت: مما سبق تعلم أن واجب المسلمين تجاه هؤلاء الطواغيت مقرر بالنص الشرعي الذي لا يجوز لمسلم أن يخرج عليه، وهو (ألا ننازع الأمر أهله، قال : إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) وقد انعقد الإجماع علي وجوب الخروج عليهم كما ذكرت آنفاً، ولذلك فلا يجوز الاجتهاد في كيفية مواجهة هؤلاء الطواغيت مع وجود النص والإجماع، وأن من اجتهد مع وجود النص والإجماع في هذا فقد ضل ضلالاً مبيناً، كمن يسعي لتطبيق حكم الإسلام عن طريق البرلمانات الشركية ونحو ذلك.. (2). ولهذا فإن خطاب السلفية الجهادية في هذه القضية هو أكثر قبولاً في صفوف الشباب المسلم، في حين وقعت غير الجهادية في تناقض صريح.
وأما الشرط الثاني لجواز الخروج، وهو القدرة، فإن السلفية الجهادية تتفق فيه مع أختها غير الجهادية، ولا يمنع المسلمين من الجهاد إلا العجز، ويجب الإعداد حينئذ، فما دامت بالمسلمين قوة.. وإذا عجز المسلمون وجب الاستعداد (3). لكنهم لايعتبرون واقع المسلمين اليوم مانعاً من أداء واجب الخروج علي الحكام، إذ صار الخروج ممكناً وصار للمسلمين جماعة جهادية تسهل لهم هذا الخروج.
وعند عرض نص من أقوال وفتاوي الإمام ابن تيمية رحمه الله، فإن مسألة الاقتناع تكون أكثر سهولة ليتقبلها أي سلفي، ولنتأمل النص التالي: فثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، أنه يُقاتل من خرج عن شريعة الإسلام، وإن تكلم بالشهادتين، وقد اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة، ولو تركت السنة الراتبة كركعتي الفجر، هل يجوز قتالها؟ علي قولين، فأما الواجبات والمحرمات الظاهرة والمستفيضة، فيقاتل عليها بالاتفاق حتي يلتزموا أن يقيموا الصلوات المكتوبات، ويؤدوا الزكاة ويصوموا شهر رمضان، ويحجوا البيت، ويلتزموا ترك المحرمات من نكاح الأخوات وأكل الخبائث، والاعتداء علي المسلمين في النفوس والأموال ونحو ذلك.. وأبلغ الجهاد الواجب للكفار والممتنعين عن بعض الشرائع كمانعي الزكاة والخوارج ونحوهم، يجب ابتداء ودفعاً ..(4).
فالتشريع حق للرب جل وعلا.. واعتداء سلاطين الأرض وملوكها ورؤسائها علي شرعة الله بتحليل ما حرم وتحريم ما أحل عدواُُُُنُ علي التوحيد وشرك بالله ومنازعة له في حقه وسلطانه جل وعلا، وأكثر سلاطين الأرض اليوم وزعمائها قد تجرؤوا علي هذا الحق، وتجرؤوا علي الخالق.. وشرعوا للناس بغير شرعه.. والشهادة لهؤلاء الظالمين بالإيمان عدوان علي الإيمان وكفر بالله سبحانه وتعالي (5).
ولا شك أن (الظالمين) هم الحكام، الذين شرعوا للناس شرائع غير شريعة الله، وهم الذين اعتبر الشيخ السلفي عبد الرحمن عبد الخالق مجرد الشهادة لهم بالإيمان عدواناً علي الإيمان وكفراً بالله عز وجل، كما رأينا في النص السابق وأكدته السلفية غير الجهادية، ومن هنا يُعلم أن الديمقراطية تشريع من دون الله، فلا يخفي علي كل مسلم أن هذا هو الكفر الأكبر والشرك الأكبر والظلم العظيم، قال الله تعالي: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13) وأي شرك أكبر من تعطيل عبودية الله؟ (6).
فإذا كانت كل تلك الفتاوي والأحكام ـ وغيرها كثير ـ يطلقها مشايخ السلفيين، جازمين بأنه لا يصح إسلام المسلمين حتي يكفروا بالديمقراطية، باعتبارها (الدين الجديد) الذي شرعه اليهود والنصاري، أفبعد ذلك كله يمكن أن يظل الشاب السلفي الذي تربي علي تفسيق وتجريم حالق اللحية(7)، قابلاً لمسألة طاعة الحاكم واعتباره حاكماً مسلماً، طاعته من طاعة الله تعالي؟!
ومن ذلك كله نستطيع أن ندرك الإجابة عن السؤال الذي تداوله الباحثون والمتخصصون وسعوا للحصول علي إجابة شاملة ومباشرة له، وهو: لماذا مثلت التيارات السلفية أساساً وقاعدة أولية لكل الجماعات الجهادية، إننا نستطيع أن نجزم بأن مرحلة الصراعات الفكرية التي يخوضها السلفيون هي فترة إعداد وتهيئة يقطعها السلفي ليصل بعدها ـ لا محالة ـ إلي مرحلة المواجهات القتالية.
الجماعات الاصلاحية
إن هذه الامثلة لا تحتاج إلي إمعان نظر، لنكتشف ما يحمله التيار السلفي في اليمن خاصة غير الجهادي في هذه المرحلة من بذور أولية للعنف، وإن كانوا يوجهون سخطهم وعنفهم إلي غير الحكام، لكن إشعال تلك المواجهات وتنمية الروح القتالية عند غير الجهادية سيؤهلهم للالتحاق بإخوانهم الجهاديين لامحالة.
إننا لو نظرنا فيما قدمته الجماعة السلفية ـ في اليمن ـ في مشروعها الإصلاحي، من خلال ما كتبه مؤسس الحركة السلفية المعاصرة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ فإننا سنجدها دعوة إصلاحية ركزت علي العلم الشرعي والتحصيل والمثابرة لتخريج علماء متخصصين في علم الحديث النبوي وفنونه المختلفة، للقيام بالدعوة إلي الله ومحاربة البدع ومواجهة الفرق الضالة، التي انحرفت عن أصول الدين وقواعده الأساسية.. لكن اهتمام شيوخ ودعاة السلفية وكثرة انشغالهم بهذا الجانب ـ الرد علي الفرق المبتدعة ـ جعلهم يظهرون كجماعة مناوئه ومحاربة لغيرها أكثر من كونهم جماعة إصلاحية دعوية، فالفرق الإسلامية القديمة كالخوارج والأشاعرة والمرجئة والجهمية والمعتزلة سواء ما بقي منها أو اندثر، قد نالت من المواجهة الفكرية من علماء السلف شيئاً كثيراً، ظلت هي المصدر الرئيس الذي انشغل به السلفيون وفرغوا أنفسهم له. بل لقد انعكس هذا الأمر وأثر في تفكيرهم حتي دفعهم نحو البحث عن أعداء جدد يحملون ما تحمله تلك الفرق من عقائد وأفكار ـ حسب تقدير هؤلاء السلفيين ـ فلم يجدوا أمامهم سوي الجماعات الإسلامية المعاصرة التي أصبحت هدفهم الأول وغايتهم الكبري، ليردوا عليها ويكشفوا مثالبها وعوارها وانحرافاتها ـ حسب تعبيرهم ـ ويرووا غليلهم منها، ثم ليكملوا المسيرة التي ابتدأها علماء السلف في الرد علي المبتدعة والمنحرفين ـ حسب تصورهم ـ وبذلك يكونون هم الفرقة الناجية المنصورة والجماعة السلفية الحقة، أما انتساب غيرهم إلي السلفية فدعوي خالية من الدليل. إن كثيراً من الفرق المبتدعة قد تدّعي أنها علي نهج السلف الصالح ولكن هذا القول لا يُقبل منهم، ذلك أن قولهم هذا دعوي خالية من الدليل، فلو كانت الدعوي تنفع بمفردها لنفعت اليهود والنصاري عندما ادعوا أن الجنة خاصة بهم، كما قال الله تعالي عنهم: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَي تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:111) ولو كانت الدعوي تنفع بمفردها لكان فرعون صادقاً فيما ادعاه.. (8). فهم يستعيدون نفس الإشكالات وأجواء الصراع التي سادت بين علماء السلف وبين مخالفيهم في فترات سابقة من التاريخ.
وإذا كانت الجماعات والحركات السلفية تشترك في أغلب أفكارها وأساليب عملها ومواقفها، إلا أن السلفيين في اليمن قد مثلوا حالة فريدة اختلفت عن غيرها في كون هؤلاء السلفيين يرفضون المشاركة، ليس في الحياة السياسية فحسب، بل حتي في أنماط الحياة الاجتماعية؛ فهم لا يلتحقون بالوظائف الحكومية (ونري أن الدعوة إلي الله أرفع من الكراسي) (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَي اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33) يري أصحابها أن العلم أرفع من الكراسي (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة:11) (بل لا أزال أنصح إخواني في الله ألا يشتغلوا بالوظائف، لماذا؟! لأنه قد وُجد من علمائنا المتقدمين من كان محدثاً كبيراً فلما شغل بالوظائف ساء حفظه، وأصبح من قسم الضعفاء، فالمسلمون في هذه الأزمنة محتاجون إلي علماء أكثر من حاجتهم إلي إداريين..) (9).
كما يرفضون الالتحاق بالمدارس والمعاهد والجامعات سواء الحكومية أم الخاصة، لهذا أنشأوا لأنفسهم مراكز تعليمية خاصة بهم سموها مراكز السنة وديار الحديث، كدار الحديث في دماج التي تفرعت عنها سائر مراكز السنة، وهي التي اعتبرها الشيخ الوادعي وغيره من مشايخ الدعوة السلفية تقوم بدور أفضل وأكمل من غيرها من المدارس والجامعات التي (الطالب فيها يبقي يدرس قدر ستة عشر عاماً، بعدها الماجستير قدر عامين بعدها الدكتوراة قدر ثلاث سنين، قدر عشرين وزيادة) (أنت طالب علم.. الفتاة أمامك وخلفك أو عن جانبك وتصطدم معها في الدرج وأنت شاب مترف، كيف تستطيع أن تحصل العلم؟ هذه جناية علي العلم وجناية علي الدين.. (10). ويعلن الوادعي أن الفترة الزمنية القصيرة التي يقضيها طالب العلم في مركز دماج يستطيع بعدها أن يصبح مؤلفاً وكاتباً ومن أهل العلم!!
(هكذا معشر اليمنيين، من إخوانكم ـ بحمد الله ـ الذي له قدر خمس سنين، ومنهم من ليس له إلا قدر سنة ونصف، وهو الآن يؤلف..). ثم وفي نفس الخطبة يقوم الوادعي بتوجيه بعض الأسئلة إلي أحد تلاميذه بعد أن يسأله عن الفترة التي قضاها في دماج، فيجيب الطالب (محمد) قدر تسعة أشهر. ويعلن الوادعي أن تلميذه قد أوشك أن ينتهي من تحقيق كتاب (الصارم المسلول علي شاتم الرسول) لشيخ الإسلام ابن تيمية! وكذلك الطالب الآخر (قاسم العديني) الذي يقوم بتحقيق كتاب (تفسير ابن كثير)، ثم يشير إلي ثالث وهو أبو موسي البيضاني(11) الذي انتهي من كتابه (المهور في الإسلام). ثم يقول وأعرف جامعات ينفق عليها الملايين ما أنتجت كمدرستنا التي هي علي أيدي أهل الخير.. (12).
ولا زال السلفيون يتفاخرون بهذه المراكز ويشيدون بها، ويعتبرون وجودها دليلاً قاطعاً علي شرعية الحكومة وحبها للخير والدين. والحمد لله أن بلادنا ـ اليمن ـ بلد إسلامي ونعيش تحت قيادة مسلمة، فلا نحتاج إلي انتخابات، والمطلوب هو التسديد والتقريب والمناصحة علي وفق منهج السلف الكرام من غير انتخابات.. فالحكومة ـ وفقها الله ـ لا تمنع أحداً من الصلاة أو من إقامة الشعائر الدينية المشروعة، فمراكز أهل السنة ـ بحمد الله ـ منتشرة في أرجاء يمننا الحبيب، يُعلم القائمون عليها كتاب الله وسنة نبيه (علي مختلف المستويات بكل اطمئنان، فهذا مركز الوالد الشيخ مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله ـ كم وكم من الدروس العلمية تُدرس فيه، دروس في العقيدة وفي التفسير والحديث ومصطلحه، ودروس في الفقه وأصوله، وفي النحو والصرف، وفي الفرائض وكذلك تعليم القرآن الكريم وتجويده وتعليم القراءة والكتابة وغير ذلك من علوم الشرع الحنيف وعلم الآلة، لذا وفد عليه طلبة العلم من أقطار الأرض ينهلون من هذا المركز العملاق ما فيه من تلكم العلوم، ويتلقون فيه المنهج السلفي في كل أبواب العلم، ومنها الموقف من ولي الأمر المسلم، فتخرج من هذه المركز المبارك طلبة علم أفذاذ ومشايخ علم أبرار (13) .
إن السلفيين الذين أعلنوا كفر النظام الديمقراطي وطاغوتية الأنظمة الحاكمة بالانتخابات وان الانتخابات وسيلة كفرية محرمة، والوسيلة التي تؤدي إلي الكفر، استعمالها كفر. وان الانتخابات لها دور كبير في هدم الأخوة الإسلامية وتمزيق وحدة المسلمين، وحرموا الخروج عليه بأي صورة من الصور لما في ذلك من نشر الفتنة.. واستدلوا بكلام الله تعالي وأحاديث النبي لبيان كفر وشرك وإجرام الديمقراطية والانتخابات والبرلمانات، كما استدلوا بكلام الله تعالي وأحاديث النبي لإثبات حرمة الخروج علي الحاكم ووجوب طاعته، واعتبروا طاعة الحاكم ـ والذي يحكم بالديمقراطية والانتخابات والبرلمانات ـ هي إحدي الصفات اللازمة لاعتبار السلفي سلفياً حقاً، كما أن طاعة الحاكم قربي إلي الله ـ كما مر بنا من قبل ـ كسائر العبادات التي يتقربون بها إلي الله.
هؤلاء السلفيون لم يستطيعوا مع كل ذلك التناقض الظاهر أن يقدموا لذلك الحاكم سوي النصيحة له بأن يحكم بالإسلام وإزالة مظاهر الفساد. وتلك النصائح ليست سوي كلمات يعلنونها من المنابر مناشدين الحاكم أن يحكم بالكتاب والسنة، دون تقديم أي مساهمة عملية أو مشاركة فعلية لتحقيق ذلك والقيام به.
ننصح حكامنا فيما يتعلق بالمجتمع اليمني سواء أكان من قبل الأحزاب، أم كان من قبل الرشوة أم كان من قبل الضغط من قبل بعض المسؤولين علي بعض المواطنين، أم كان من قبل الضرائب والجمارك، ننصحهم، ولا نجيز الخروج عليهم، ومن خرج نعتبره باغياً، لأنهم مسلمون، وما زالوا مسلمين.. (14). نحن معشر أهل السنة نري السمع والطاعة لحكومتنا، النبي يقول (من أتاكم أمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاضربوا عنقه). وهناك أخطاء يمكن أن تعالج، هناك أخطاء لو أن العلماء نصحوا لتعالجت، ككثير من الأخطاء، لسنا نبرئ حكومتنا، ولسنا نبرئ مجتمعاتنا، فمثلاً الضرائب والجمارك، وهكذا أيضاً القتل والقتال بين القبائل، هذا أمر يجب أن تهتم به الحكومة وأن يهتم به العلماء.. يجب علي إخواننا المسؤولين أن يتعاونوا هم والعلماء علي إصلاح ذات البين، ويجب علينا أيضاً أن ننصح لإخواننا المسؤولين.. الواجب علينا جميعاً أن نسعي في إصلاح بلدنا وفي إصلاح مسؤولينا، وأن نناشدهم الله ونقول: نحن أمة مسلمة، وشعبنا شعب مسلم، ولا نريد إلا الإسلام. فنحن نريد أن نحكم كتاب الله وسنة رسول الله، ونطالب حكومتنا بعزل الفاسد المفسد، هناك أناس فاسدون مفسدون يضغطون علي القبائل من أجل الحزبية، إما أن يكون شيوعياً أو بعثياً أو ناصرياً أو رافضياً يضغط علي القبيلي ويشين معاملته إذا ذهب إليه من أجل أن يفجر القبائل علي الدولة.. (15).
وبهذا الخطاب السلفي الذي يعتبر أن إصلاح الحكم يكون بعزل الفساد والمفسدين، وأن الأخطاء الكثيرة الحاصلة في البلاد يمكن معالجتها لو قام العلماء بواجب النصيحة ومناشدة الحاكم أن يحكم بالإسلام.
بهذا الخطاب يري السلفيون أنهم قد قاموا بالواجب الذي كُلفوا به من الله تعالي ورسوله لإصلاح الحاكم وإقامة الدولة الإسلامية وإصلاح المجتمع.
كما أن شيخ السلفيين لا تكاد تخلو خطبة من خطبه المنبرية أو محاضرة من محاضراته العامة من الدعوة إلي التخلص من الفاسدين المفسدين: وأسأل الله العظيم أن يقطع ظهر وعنق من يريد إثارة الفتن في بلدنا الطاهرة، ونسأل الله أن يقطع دابر الشيوعيين والبعثيين والناصريين، اللهم طهر بلدنا، وطهر دوائر حكومتنا، وطهر محافظات حكومتنا من الشيوعيين والبعثيين والناصريين.. نسألك يا الله أن تطهر مجتمعنا من الأرجاس والأنجاس الذين دنسوا بلادنا وأذلوا العباد (16). فنحن لسنا دعاة فتن، ومع هذا فلا نرضي بفساد في بلدنا، ونناشد المسؤولين أن يزيلوا ما يحدث من التبرج والسفور ومن الاختلاط ومن البنوك الربوية ومن أي شيء حتي من سب الصحابة، الحكومة وُضعت لردع الجاني المجرم. اللهم طهر دوائرنا يا رب العالمين من الحزبيين من البعثيين ومن الناصريين، اللهم اهدهم أو اقطع دابرهم يا رب العالمين، اللهم طهر دوائرنا يارب العالمين وحكوماتنا من الشيوعيين والبعثيين والناصريين الذين يريدون لبلدنا الخراب ويريدون لبلدنا النكبة (17). الدعوة عندنا أرفع من الكراسي، فلا يسوغ لشيوعي أو لبعثي أو ناصري أن يجعل فجوة بين الدعاة إلي الله وبين حكومتهم، بل الدعاة إلي الله من حكومتهم وحكومتهم من الدعاة إلي الله، ونتعاون جميعاً علي إصلاح بلدنا فإن بلدنا معرضة لأخطار، وأعظم إصلاح أن يتفقه الناس في دين الله حتي يعرفوا من عبد الله بن سبأ، ومن علي بن الفضل الرافضي.. (18).
فعلينا معشر المسلمين أن نتوب إلي الله ثم إياك أن تغتر وتحتج بمجتمعك، فإنك تعيش في مجتمع جاهلي، ولست أقول إنه كافر، ولكنه جاهلي!! لأنه لا يحكم الكتاب والسنة، بل يحكم الأهواء، إياك إياك أيضاً أن تغتر بما تسمعه من الإذاعات، فالإذاعات ووسائل الإعلام أدخلت علي المسلمين شراً مستطيراً، آلات لهو وطرب، شبهات علي المسلمين، يتسلمها(19) الكثير من الأوقات أعداء الإسلام من حداثيين وبعثيين ومن ناصريين، فليكن الاقتداء بكتاب الله وسنة محمد (20).
تكفير الوحدة مع جنوب اليمن
إن الخطاب السلفي تميز بالتضارب والتناقض في معظم ما يطرحه من القواعد والمبادئ الكفيلة بتحقيق الغايات؛ ففي حين نجد الشيخ الوادعي يكتفي بالدعاء علي من اعتبرهم أعداء الدين ووصفهم بالأرجاس والأنجاس، فنجده في مرحلة أخري يدعو إلي قتال هؤلاء وتصفية المجتمع اليمني المسلم منهم، وذلك باعتبارهم هم الكفار الذين إذا تم التخلص منهم فستصبح اليمن دولة إسلامية. فالشيخ الوادعي اعتبر الوحدة اليمنية بين الشطرين في اليمن كفراً وردة عن الدين، فقال: فمن رضي بالوحدة مع الشيوعيين فهو طاغوتي، بل هو مرتد، من رضي بها وهو يعلم ما هي لأن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَي الإِيمَانِ((التوبة:23). وقد تكلمنا في أشرطة تقدمت أن الوحدة مع الشيوعيين باب كل شر، فُتح علي المسلمين اليمنيين باب كفر وردة في اليمن، ألا وهي الوحدة مع الشيوعيين، وحصلت الفتنة، فظهرت الأحزاب الملحدة علي أرض يمننا الطاهر والذي أثني عليه النبي).. (21).
لقد أعلن الوادعي الحرب علي حكام الشطر الجنوبي واعتبر الوحدة معهم كفراً بواحاً، فقال: أما حكام عدن فنري قتالهم واجباً حتي يتوبوا من الإلحاد ومن الاشتراكية ومن دعوة الناس إلي عبادة لينين وماركس وغيرهما من زعماء الكفر . ودعوة الوادعي إلي وجوب قتال الاشتراكيين الذين توحدوا مع حكومة الشمال جاءت رغم اعتباره حكام الشطر الشمالي مسلمين وتجب طاعتهم ويحرم الخروج عليهم؛ ولكن الشيخ الوادعي لم يدرك أن دعوته لقتال الاشتراكيين بعد توحد الشطرين هي دعوة لقتال الحاكم المسلم والدولة الإسلامية التي أوجب طاعتها ؟!!
وبعد أن حصلت الخلافات في اليمن وانتهت بقيام حرب الانفصال في 1994 أعلن الوادعي (وقد أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، أما الآن فالحكومة إسلامية) (22). لكن الشيخ السلفي ظل يحكم علي المجتمعات بأنها جاهلية لأنها لاتحكم كتاب الله ولا سنة رسول الله، ولسنا نعني أنها كافرة، فعندهم بقايا من الإسلام (23).
ونتيجة لهذه الأحكام المتناقضة، ظل أتباع الوادعي من السلفيين في حيرة من الحكم بإسلامية الدولة مع اعتبارها جاهلية لاتحكم بالكتاب والسنة في نفس الوقت. وقد أدرك الوادعي تلك الحيرة، فأخذ يهدئ الموقف، ويتعلل بعدم القدرة علي الخروج علي الحاكم، وعدم توافر الأسباب المطلوبة لتغيير الدولة الجاهلية، والتي أهمها عدم جاهزية المجتمع اليمني للخروج علي الحاكم، ولذلك فقد أجاب عن سؤال بعض السلفيين (ماذا أعد أهل السنة لأعداء دين الله، ولرفع كلمة الله في الأرض، ولمجابهة الطغيان والكفر ؟ّ) فأجاب الوادعي: أهل السنة أعدوا ما يستطيعون له، فإن الله عز وجل يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال:60).. فالمجتمع الإسلامي ليس مؤهلاً للاستجابة للثورات والانقلابات، فإنه انتهي ببعضهم الحال ألا يفرق بين الشيوعي والبعثي والناصري وبين العالم والجاهل، فما دامت قلوبهم معلقة بأمريكا وبدولارات أمريكا فلا يستطيعون أن يثبتوا علي الشدائد.. فهل هذا المجتمع مهيأ وموجود أم ليس موجوداً ؟ هذا المجتمع ليس بموجود. فالمجتمعات ليست مهيأة للقيام علي الباطل، علينا أن ندعو إلي كتاب الله والي سنة رسول الله (وإذا حان ذلك الوقت، فأهل السنة ينبغي أن يكونوا في المقدمة، والذي لا يكون في المقدمة ليس بسني. ليست السنة مجرد برم العمامة ـ وإن كانت من السنة ـ ولا تكثيف اللحية ـ وهي من السنة.. ولكن السنة أن يكون الشخص مجاهداً، إن كان في الساقة ففي الساقة، وإن كان في مؤخرة الجيش فهكذا، في أي موضع يضعه الأمير، فهذا ليس بموجود وليس هذا وقته.. (24)
ولهذا فإن شيخ الجماعة السلفية ومؤسسها أخذ يدعو أتباعه إلي الاستعانة بالطرق والوسائل الشرعية حتي يحين ذلك الوقت الذي يمكن فيه أن تُواجه تلك الحكومات الإسلامية الجاهلية بالمدافع والرشاشات والقوة المسلحة؛ ومن تلك الوسائل : نشر فقه الكتاب والسنة وتعليم الناس العلم الشرعي، وكذلك الاستعانة بالصبر، وانتظار الفرج بعد الشدة، والدعاء. ولكن مع دعوة الوادعي إلي تلك الوسائل الشرعية حتي يحين الوقت المناسب نجده مستمراً في الحكم علي نظام الحكم بالكفر والإلحاد لأنه قائم علي النظام الديمقراطي الكافر والبرلمان الكافر والانتخابات الشركية، ولأنه قد تم تأسيس ذلك النظام علي الدستور اليمني الطاغوتي الذي يبيح قيام الأحزاب الكافرة، ولأن ذلك الدستور يعتمد حرية الرأي: (واحترام الرأي، واحترام الرأي معناه كفر بالله، وهو أن تجعل القرآن والسنة رأياً من الآراء. ومن الطاغوتية التحاكم فيه إلي الأمم المتحدة والمواثيق والأعراف الدولية. والتعايش السلمي معناه إبطال الجهاد في سبيل الله) (25).
وإضافة إلي تلك الأحكام المتناقضة التي لقنها الوادعي لتلاميذه وأتباعه؛ نجد الشيخ الوادعي يرفض الدعوة إلي نزع السلاح من الشعب اليمني ويعتبرها دعوة الحادية مرفوضة ويدعو أتباعه إلي التمسك بالسلاح واعتبارها قضية لا يمكن التنازل عنها، كما ظل الوادعي يعلن عدم ثقته بالمجتمع وعدم جاهزيته للمواجهة والثورة والانقلاب علي الحاكم، لكن الشيخ أضاف إلي تناقضه في وصف المجتمع بالجاهلية حيناً ووصفه بالمجتمع الإسلامي حيناً آخر ـ كما رأينا ـ أضاف تخوفه علي دعوته وجماعته من وقوعها بالفخ في حال مواجهتها للدولة، فقال: (أما إذا كانت الشعوب مسلمة، ونقول: جهاد، والذين سيجاهدون معك يمكن أن يبيعك أحدهم بألف ريال، فينبغي أن نتأني. وربما الحكومات تريد هذا، من أجل أن تقضي علي الدعوات)(26).
إن الخلط في دعوة الوادعي وعدم وضوحها في هذا الجانب جعل الآخرين يصفونها بالتخاذل والهروب من جهاد أعداء الدين؛ فقام الوادعي يرد عليهم؛ لينفي عن جماعته تلك الصفة الذميمة، لكنه أوقع نفسه وجماعته في تناقض جديد! فقال الوادعي: (ونحن لا نثبط عن الجهاد في سبيل الله، ولا نثبط المجاهدين في سبيل الله، ولكن من نجاهد؟ نجاهد إسرائيل، ونجاهد الشيوعيين والبعثيين أعداء الإسلام)(27).
وقد أجاب الشيخ الوادعي عن سؤال وجهه له أحد تلامذته (من المعروف أن الخلافة الإسلامية غير موجودة، وأن الناس في أمس الحاجة إلي خليفة مسلم يلم شعث المسلمين ويلم جماعة المسلمين. ما موقفنا من هذه الناحية أننتظر ونتواكل إلي أن يأتي الخليفة المسلم أم واجب علينا أن نسعي جاهدين كل باستطاعته لإيجاد الخلافة، وما هي الأسباب التي يجب أن نتخذها؟)، فأجاب الوادعي: (الأسباب التي يجب أن تتخذ: تعليم المسلمين، وإذا فقه المسلمون فمدفع ورشاش.. لابد من مدفع ورشاش ومواجهة الكفر، لكن بعد أن يتفقه المسلمون في دين الله..)(28).
ويلاحظ أن التساؤل حول الخلافة الإسلامية وواقع المسلمين اليوم يتكرر كثيراً من تلامذة الوادعي الذين نلمح عدم اقتناعهم بالإجابات العائمة والترقيع الذي يقدمه الوادعي في إجابته عن مثل هذه الأسئلة، ولذلك نجد الوادعي يضيف إلي إجاباته عن هذه الأسئلة شيئاً عن سخطه علي الحكام وعدم التزامهم بالدين، بل ويتجاوز ذلك إلي اعتبار بعض هؤلاء الحكام قد كفروا بالإسلام، وانفضحوا نتيجة مواقفهم من بعض الأحداث التي شهدتها البلاد الإسلامية، فيقول: (وانظروا إلي خذلان حكام المسلمين، شغلوا شبابهم بالكرة، وشغلوهم بالسينما، وبآلات اللهو والطرب، وعند أن هجم صدام البعثي الكافر علي الكويت أصحاب السمو يدعون أمريكا تأتي ببناتها لتحميهم، هذه فضيحة.
فحكام المسلمين أصبحوا لاشيء، ونحن نقول من زمان يا حبذا لو وفق الله حاكماً من حكام المسلمين يقوم ويلتف المسلمون حوله، فلابد من السعي الحثيث لإيجاد الدولة الإسلامية، ويكون حاكمها قرشياً، لأن الرسول يقول: الأئمة من قريش ولكن هذا بعد توطئة، ست سنين، سبع سنين، عشرين سنة، ولا نتعجل ونذهب بأنفسنا هدية لأمريكا، لأنها هي المسيرة للمجتمع، فلابد من تهيئة مجتمع مستسلم للكتاب والسنة، وينبغي الإعداد، ويا حبذا لو كانت المصارعة مع أمريكا، اللهم أصرع أمريكا كما صرعت روسيا يا أرحم الراحمين، فإنها الرأس، أما حكام المسلمين فمساكين، فيا حبذا لو كانت المصارعة مع أمريكا.. خبتم وخسرتم يا هؤلاء الحكام، فالأولي أن ينتظر في أمرهم، وإن أستطيع أن تواجه أمريكا ويقضي عليها كما قضي علي روسيا فالحمد لله) (29).
إن الشيخ الوادعي رغم أنه أفتي بجواز الاستعانة بالكافرين لصد عدوان صدام علي البلاد الإسلامية، وعلل صحة فتواه قائلاً (لأن صداماً البعثي قتل الدين بالعراق، فلو تولي أرض الحرمين لجعل الحج مرتعاً للدعوة البعثية التي تعتبر كافرة، فأنا في نظري أن أمريكا أهون من صدام البعثي)(30). لكنه لم ينصح أتباعه بالجهاد في صفوف الجيوش التابعة لحكام المسلمين، بل وحمل هؤلاء الحكام تبعة ما قام به صدام: (ولكن من السبب في الإتيان بهم؟ هي السعودية لاجزاها الله خيراً، وإذا ذكرنا السعودية فنعني فهداً ومن سلك مسلكه الضايع المايع.. فنحن لا نتوقع من فهد أن ينصر دين الله، وإن دّجل علي الناس في الإذاعة..)(31) واعتبر الوادعي أن القتال في حرب الخليج هو معركة تحت راية كفرية لا يجوز الانضمام إليها: (فماذا تنفعك الشعبية وأنت تضحك علي المسلمين أن يعتقدوا خلاف الحق، وأن يتقدموا للقتال تحت راية كفرية. ولسنا نقول لهم اذهبوا وقاتلوا تحت راية بوش ولا تحت راية فهد، لكننا ننصح بالاعتزال..) (32).
ومن الحكام الذين اعتبرهم كفاراً وأعداء للدين، جمال عبد الناصر، وحافظ الأسد، ومعمر القذافي. كما وصف عمر البشير وضياء الحق بأنهما يدعوان إلي الشريعة الإسلامية بالقول ويخالفانها بالفعل، كما هاجم الشاذلي القليبي وصباح الأحمد وغيرهما ووصفهما بنشر الفساد ومعاداة الإسلام.. ومع ذلك كله ظل الشيخ الوادعي يدعوا أتباعه إلي التأني والاستعداد للمواجهة حتي يتفقه المسلمون في دينهم ويصبح المجتمع الإسلامي مسلماً ومستسلماً لدين الله، وظل يدعو علي هؤلاء الحكام بالزوال والخذلان، وأن يهيئ الله للمسلمين حكاماً ملتزمين بالشريعة الإسلامية.
قضي الشيخ الوادعي أكثر من عشرين عاماً يلقن جماعته أحكامه القطعية في حكام المملكة العربية السعودية، مؤكداً بأن حكومة المملكة لاتحكم بالإسلام، وأن حكامها عملاء لأمريكا، بل كان يصف ملك المملكة بالميوعة والضياع والدجل(33). كما هاجم المملكة وحكامها في كتابه (القول الأمين في فضائح المتذبذبين) قال الوادعي انه كتبه في (شأن لبس الملك فهد للصليب)، وله شريط صوتي بعنوان (احذروا فتنة السعودية). ولا أرغب في تتبع كل ما قاله الوادعي في المملكة وحكامها الذين لا يذكرهم إلا وهو يدعو عليهم بـ(لا جزاهم الله خيراً) وظل علي موقفه، حتي أنه كان يرفض ما يُعرض عليه من بعض الوسطاء لزيارة المملكة لأداء الحج والعمرة، مُعللاً ذلك: فقلت للاخوة: لاحاجة لي بذلك، وفي نفسي أنني لا أدخل تحت الذل، وأنا مستريح في بلدي (34).
ولكن بعد أن اشتد مرض الوادعي، ونصحه الأطباء بالسفر إلي السعودية، فسافر للعلاج. ولندع الوادعي يصف دخوله إلي المملكة فيقول: وصلنا إلي الرياض فاستقبلنا من مسؤولين تابعين لوزارة الداخلية جزاهم الله خيراً، وعجلوا في دخولنا المستشفي، وبعد أن رأيت من تكريمهم لنا الشيء الكثير.. وأننا بحمد الله لسنا ممن يقابل الحسنة بالسيئة، ولا ممن يقابل التكريم بالإساءة.. وقدمنا إلي جدة، واستُقبلنا في فندق الحمراء، فجزي الله الأمير نايف وزير الداخلية خيراً، وأكرمنا بغاية الإكرام، فجزاهم الله خيراً. وبعد ذلك طلبت مقابلته.. . فقابل الوادعي الأمير نايفاً، الذي أحسن استقباله، ثم خيَّره في تحديد أي دولة من دول العالم يرغب بالعلاج فيها علي حساب المملكة. وقد وصفت زوج الوادعي أم سلمة السفلية هذا اللقاء بقولها: وفي يوم الأربعاء من هذه الأيام، التقي الشيخ حفظه الله بالأمير نايف بن عبدالعزيز حفظه الله، في جلسة خاصة بينهما، ومما دار بينهما من الحديث، أن الأمير جزاه الله خيراً، قام بذكر بعض ما تقوم به الحكومة السعودية من الإكرام للعلماء والاستجابة لهم، وأن ذلك لوجه الله عز وجل، وعملاً بوصية والدهم عبد العزيز بن سعود رحمة الله عليه. ثم قال : أتحب أن نتكلم في ذلك الموضوع أم لا ؟ وهو يعني كلام الشيخ علي حكام السعودية! قال له الشيخ: أنا قد كنت مظلوماً في ترحيلي من المملكة، وأنا الآن تحت ضيافتكم، فكما تحب، وإني إن شاء الله سأحذف ما يمكن حذفه، وأُعلق علي ما لايمكن حذفه، ولا يقابل الإحسان بالإساءة إلا لئيم. فقال الأمير حفظه الله: هذا الأمر بينك وبين ربك، وأنت افعل ما شئت. وقد قام الأمير جزاه الله خيراً بإكرام الشيخ غاية الإكرام وقال: نحن سنتولي جميع ما تحتاج إليه من علاج وغيره.. (35).
زيارة السعودية
وبهذا فإن الوادعي قد تراجع عن كل ما كان يدين الله به، ويعتقده في المملكة وحكامها، استمر ما يُقارب ربع قرن من حياته الدعوية؛ ومنذ الأيام الأولي التي قدم فيها إلي المملكة؛ وفي أول لقاء له مع الأمير، لم يستمر سوي دقائق محدودة، ولم يتكلف فيه الأمير إقناعه بتغيير آرائه في المملكة وحكامها، ولم يُحضر العلماء والمشايخ ليناقشوا الوادعي حتي يوصلوه إلي الرضي بحكومة المملكة وإقناعه أنها دولة إسلامية مستقيمة ومتمسكة بكتاب الله وسنة رسوله)!
ولعل الأعجب من ذلك، هو ما اعتبره الوادعي سبباً وجيهاً في عدائه لحكومة المملكة أنه (أنا كنت مظلوماً في ترحيلي من المملكة) وليس أعجب منه سوي سبب تراجعه (ولايقابل الإحسان بالإساءة إلا لئيم) !
فهل مجرد إخراجه من أرض المملكة، ولو كان مظلوماً، سبب شرعي ودليل كافٍ علي كل ما قاله في المملكة وحكامها ؟! وهل مجرد تكفل حكومة المملكة بعلاجه وإكرامه سبب شرعي ودليل كافٍ لتراجعه ؟!(36) ودعوته لوجوب التعاون مع حكومة المملكة! قال الوادعي بعد إكرامه فيها : إنه يجب علي كل مسلم في جميع الأقطار الإسلامية أن يتعاون مع هذه الحكومة، ولو بالكلمة الطيبة، فإن أعداءها كثر من الداخل والخارج.. فيجب علي كل مسلم أن يتعاون مع هذه الحكومة (37).
وقد ظن بعض أتباع الوادعي أن تراجعه عن كلامه في حكومة المملكة نوع من المراجعة والتصحيح، وبداية لتراجعه عن كلامه في الحكومات الإسلامية الأخري، فسأله بعضهم: هل أنت قد تراجعت عن كلامك في الحكومات؟ فقال: تراجعت عن كلامي علي الحكومة السعودية جزاهم الله خيراً، أما ما عداها فلا (38).
وقد أراد الشيخ الوادعي أن يعلل تراجعه فقال: فإني أخشي أن أموت ولم أبرئ ذمتي في هذا ، أننا قلنا الحامل لنا علي هذه الكلمة، هو أننا نري أنه واجب علينا أن نقول الحق، هذا هو الواجب، وإلا فوالله لم تدفعني مادة، ولم يدفعني أحد إلي ذلك (39).
الهوامش
1 ـ العمدة ص 276. وذكرنا ان الحكم (في كثير من البلدان الاسلامية) الذي جاء في هذا النص قد تغير، فأصبح يشمل جميع الحكام.
2 ـ العمدة ص 278.
3 ـ العمدة ص 276 ـ 278.
4 ـ السياسة الشرعية ص 135 ـ 136. وخاصة ان لبعض مشايخ السلفية قدرات خاصة في التعامل مع النصوص التي ينقلونها عن علماء السلف، خاصة ابن تيمية.
5 ـ (الاصول العلمية للدعوة السلفية) للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، ص 15. ومؤلف هذه الرسالة هو احد مؤسسي الجماعة السلفية غير الجهادية في الكويت، وله مؤلفات عديدة، وهو احد كبار تلامذة الشيخ محمد ناصر الدين الالباني، الذي يُجمع علي زعامته للسلفية كل السلفيين بشتي توجهاتهم، وقد هاجمه بعض السلفيين التابعين لمدرسة الوادعي واعتبروه خارجا عن المنهج السلفي ـ كغيره من الذين هاجموهم ـ نتيجة بعض آرائه المخالفة لهم.
6 ـ تنوير الظلمات، ص 18.
7 ـ قال الشيخ الوادعي في الفواكه الجنية ص 184: نحن نعتقد ان حلق اللحية معصية وفسق وانه جريمة .
8 ـ ارشاد البرية ص 60.
9 ـ (الفواكه الجنية في الخطب والمحاضرات السنية) لمقبل بن هادي الوادعي ص 23.
10 ـ المصدر السابق ص 113 ـ 114.
11 ـ وهو احد الذين انشقوا عن مدرسة الوادعي، فأصبح في نظر السلفيين غير سلفي وصاحب بدعة!
12 ـ المصدر السابق ص 142. كانت مدرسة الشيخ الوادعي في البداية عبارة عن معهد تابع للمعاهد العلمية التي انشأها الاخوان المسلمون في اليمن، ثم بعد ازدياد الخلاف بينهما تم فصلها عن المعاهد التي تمولها الحكومة واعتمد في تمويلها علي اهل الخير وخاصة من دول الخليج العربي.
13 ـ البيان المفهم ص 4 ـ 6.
14 ـ الفواكه الجنية ص 23.
15 ـ المصدر السابق ص 140 ـ 142.
16 ـ المصدر السابق ص 149. وقال الوادعي في (قمع المعاند): من كان علي مبدأ جمال عبد الناصر فهو كافر . ص 121.
17 ـ المصدر السابق ص 186 ـ 187.
18 ـ المصدر السابق ص 185.
19 ـ هكذا وردت الكلمة، ويقصد ان وسائل الاعلام يشرف عليها اولئك الذين ذكرهم.
20 ـ المصدر السابق ص 54.
21 ـ (تحذير ذوي الفلاح من طاغوتية الاصلاح) خطبة للوادعي. انظر (قمع المعاند) ص75.
22 ـ رسالة (هذه دعوتنا وعقيدتنا) للشيخ الوادعي.
23 ـ (قمع المعاند) ص 234.
24 ـ (قمع المعاند) ص 84 ـ 85.
25 ـ قمع المعاند ص 78 وقد ذكرت قول الوادعي (انا لا اؤمن بالدستور من اوله الي آخره).
26 ـ السابق ص 353.
27 ـ السابق ص 65.
28 ـ قمع المعاند ص 88.
29 ـ السابق ص 88 ـ 89.
30 ـ قمع المعاند ص 96.
31 ـ السابق ص 96.
32 ـ السابق ص 482.
33 ـ جاء في كتابه (قمع المعاند) ص 96: (قال بعض اخواننا: ان السعودية هي عميلة لأمريكا، قلنا: هي عميلة من قبل ان تستورد هؤلاء.. واذا ذكرنا السعودية لا جزاها الله خيرا، فنعني فهدا ومن سلك مسلكه الضايع المايع، ولولا ان الله تعالي حمي الدين بمجموعة كبيرة من الشباب ومجموعة كبيرة من العلماء، لباع الدين بالكرسي، فنحن لا نتوقع من فهد ان ينصر دين الله، وان دجل علي الناس في الاذاعة.. .
34 ـ مشاهداتي في المملكة للوادعي.
35 ـ (الرحلة الاخيرة لامام الجزيرة) لأم سلمة السلفية ص 20 ـ 21.
36 ـ كان الوادعي يؤكد ان احكامه وآراءه مبنية علي الكتاب والسنة، وقد نقلت عنه في رده عن سؤال الاستعانة بالمشركين وغيره ما يؤكد هذا.
37 ـ مشاهداتي في المملكة للوادعي. وكرر وجوب التعاون مع حكومة المملكة عدة مرات.
38 ـ المصدر السابق.
39 ـ السابق، وكذلك ما كان يقوله في حكومة المملكة كان يعتبره من الحق والواجب!
عن القدس العربي .