عمون - معتز القاضي - الشيخ طلال صيتان الماضي أحد شيوخ عشائر بدو الشمال لعشيرة العيسى من مواليد 1963 , كان والده شيخاً وعضواً في مجلس الأعيان الاردني عام 1993 ,, فمهد بذلك للشيخ طلال أن يعاشر أصحاب القرار لدى أغلب العشائر الأردنية وليس غريبا فقد نمت جذوره في كنف بيته العشائري وتوارث القيادة العشائرية السياسية , وعرف بمعالجته لعدة قضايا وملفات كانت تدور على مستوى وسطه العشائري وغيرها,, وعرف عنه أنه أحد الشيوخ من أصحاب الرأي والقرار الذين يهتم الجميع لوساطته وتناوله خيوط الاصلاح عن طريق التوفيق بين المتنازعين وتأكيده الدائم على المبادىء الايجابية في البادية كإكرام الضيف والتركيز على جانب الترحاب , وفي عام 1997 صدر في الجريدة الرسمية الأردنية " مرسوما ملكيا " ينصبه شيخاً لعشيرته , والشيخ الماضي يحمل أيضاً شهادة الدبلوم العالي في التاريخ الاسلامي من جامعة القديس يوسف في بيروت ,, ومارس القضاء من خلال اللجان العشائرية المشكلة من قبل الحكام الاداريين في أنحاء المملكة.

يقول الماضي في حوار مع "شباب الدستور " إن إكرام الضيف خلق معروف في البادية شأنهم في ذلك شأن باقي القبائل الرزينة والمتكاملة المبادىء، وكان ولا يزال نقطة رئيسية تحفز أبناء البادية أن يتركوا انطباع جيدا عنهم ,, لذلك تراهم يتنافسون ويتعاجلون في إكرام الضيف إذا حل بمجلسهم ,, لكن ذلك المقام يبقى وفق تسلسل معين، فإذا تواجد رب البيت كان له الحظ الأوفر من أن يكسب ضيفه وإن كان غائباً فحينئذ ينوب الابن الكبر وهكذا، وقد يتنقل واجب الضيافة والاكرام إلى الزوجة التي تقوم أيضا بواجبها مرحبةً ومدبرةً لشؤون تهم البيت وتحيي معنى الضيافة بما يؤكد ان هذه المسألة لن ولم تغيب عن حضارة البدو والبادية في حياتهم.

ويضيف الماضي " قد تبلغ المنافسة بين أبناء القبيلة أوجها لنيل إقراء الضيف,, وقد شهدت بعض القضايا حيزا من هذا الشيء ,, فلطالما وصل بهم الأمر أي "المتنافسين" على واجب الضيافة ان اختلفوا حد اللجوء إلى "القاضي" الذي كان يترك الفصل بينهم رغم انه لا يبعد نفسه عن هذا الواجب ايضاً"، وفيما يلي تفاصيل الحوار:

* من العادات والتقاليد التي عرفت عن البادية اهتماماهم بإكرام الضيف ,, فما هو مفهوم الكرم عند البدو وكيف يكون؟
- الكرم صفة من الصفات الحميدة وهي صفة من صفات رب العالمين عزوجل , والكرم في البادية هو فطري فرضته ظروف المعيشة التي كانت تمر على الناس فكان لا بد أن يكون هنالك صفات طيبة التي من ضمنها صفة الكرم , فالكرم له عدة أوجه فأحياناً يكرم الانسان بحقه وهذا يعتبر صفة من صفات الكرم وصنف اخر يكون في تكريم الضيف الذي تكون تهتم فيه في بيتك فمهوم الكرم هو مفهوم واسع , وأهل البادية ظلو يتصفون بهذه الصفات وقد تكون مقاييس تقييم الرجال مبنية على صفات معينة لا سيما في يتعلق بالكرم والشجاعة , حيث أنها ظلت ولا زالت صفة ومفهوم رئيسي وبالصورة التي طرحتها لك وقد يأخذ الكرم شكلاً آخر كبشاشة الوجه التي تغني عن الماديات أياً كانت.

* ما الحكمة في ألا يسأل الضيف عن حاجته إلا بعد ثلاثة أيام وثلث رغم أنه يكون في بيت مضيفه ملازماً ومعايشاً؟
- سابقا كانت الناس تتنقل أيام حتى يصلوا إلى مقصدهم وبنفس الوقت الوصول الى المكان لا يعني الراحة للضيف، فيترك له مدة معينة يأخذ فيها الضيف قسطاً كافياً من الراحة له ولراحلته ,,لذلك لابد من من حصول الضيف على هذه الراحة بالدرجة الأولى خاصة بعد العناء والمشقة من المسافات الطويلة والثلاثة أيام والثلث هي فترة كافية لإعطاء الضيف حق الضيافة في الراحة، بينما الآن ولتقدم الحال ومواكبة التجدد تغيرت هذه العادة إلا فيما ندر، فالناس في البادية تغيروا عن هذه العادة بناءً على تطور نظام الحياة وكان لا يسأل عن حاجته هذه الفترة, وكأنها نقطة أو هدف من الأهداف الرئيسة التي تعامل معها أبناء البادية وكذلك أيضا هي قرينة تدل للضيف أن مضيفه ليس منزعجاً من وجوده في بيته وأنه على استعداد لتقديم واجب الضيافة وهذا لا شك من باب إكرام الضيف، وهنا أتذكر بيت الشعر الذي يقول: تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء.

* كيف تفهمون هذا البيت وما مدى تعاطيه مع الانطباعات لدى اهل البادية ؟
- أعتقد أن الشاعر أجاد طرحه بصيغة ايجابية توكد وتكرس معنى واحد هو أن الكرم سمة راقية عن غيرها من السمات أو الخصال ,, إذ أنها تبعد النظر عما هو دون ذلك من الأمور التي قد تعيب المرء وتغطيها لتظل هي الأبرز والأوضح، أما عن مدى التعاطي مع هذه الانطباعات فلكل مجتمع تركيبة معينة وأهل البادية اهتموا في تركيبتهم أن يغلب عندهم جانب الكرم والترحاب على غيرها من الجوانب التي تكمل تكوين المجتمع أو أي من المجتمعات التي تسعى دوما إلى الارتقاء.

* هل يقتصر الطيب والكرم فقط بالاطعام أم يتخذ أشكالا أخرى وما هي؟
- آخر أنواع الطيب والكرم أهمية هو الأكل والشرب، فهناك كثير من المواقف التي يثبت فيها الشخص كرمه ,, حتى ان هناك مقولة عند أهل البادية تقول أن المرأة التي لا حول لها تستطيع أن تطعم وتسقي، ولكن أحياناً هناك بعض الأمور بحاجة إلى مواقف حقيقية حتى تثبت أنك قدمت طيب وكرم لهذا الشخص أو المجموعه التي يحتمل أن تكون جاءت لتطلب منك شيء معين، وقمة الكرم عند أهل البادية أن يكون للضيف حق وتسمح لك قدرتك على تحصيله، كما يتخذ الكرم أشكال معينة كالتسامح مع الجار, ومع الزوجة خاصة في مراحل الانفصال


* لماذا تعتبر القهوة رمز للكرم عند أهل البادية , هل لها خاصية معينة أو قدر معين يمنع أن يقدم قبلها شيء للضيف؟
ـ اولا تعتبر القهوة مفتاح الدخول الى البيت والى الحديث احيانا ,, وهي عادة رمزية لها مكانتها ولها معناها المتوارث عند البدو ,, وخاصيتها انها عادة تدخل تحت نظام العرف والعادة التي تسبق كل شيء , لذلك فانك مهما تقدم من شيء لم تسبقه عادة تقديم فنجان القهوة تعتبر وكانك لم تقدم شيء، هذا الامر في الاردن وفي قبائل الوطن العربي التي تحوي القبائل البدوية وفيها حفاظ على النسيج العشائري وتدخل في باب الترتيب وليس التخيير لانها من الثوابت وليست من المتغيرات التي يتعاطى معها العرف البدوي.


* انواع فناجين القهوة عن ماذا تعبر ؟؟
- هي ثلاثة , فنجان الضيف , الكيف , السيف وهذه الفناجين تأتي على الترتيب ولكل منها مدلوله، ففنجان القهوة الذي يسكب في الاول هو للضيف ويعتبر من واجب الضيافه والذي لا يجوز تجاوزه أو اعتباره فنجاناً كغيره من الفناجيين لأنه عنوان الترحاب وهو من ضمن العادات المتمسك فيها تمسكا شديدا.

أما الفنجان الثاني وهو فنجان الكيف فاللضيف الحرية في قبوله أو رفضه فإذا قبله فهذا يعني برسالة مباشرة أن الضيف قد استحسن هذه القهوة وأن المضيف قد صنعها بشكل مقبول وإن كان العكس أي أن الضيف قد رفضها فهذا يعني أن المضيف لم يحسن عمل القهوة وأنها رديئة وعلى المضيف في هذه الحالة أن يجدد قهوته بقهوة غير التي قدمها.

الفنجان الثالث وهو فنجان السيف وهذا الفنجان يأتي بعد أن يستحسن الضيف الفنجان الثاني ويشربه وله الحق في قبوله أو رفضه لكن مسألة قبوله هذه المرة هي مسألة حساسة جدا ولها تبعات إلزامية على الضيف , فهذا الفنجان يفرض على الضيف أن يتآزر مع المضيف في السراء والضراء وأن يشارك المضيف في الدفاع عنه إذا ما تعرض المضيف في أيامه القادمة إلى أي خطر.

* هل هناك أنواع لفناجين أخرى في البادية للإكرام؟
- هناك فنجان مفتاح الحديث للجاهات العشائرية هذا الفنجان يعتبر أيضا فنجان حاجة وإكرام والكرم فيه يأتي بعد تلبية الحاجة، خاصة إذا كان هناك حالة تمنع كالزواج وغيرها, ويدخل هذا الفنجان في موضوعات إنهاء الإشكالات والنزاعات وهو موقد كرم بلا أدنى شك.

* من دلالات الكرم عند البدو , في حال وجود ضيف عند احد ابناء القبيلة يتسابق الجميع في القيام بواجب الضيف فيقوم احدهم بدعوته على الغداء واخر على العشاء وتجد الحرص من الجميع على نيل شرف اكرام الضيف ,, كيف تفسر هذا الامر مع ما يعانيه بعض هؤلاء من فقر وضيق احوالهم المعيشيه ؟؟

- هذا يدخل في تفسير باب التكامل والتكافل الاجتماعي ,, وهذا عنوان قمة الكرم ,, فأنت عندما تقدم شيئاً رغم ضيق الأحوال فهذا الشيء برأييي هو أثمن من أن يثمن ,, وعندما يتكاتف الجميع في كسب الضيف فإن هذا الأمر يخفف من العبئ عن المضيف الأمر الذي يعزز نهج الكرم ويرسخه فالكل متعاون والكل يهتم بهذا الضيف.


* ينشأ البدوي منذ نعومة اضفاره على الكرم ويحرص الجميع على التحلي بهذا الخلق الحسن ,, ولكن كيف تنظرون إلى من يتصف بغير هذا الخلق أي البخل وكيف تتعاملون معه؟
- البخيل !! , نسأل الله جل جلاله أن يعفينا من البخل ,, فالبخيل هو من سيواجه مشكلته في الدرجة الأولى ,, وغالبا يظهر التمايز في كيفية تعامل الناس معه عن غيره ,, فالتعامل مع الشخص الكريم يختلف عن التعامل مع الشخص البخيل إذ أن هذه المشكلة أي البخل تنسحب على من يمشي على مساره من عائلته وتعطي انطباع سلبي لدى الغير ولد المعايش لهذا البخيل إن وجد من يعايشه.


* كيف أثرت متطلبات الحياة الحديثة وما تحملها من أعباء مادية إضافية على صفة الكرم عند أهل البادية ,, هل غيرت من فهم البدوي لصفة الكرم؟
- نوعا ما الظروف الحالية انعكست على الناس ,, لكن هذا لا يعني أن هذه الظروف غيرت من فهم البدوي لمفهوم الكرم ,, هي أعاقت ولكنها لم تمنع فالكرم لا يقاس بهذه الصورة بل يقاس بمدى تقديمك إلى ما تيسر وليس وفق حسابات خاطئه يعتقد بها الناس.

* يعتبر الكرم من أبرز الأخلاق عند البدوي ,, ولا بد من قصص مؤثرة في هذا الجانب ,, لو تفضلت وذكرت لنا بعضا منها ؟؟
- أحد أجدادي سابقاً كان اسمه شبيب كان عنده ناقه وكانت تعتبر مصدر الرزق الوحيد لهذه العائلة وكانو يعتاشون على ما تدره من حليب,, والمفارقة أنه عندما جاءه ضيوف في إحدى الليالي وأرادوا أن يحلو بوها فلم يجدو فيها حليبا كي يقدموه للضيف ,, فالناقة لم تدر الحليب والضيوف لازالوا موجودين ,, عندها قرر ذبحها وتقديمها للضيوف وهي كل ما يملك.
لكن الجميل في القصة هو أن الضيوف لما علموا بهذه القصة أنشدوا فيه قصيدة عرفت عندنا في البادية وهي قصيدة تشير الكرم وقممه المطلوبة وتقول:
اللي يريد الجُودة * الجودةَ ماهي مِشورةَ
يسوي سواة إبن ماضي * "شبيب" ذباح الميسورة
والجودة مصطلح يفيد معنى الجود أي الطيب والكرم والرفعة عن البدو وبعض القبائل العربية.( عن شباب الدستور )