عن اردني يحلق في سماءات التفوق والنجاح .. بقلم : هاني الكايد العدوان
22-12-2009 02:05 PM
انشد المتنبي ذات يوم وقال :-
اذا غامرت في شروف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في امر صغير كطعم الموت في امر عظيم
قبل الولوج في قصة نجاح اردنية سطرها احد ابنائة تواثبت الي ذهني تلك الحكمة الصينية التي تحفز على النجاح اذ تروى كقصة ، بأن شابا ذهب الى رجل طاعن في السن ، سائلا اياه مفتاح النجاح ، فاحضر الرجل العجوز ، اناء به ماء ، فاستغرب الشاب امر العجوز، وسأله لماذا الماء ، فقال العجوز ، اريدك ان تنظرفيه وتخبرني ماذا ترى ، فنظر الشاب الى الاناء فأمسك العجوز برأسه وغمره في الماء وضغط عليه بقوه ، فقاومه الشاب بشده ، وخلص رأسه من الماء ، فصرخ في وجه الرجل العجوز ، فاجابه ، اهدأ ، اريد ان اعطيك درسا ، فقال الشاب ماهو ، فاجابه العجوز ، هل رأيت مدى حاجتك للهواء ورأسك داخله، فقال الشاب ، نعم كبيرة ، فقال الرجل العجوز ، هكذا النجاح ، لابد وان تطلبه كطلبك للهواء .
وقال ابن القيم رحمه الله ، لو ان رجلا وقف امام جبل ، وعزم على ازالته لأزاله ،
إنني بهذه المقدمة لست بصدد بيان عوامل النجاح، ومرتكزات القيادة، والريادة بقدر ما هي محاولة لازالة مفهوم المستحيل الذي تأزم في عقول السواد الأعظم من الناس ، في حين ان الغالبية يمتلكون المواهب والابداعات ، غير انهم استكانوا للهزيمة في اول مصادفة مع الفشل ، وقد تجاهلوا ان الفشل انما هو محاوله اولى تستدعي دراسة اسبابه وتجاوزها بالارداة والعزم والتصميم والحكمة ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.
وقلما نجد مبدعا تدركه الصعاب ويتجاوزها بالعزيمة والارداة ، كتلك التي تحلى بها واحد من ابناء وطننا الاردني وهو الكابتن الطيار محمد الخشمان ، الذي ادرك نجاحات لكن بعد تخطيه عثرات ومدلهمات من الخطوب ، تجاوزها بالصبر والحكمة ، والدراسة الموضوعية التي تحتكم الى العقل والمنطق ، وبفراسة الرجال الذين شبوا على الأصالة من المهد وترعروا على وشائم الكرم ، نبتوا من الصخور ، وعاشوا على السنم الشماء كالصقور .
هذا الرجل الذي لم يثنه الدلال الذي لاقاه في كنف جده واهله عن المثابرة وبذل الجهود المضنية وتحدي الصعاب وركوبها ، لنيل المجد ، لعلمه وادراكه ان الصعود للقمة لا بد وان يكون محفوفا بالمخاطر ، واقتحمها ببسالة الابطال ، لم يرق له النظر الا الى النجوم ، متسلحا بالايمان والعلم ، والثقة بالنفس التي جعلها ابية على الصغائر ، مثله بذلك اذا ما النفوس كبرت ، تعبت في مرادها الاجسام . فمنذ نعومة اظفاره شب على خلاف جيله بحكم قربه من جده رحمه الله الذي كان وجيها بين قومه وواحدا من اعمدة السلط وكان نائبا في مجلس النواب الاردني مما جعله محيطا بامور السياسة خاصة في تلك الحقبة الزمنية من عمر الاردن ، المليئة بالاحداث الجسام والصراعات الاقليمية والدولية المؤثرة ، كان مثالا في التحدي لنيل ماهو مستحيل بالنسبة لجيله ، يرسم خطوط المستقبل ويتأمله ، مدركا حجم المعوقات التي تحول دون تحقيق مافيه من تجليات ، لكنه اصر على التحدي ، يرسم ببراءة الطفوله وأمل العظماء الطائرات ، والطيور ، ويرنوا الى الأيام والسنين لتمضي به نحو تلك الاماني لتكون واقعا يعيشه كما اراد ان يكون ، لم يفشل قط في رسم ملامح مستقلبه بخيارات متعددة ، اما ان يكون مهندسا ، او طبيبا ، وشاءات الظروف ان تحول دون تحقيق اماله ، لكنه لم ييأس ، ولا بد ان يستجيب القدر ، فعقد العزم بعد ان انهى تعليمه الثانوي عام 1977 لمواصلة ارتقاء السلم ، متجهما الغربة والابتعاد عن الاهل والوطن ، فسافر الى الباكستان للدراسة ، مبعوثا على حساب الديوان الملكي الهاشمي ، وماهي الا شهور قليلة على ابتعاثه واذا بالامور السياسية والاحداث التي جرت في الباكستان في ذلك العام تعصف بكل اماله ، حيث تم اعدام الرئيس الباكستاني الراحل علي بوتو ، فاغلقت الجامعات ، فعاد الى وطنه ، لكنه لم ييأس ولم يجعل للمستحيل بأسا عليه ، فصادف اثر عودته موعد تقديم الطلبات للالتحاق بسلاح الجو الملكي الاردني ، ليكون نسرا من نسوره وواحدا من خيارات الطفوله ، فتقدم للامتحان وحاز على النتيجة المرضية لدخوله بجداره الى صفوف الجندية والفروسية ، وامضى 27 شهراً في التدريب في ميداين البطولة وفي سماءات الوطن العبقة باريج الابطال ، وتخرج نسرا ، برتبة ملازم طيار ، وواصل مسيرة التقدم حتى اصبح مدربا للطيارين المبتدئين ، وشارك في العروض الجويه ، وفحص الطائرات ، وحصل على المرتبة الاولى وشهادة تقدير بتفوقه في دورة تدريب الطيارين من الولايات المتحدة في العام 87م. خرج من الخدمة العسكرية في عام 1996 بعد مطالبات استمرت لأربع سنوات بقيت طي الادراج،لكنه خرج كأصغر طيار وأقل خدمة 16 عاما .
كان اصرارة على مواصلة تحقيق النجاحات والوصول الى الهدف المنشود الذي رسمه في مستهل حياته حلما لا بد من تحقيقه ، وبدأ مشواره بالتجاره ، لم يتجاهل طموحة بأن يكون على رأس شركة طيران خاصة في ذات يوم ، يمتلكها ، والتحق بالعمل في في الاجنحة العربية في دبي كمساعد طيار الا انه طموحه كان اكبر ، فاستدل بالهامه وتفكيره المستقبلي ان يستأجر طائرة لنقل الركان من دبي إلى مدينة بندر عباس الإيرانية كانت طائرة روسية سعة 30 راكباً وكانت انطلاقته الاولى للوصول الى الهدف ففي اليوم الاول صعد على الطائرة راكبان وفي اليوم الثاني صعد 17 راكبا وبعد ذلك أصبحت تشغل ثلاث رحلات يوميا نتيجة الإقبال فعاد إلى عمان وبدأ يفكر بإنشاء شركة طيران ودرس القانون الأردني والأنظمة ولم يجد ما يمنع من أن ينشىء شركة طيران عارضة ، ولكنه لاقى معارضة كبيرة ، من الاقارب والمسؤولين ، وكثرت السدود امامه ، وبقي على اصراره لادراكه ان النجاح لا بد وان يكون محفوفا بكل ما واجهه ، وامام اصراره على تحقيق ما كان مستحيلا بنظر المسؤولين وغيرهم ، الا انه حصل اخيرا على رخصة انشاء الشركة "الاردنية للطيران" مع بعض الشركاء ، وكان نتيجة نجاحاته في استئجار الطائرات وتشغيلها على خطوط عالمية ، وبدأ مسيرته بخطى الواثق ، وحقق ما يصفه البعض بالمعجزات ، حتى اصبحت الاردنية التي يمتلكها ويرأس ادارة مجلسها واحدة من شركات الطيران العالمية المرموقه ، وتبعها بتأسيس الاسكندرية للطيران ، وواحدة في المانيا .
لم يذهب الكابتن الناجح ابن الاردن بعيدا عن اهله واحبائه ، ومواطني بلده ، ولم يثنه علو المنزله والشأن والمال عن تتبع كل صغيره وكبيرة تحيط باقاربه وبالبسطاء من عامة الناس ، قلق على الفقير والمسكين ، داعم لكل انشظة وفعاليات الخير ، نبع فياض من الكرم والجود ، صاحب قلب رؤوف ، محب للناس ، مشارك لهم في افراحهم واتراحهم ، لم يترك بابا يطل منه على عمل الخير الا ودخله ، شارك الوطن في اوجاعه وانينه ، فساهم في دعم المشاريع التنمويه ، وغيرها ، دعم الرياضة والرياضين ، والمنتديات الثقافية ، وجمعيات المحافظة على التراث ، ودعم التعليم من خلال نادي المعلمين ، وكرم اوائل الناجحين في الثانوية العامه ، وساهم في العمل الخيري وفي لجان الزكاه واقامة موائد الرحمن الرمضانية ، ولم يأل جهدا في دعم المرأة في كل مناحي حياتها .
الجلوس معه يعد فائدة ، فمنه تستقي الدروس في النجاح ، والنظر الى محياه تستبشر المستقبل بالأمل ، لم تفارقه الابستامه ، واذا ما التقيته فانك تستشعر حب الله له ، فما احب الله عبدا من عبيده الا وحبب الناس به ، فهنيئا للكابتن الخشمان النجاحات ، وقبلها حب الناس له ، وهنيئا للوطن وهنيئا لنا بوجوده بيننا ابنا بارا لهذا الحمى الهاشمي المبارك ، وليكن الكابتن محمد الخشمان مثار نزعة لكل مجتهد ، وصوره مثالية للعظماء ، ورمزا للتفاني والاقدام ، ومحفزا للعطاء .
* الكاتب الامين العام لاتحاد الكتاب والادباء الاردنيين والصورة للسيد الخشمان.