facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




وداعية


باسم سكجها
11-08-2008 03:00 AM

سألني صديقنا الشاعر حيدر محمود عن رأيي بقصيدة محمود درويش الجديدة "لاعب النرد" ، فقلت: إنّه ينعى نفسه. وليتني ما قلتها. وحين عاد محمود إلى عمّان من باريس ، بعد عملية شرايين صعبة ، سألته: كيف الصحّة؟ ، فقال: حديد يعلوه الصدأ. وليس هناك شاعر تناول الموت كما فعل حبيبنا درويش ، وليس هناك من موت تجرأ على النيل منه سوى الموت نفسه ، مع أنّه كان رفيقه الدائم ، وعدوّه في آن.

مات محمود ، ولكنّ الغياب لم يزد واحداً ، فكلماته ملء الأرض ، وغمر السماء ، ومع هذا فنحن نغرق في الدموع فحضور شخصه الطاغي كان يواكب حضوره الشعري ، ويعني تأكيد تفوّق الجمال ، والتمرّد ، وبعد خروجه من بيروت زار الشارقة ، وقُبيل إلقائه قصيدتيه "بيروت" و"مديح الظلّ العالي" ، همس في أذنه صديق بأنّ الإمارات منعت قبل يومين قصيدته "صباح الخير يا ماجد" ، فبدأ الأمسية بقراءة تلك القصيدة.

وبعد الأمسية ، كان محمود درويش يتحدّث عن الفيلا التي خُصّصت له في سيدي بو سعيد التونسية ، باعتباره عُيّن في منصب كبير في الجامعة العربية ، والمشهد الساحر المطلّ على البحر ، وما بدا رغبة عربية رسمية في سحب بداوته منه ، وأعلن أنّه لن يعود إليها ، فكتب زميلنا ناشي طه: "درويش ، أفشلت موت بوشكين" ، وسافر محمود بعدها إلى باريس.

وكلّ قصيدة لدرويش جديرة بالاحتفال الدائم ، ومن مجموع ما كتب يأتي حاصل جمع ما جرى لفلسطين ، لكنّ قصيدة "لاعب النرد" الأخيرة تحمل نكهة أخرى ، جديدة ، ولو جاز إعادة تسمية قصيدة لسمّاها محمود في برزخه وبياضه الآن "الوداعية" ، تماماً كما كتب "الجدارية" بعد هروبه من موت سابق.

وكان للمكانات دوماً تأثيرها على درويش ، مكانات الرحيل ، ومكانات الوصول ، ومكانات المنفى ، ومكانات كتابة القصيدة ، ومكانات قراءتها ، ومكانات الموت في أنواعه ، وفي هيوستن كان الموت الأخير ، فكأنّه يُعلن من خلاله عالميته وإنسانيته ، وقد كان للقاهرة أثر على قصيدة لدرويش فـ:"للنيل حالات.. وإنّي راحل" ، وكانت لبيروت آثار أيضاً فـ:"بيروت خيمتنا الأخيرة" ، وقبل هذه وتلك كانت حيفا و:"سجّل أنا عربيّ" ، وما بينهما ظلّ التنقّل والتشرّد خصوصية لصاحبنا حيث "يطوي المدينة مثلما يطوي الكتاب" ، من تونس الى عمّان الى باريس ، على سرير الغريبة ، وفي مقابلة صحافية أكّد درويش مرّة أنّه يريد سريراً له ، في غرفته هو ، في بلده هو ، مع طاولة للكتابة ، وقلم وورقة ، "ولا أريد غير ذلك".

"خيمة في مهبّ الجهات".. ذلك هو درويش: حاصل جمع حيفا وصوفيا وبيروت والقاهرة وباريس وعمّان وتونس وهيوستن ، والجهات الأربع ، والسنوات السبعة والستين وقصيدته" الوداعية" الأخيرة تكثّف رؤية تجمّعت من تجربّة فريدة ، مثل غيمة عتيقة جابت الدنيا كلّها ، وجمعت البخار كلّه ، لتمطر في أنحاء الأرض.
عن الدستور .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :