أخذتني طريقي من الرابية إلى المركز الثقافي الملكي نصف ساعة ، فالزحمة على أشدّها ، وخلال التوقفات الطويلة كنت أتمنى لو أنّ كلّ السيارات حولي ستتوجّه إلى المركز لحضور حفل توقيع كتاب محمد طمليه الجديد ، وخلال التوقفات أيضاً استمعت إلى نشرة "البي بي سي" ، فتمنيت لو أنّها حملت خبراً عن الكتاب والكاتب ، ولكنّني عُدت في لحظة إلى الواقعية ، وقلت لنفسي: لن يكون هناك سوى أشخاص معدودين. ولكنّ الواقعية كذّبتني ، فليس هناك مكان في الشوارع المحيطة للمركز لايقاف سيارتي ، وعند المدخل كان عليّ أن أشتري آخر النسخ المعروضة ، وفي القاعة كان هناك المئات من الأشخاص يستمعون لكلمة الرئيس الأسبق فيصل الفايز الشفافة ، ويحيّون صديقنا محمد بالتصفيق حين اعتبر الشيطان صديقاً ، وتمنّى للبارحة أن تعود ، فهي أفضل من اليوم والغد.
وقليلون من الكتاب الأردنيين هؤلاء الذين يستطيعون جمع هذا العدد من الناس ، ومحمد طمليه منهم بالضرورة ، فصاحبنا هو الذي جعل من عنوان مجموعة قصصية له مثلاً يردده العامّة ، حيث "المتحمسون الأوغاد" موجودون في كلّ زمان ومكان ، وهو الذي جعل القلم يرقص حين كان يكتب عن أبو العبد وحليمة ، ولو ملك محمد أدوات الرسم لنافس عماد حجاج على موقعه في قلوب الناس ، ولكنّه ملك أدوات الكتابة فلم يرض أن ينافسه في أسلوبه أحد.
ولا أستطيع أن أنشر كلمة التقديم التي كتبها لي ، فهي ستخدش الحياء العام ، تماماً كما جاء عنوان كتابه الفرعي ، فهكذا هو محمد ، يسخر من نفسه ومحيطه قبل أن يفعل مع الآخرين ، وفي مقابلة "الدستور" يقول إنّ النقاد أخطأوا حين اسموه كاتباً ساخراً ، وهو يعرف أنّ هذا ليس صحيحاً ، فقد ولد محمد ساخراً ، وعاش وسيظلّ كذلك أبد الدهر ، ولكنّ سخريته من نوع مختلف ، من نوع آخر.
أكتب مهنئاً صديقي على كتابه الجديد ، وأكتب أيضاً مهنئاً نفسي على صداقة إنسان تبدّلت معه الدنيا وتغيّرت ، فلم يتبدّل ولم يتغيّر ، فحتى أخطاؤه وخطاياه يُصرّ عليها ، فكأنّه يقول للحياة: عشتك بطريقتي ، ولست أنّهي مقالتي قبل أن أتذكر مع محمد ثالثنا في الأيام الحلوة: بدر عبدالحق ، ردّ الله غربته.