الأردن والولايات المتحدة .. تجارة اليوم واستثمار في ازدهار الغد
أ.د تركي الفواز
22-12-2025 01:29 AM
تواصل العلاقات الاقتصادية بين الأردن والولايات المتحدة مسارها التصاعدي، مدفوعةً بشراكة مؤسسية متينة تجمع بين السفارة الأمريكية وغرفة التجارة الأمريكية في الأردن، في نموذج يعكس انتقال التعاون من مستوى التبادل التجاري التقليدي إلى شراكة تنموية أعمق وأكثر استدامة، هذه العلاقة لم تعد محكومة بالأرقام والمؤشرات التجارية فحسب، بل باتت قائمة على رؤية استراتيجية طويلة الأمد تعيد تعريف دور كل طرف في منظومة الاقتصاد الإقليمي والعالمي، وفي هذا السياق أكد جيم هولتسنايدر، سفير الولايات المتحدة لدى الأردن، أن الشراكة المتنامية تسهم بشكل مباشر في تعميق وتوسيع العلاقات التجارية بين البلدين، وتعزيز قدرتها على الصمود في وجه التحديات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، وأشار إلى التزام بلاده بدعم الأعمال التجارية الأمريكية في الأردن بما يخدم المصالح المتبادلة ويخلق فرص نمو حقيقية، مؤكدًا أن الأردن يُنظر إليه كشريك اقتصادي فاعل لا كسوق تقليدي محدود.
وتكتسب هذه الشراكة أهمية خاصة في ظل ما يتمتع به الأردن من مقومات جاذبة للاستثمار، تشمل موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا، واستقرارًا مؤسسيًا، وبيئة تشريعية محفزة، إضافة إلى قوى بشرية مؤهلة، هذه العناصر تجعل من الأردن منصة مناسبة لانطلاق الاستثمارات الأمريكية نحو أسواق أوسع في الخليج والعراق وشرق أفريقيا، وفي المقابل يتيح السوق الأمريكي فرصًا كبيرة للصادرات الأردنية، ويسهم في رفع تنافسية القطاعات الإنتاجية والخدمية، لا سيما الصناعات التحويلية، وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات ذات القيمة المضافة، ولا يقتصر أثر التعاون الاقتصادي الأردني–الأمريكي على زيادة حجم التبادل التجاري، بل يمتد ليشمل نقل المعرفة والخبرات، ودعم الابتكار، وتوسيع شبكات الأعمال بين القطاعين الخاصين في البلدين، فالتجارة هنا ليست غاية بحد ذاتها، بل أداة لتمكين الاستثمار، وخلق فرص العمل، وبناء قيمة مضافة طويلة الأجل تعزز الثقة والاستدامة في العلاقات الاقتصادية.
أما الدعم الأمريكي للأعمال التجارية في الأردن، فيتخذ طابعًا عمليًا ومباشرًا، بعيدًا عن مفهوم المساعدات التقليدية، فهو يبدأ بتوفير مظلة مؤسسية ودبلوماسية عبر السفارة الأمريكية لتسهيل التواصل مع الجهات الحكومية الأردنية والمساعدة في تجاوز العقبات التنظيمية والإجرائية، خصوصًا في مراحل دخول السوق، كما يشمل دعم الشركات الأمريكية في التعرف على الفرص الاستثمارية والقطاعات الواعدة، وتعزيز الشراكات مع نظيراتها الأردنية، والاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين لتسهيل النفاذ إلى الأسواق وتقليل الكلف، ويمتد هذا الدعم إلى العمل المشترك مع الحكومة الأردنية لتحسين مناخ الأعمال، وتعزيز الشفافية، وحماية الملكية الفكرية، وتشجيع الإصلاحات التشريعية والتنظيمية التي تقلل من مخاطر الاستثمار، كما تُتاح أدوات تمويل وضمان مخاطر عبر مؤسسات أمريكية داعمة للاستثمار الخارجي، مع تركيز خاص على القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة، والتكنولوجيا، والصناعة. ويُضاف إلى ذلك برامج بناء القدرات ونقل الخبرات الإدارية والتقنية، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، وربط الشركات الناشئة بمنصات وشبكات أعمال أوسع.
وخلاصة القول، فإن الدعم الأمريكي للأعمال التجارية في الأردن لا يتمثل في تمويل مباشر أو منح، بل في نموذج يقوم على التسهيل الذكي، وتوسيع النفاذ إلى الأسواق، وتقليل مخاطر الاستثمار، وبناء شراكات طويلة الأمد. هذا النموذج يعكس رهانًا استراتيجيًا على تحويل تجارة اليوم إلى استثمار في ازدهار الغد، عبر شراكة اقتصادية قائمة على المصالح المتبادلة، وقادرة على مواكبة التحولات العالمية، وبناء مستقبل أكثر استقرارًا ومرونة لكلا البلدين.