facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




فرانكو الأردني .. رحلتي مع السرطان


د.فتحي خزعل النعيم
01-11-2017 10:34 AM

لن يصدق أحد حتى أنا أنني وحتى يوم 26/2/2006 كنت أعتقد أنني سأعيش الدهر ولن أموت ، فكيف للموت أن يقترب ممن هو مثلي يتمتع بكل هذه الصحة ويمارس حياته بكل متعتها ، وهو في عنفوان شبابه وقمة عطائه وأروع أيامه التي يحلم أن يعيشها أي أحد.

حتى صباح فنجان قهوة أسود كنت أشاركه صديقتي التي رأت في قعره شيئاً ما فارتعبت وأصرت علي أن أقوم بزيارة الطبيب لتعرف ما هذا الذي يحدث لي.

في ذلك اليوم وبعد الفحوصات أخبرني الأطباء أنني [ جمل ] وقرروا إخضاعي لصورة طبقية، إن أنسَ لن أنسى ذلك اليوم الذي أسند فيه طبيب مستشار كتفه إلى باب غرفتي وقال بكل صلافة قد يمتلكها إنسان ، هذا إن كان يمتلك من الإنسانية في الأصل شيء ( يا أخي أنت عندك سرطان ومن أخطر الأنواع ولازم ينعملك عملية عاجلة ) ورمى عليّ كرته وغادر، بعد هذا الموقف وفي اليوم التالي غادرت إلى مستشفى آخر هنا في الأردن وقاموا بأخذ خزعات من الكلية اليسرى ، واكتشفوا وجود السرطان فعلاً في جسدي.

كنت حتى تلك اللحظة أعتقد بأنني تجاوزت في هذه الحياة ما يكفي من تجارب وآلام ، ولكن القدر كان يخبئ لي ما لم يكن بالحسبان ، فها أنذا وبعد اغتراب 34 عاماً عن الأردن وفي الوقت الذي قررت أن أعود لأعيش فيه بين أهلي وفي وطني كانت تنتظرني غرفة في مستشفى وأربعة جدران يلونها الوجع وشباط الذي تسري برودته حتى تصل إلى عمق القلب .

لم يرعبني إخباري بأنني أعاني من السرطان ، ولم أتوقف كثيراً عند الطريقة البشعة التي أخبرني بها الطبيب بالأمر ، كل ما كنت أفكر به لحظتها أن أقوم بإجراء العملية بأسرع وقت ممكن لأستريح . لهذا قمت بالاتصال بطبيب صديق لي في فلورنسا الإيطالية وأخبرته بالأمر فطلب مني العودة فوراً إلى إيطاليا ليقوم هو بإجراء العملية ، وهكذا كان وكنت مؤمناً كل الإيمان أنه لن يحدث لي إلا ما كتبه الله ، لهذا دخلت غرفة العمليات وأنا ومجموعة من أصدقائي الأردنيين والإيطاليين نغني بصوت مرتفع . وكانوا يضحكون معي ويسألونني باستغراب كيف أنني [ مبسوط ]وأنا عندي مرض خطير كالسرطان ، وكنت أرد عليهم بتهكم بأنها مجرد أوساخ في الكلية سأدخل إلى هذه الغرفة ليقوم طبيبي بتنظيفها . ثم إن الموت مقدر وحين يأتي لن يؤخره شيء.


بعد خمسة وأربعين يوماً بدأت بأخذ جرعات العلاج الكيماوي ، كانت الأعراض الجانبية لا تحتمل ،، ولكن الله منحني قوة الإرادة والصبر والتحمل ، لهذا كانت معنوياتي أقوى ألف مرة من المرض وآثاره ، والعلاج ومضاعفاته.

ويجب أن أخبركم أن هذه المعنويات المرتفعة لا تأتي فقط من داخلنا حين يسيطر علينا المرض ، بل يقويها ويدعمها ويزودنا بها أحبابنا وأصدقاؤنا الذين لا يتركوننا للحظة نعاني الألم وحدنا.

استمر العلاج لمدة عام ، رافقوني فيها أصدقائي الأردنيين والعرب والإيطاليين ، الذين لن أنسى لهم يوما وقفتهم معي.

بعد أيام من العلاج ذهبت إلى العمل وأنا لا أستطيع المشي إلا بصعوبة بالغة ، ولكن حين وصلت إلى مجموعة مطاعمي ، ووجدت عمالي وموظفيّ وأصدقائي وجيراني يطلقون الألعاب النارية ، ويدبكون الدبكات الأردنية واللبنانية ويغنون ويحتفلون بقدومي سالماً، نسيت لحظتها كل الأوجاع التي عانيتها في الأيام التي مضت ، حتى أنني انتظمت بينهم في الدبكة.


أدرك كما تدركون أننا حين ندخل عالم المرض ، كل شيء يتغير ، هذا الميزان الذي كنا نمتلكه ونقيس عليه الأشياء ونحن أصحّاء ، يسقط وينهار فجأةً أمام أعيننا ، ونعجز حتى عن تدارك الأمر لأنه ليس بيدنا ، بل هو أمر بيد القدر وحده . كثير جداً من أمور تفقد قيمتها . وتصبح رؤيتنا مختلفة جداً لكثير جداً من أشياء حولنا.

ويخطر لي دائما قول جلالة المغفور له الملك الحسين رحمه الله ، حين كان يقول : لا تخف حين يستدعيك الله ،، لأنه حين يفعل يجب أن تذهب.

لم أتصور يوما أنني أستطيع التعايش مع الألم بكل هذه القوة وهذا الجلد ، ولكن حين تدرك أنك لست وحدك ، أن هناك في الغرفة المجاورة لغرفتك أو في السرير المجاور لسريرك شخص ربما يعاني أكثر كثيراً مما تعاني ، يجعلك هذا تصبح واقعياً جداً ، وترضى بقدرك ، بل وتحمد الله عليه أيضاً ،
لقد رأيت ، وعشت الدعم والحب من أشخاص ألتقيهم للمرة الأولى في حياتي ، وربما لن ألتقي بهم بعد ذلك أبداً ، هذه المشاعر وعمقها تحفر آثارها في قعر القلب إلى الأبد ، فكيف بأي كلمات يمكن أن تصف لكم لشرح أو حتى تفسير أو توضيح مثل هذه المشاعر التي لا يماثلها بالوجود شيء آخر.


الآن ،، أعرف ماذا يعني أن تكون [ مريضا بالسرطان ] ، رأيت من هو أكثر مرضاً مني ومع ذلك يمتلك من القوة والصمود والاعتزاز بالذات ما لا يملكه الكثيرون من الأصحّاء.


حالتي الآن ممتازة بفضل الله عز وجل ، حياتي تسير بشكل طبيعي ، أستطيع أن أقول إنها تسير كما في السابق ولكنني تغيرت كثيراً من الداخل.

أريد أن أخبركم ، إن هذا الذي حدث لي وهو الآن يحدث مع كثيرين هو لا يعتمد علينا ، بل هو أمر مقدر ، ولكننا نستطيع ان نوقفه ونعالجه . فهذه أشبه ما تكون بالمعركة بينك وبين هذا المرض ، إن استسلمت له قضى عليك بكل سهولة ، وإن قاومته بكل طاقتك وإيمانك فإنك ستنتصر عليه وتهزمه.

فقط يجب أن تتوفر لنا المعلومات التي على أساسها نستطيع أن نتخذ القرار الصحيح حين يتعلق الأمر بصحتنا أو بصحة أحد غوالينا .

الأهم الذي يجب أن نعرفه أن هناك علم ، وعلم متقدم ومتجدد كل يوم هنا في الأردن ، ولدينا خبرات رائعة تعاملت معها شخصياً من خلال تجربتي مع هذا المرض ، لهذا حين أسمع الآن أن فلان ذهب ليتلقى العلاج في الخارج أشعر بيني وبين نفسي بسخف هذا القرار
لقد أجريت الكثير من العمليات هنا ، وكانت أكثر نجاحاً وأقل تكلفة ، وتحت إشراف أطباء يُشهد لهم ، لهذا يحق لهم أن أتقدم إليهم بالشكر والعرفان ، جميع الأطباء والمسؤولين في مراكز السرطان في الأردن ، من المدير العام حتى أصغر موظف في هذه المراكز أدعو لهم في السر والعلن ، وأهمس لهم بالشكر الذي يستحقون.


هذه هي تجربتي مع السرطان ، أحمد الله أنها سارت بهذا الشكل ، وأرويها الآن للجميع لكي يدركوا قيمة الصحة التي يتمتعون بها ، وجمال الحياة التي وهبهم الله إياها ، والتي يجب أن لا يفرّطوا بها ، ولا يستسلموا أبداً لأي شيء قد يحرمهم من الشعور بالفرح والسعادة بها.

والى اللقاء بالعملية القادمة





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :