facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إلى مخلد بركات .. عرّاب القرى ومبدع التفاصيل


إبراهيم السواعير
19-07-2020 12:13 PM

حين هبط علينا يوم الجمعة مثل طيرٍ كبير تظلل جناحاه سماء القرية، قلنا: يا لمخلد بركات البخيت، وهو تتعلّق به الأعين وتشخص إليه الأنظار التي ما يزال يخطفها بخفّة واقتدار؛ تماماً مثلما يسرق البرق أبصار معجبيه، أو يسحر الناي صِبْيةً مأخوذين بصوت الغريق!
مخلد بركات، عرّاب القرى ومسوّقها من شاشة التلفزيون الوطني إلى الناس، ربما يكون قليل الظهور أو حيياً في البرنامج الجميل "مشوار" الذي يهيّئ فيه الشخوص والمكان ويجهز "الداتا" التي عاشها ووقف على تلالها وهضابها وهوى به الحلم خلالها مرّاتٍ ومرّات إلى الوادي قبل أن يتعافى، فيعلو قمّة الجبل من جديد.
في "الرباحيّة"، و"عراق الأمير"، وفي كلّ قرانا في الشمال والوسط والجنوب، وفي معالم العاصمة عمان، ما يزال "أبو عبدالرحمن" يذرع المكان ويحمل إلينا وجوه آبائنا وجدّاتنا والمعمرين والشباب الطموح الصادح بأغنية الوطن؛ وهو إذ يفعل ذلك فإنّما هو يضرب أكبر المثل في الوفاء لهذه القرى، غير ملتفتٍ إلا إلى بدايات عملٍ مؤسسي جاد أو نبوغ تطوّعي أو اكتشاف وردةٍ أو مغارة أو نقشِ على صفاة، أو شجرة تينٍ تفلّعت من ظهر طورٍ قديم.
وإذا كان البرنامج الهادئ غير المغرم بالنصيحة والوعظ والروتين الذي تعايشنا معه في برامج مملّة، يمسّ الوجدان وتتحدّث فيه كاميرا الفنان المبدع المخرج رائد عربيات وتنقل حواراته المذيعة المبدعة دانا الشرعان، فإنّ مخلداً البركات قديرٌ بالفعل على أن تصوغ ذراعه حلقاتٍ وحلقات لا نستمع فيها إلا إلى إبداعه في السرد وتوثيقه المكان بنكهةٍ "مخلديّة" نعرفها نحن المهمومين بكلّ ولادةٍ جديدةٍ في الأدب الأردني والعربي، فما بالنا ومخلد البركات قد وُلد قبل أن يولد التاريخ بزمنٍ بعيد، ومن أراد أن ييتّم نصوصه أو تثكله صفحاته فليتبعه إلى حيث كتب وأشّر ومحا وشرب من ماء الجرن، حين تنبأت له العرافة بقلبٍ من حديد تذيبه النساء والدور والحقول وطقوس الإبداع.
مبدعٌ في كلّ شيءٍ أنت يا مخلد؛ في قلبك الطيّب ومحيّاك النبيل ومكتبك في وزارة الثقافة الذي لا يغادره زائره إلا وقد علق به إبداعٌ أو تلبّسه طقس، أو خرج لا يدري كأنّما أصابه نوعٌ من مس.
وحين يكتب الأديب توثيقاً، فيكون خبيراً مثل مخلد بركات الذي حاز قصب السيكودراما بلا منازع، وحاز فلسفات الإبداع بحكم شهادة الدكتوراة التي يراها متمماً لما جُبل عليه من إبداع،..ساعتها يثرى النصّ وتتسع دائرة الكاميرا ويكون المكسب للتلفزيون في هواجس مبدع أو سيرته مع مكانٍ أو استعادته شيئاً من طفولة أيّام زمان.
على أيّة حال، في "الرباحيّة"كان مخلد بركات يضيء لرفاقه في سيارة التلفزيون، على الطبيعة والجغرافيا والتاريخ واجتماعيات الناس وسلوكهم المستمدّ من رقة الماء وكبرياء الجبل ووعورة الطريق ولطائف السهل، وكان في حديثه جميلاً بكلّ بهائه المعروف عنه وأسلوبه اللغوي الجذّاب، وحين أوصل الأمانة إلى أهل القرية انسحب من المشهد بكلّ تواضعٍ وهدوء لتواصل زميلته الشرعان تلبية الفقرات التي أُعدّت مسبقاً في حلقةٍ تتبعها حلقاتٍ، فطاقم هذا البرنامج هم فَراشٌ يتطاير إلى قرى عديدة، وأحاديثهم العذبة هي فِراشٌ لكلّ إبداعٍ لاحقٍ يتأسس على هذه الأحاديث المجبولة بحب الوطن والفرح بما أمكن من تفاصيل.
في الرباحيّة كان الهجيني يتخلل صحوة رجل طيّب يفرح بالذهب الأصفر و"شوالات" يخيطها بعد أن أترعت بالخير، فيما جبلٌ من هذه الغلال لا ينتهي ينتظر مباركة يد صاحبه والدعاء عليه،..حياة جميلة وأنفاس ليس بينها وبين خالقها حجاب...راحة بال وثقة بالمكتوب؛ فوالله لو مرّت رقطاء من جانب هذا الرجل الطيب وتلوّنت بلون التبن ما أصابت صاحبها بسوء، لعينيه المعلقتين بالسماء، وهو على ثقة ويقين بالموسم الجديد، بالرغم مما يصيب البشريّة، كلّ البشريّة، من بلاء.
أمّا مخلد بركات فله مع الحيايا قصصٌ وأعاجيب، وله مع البحر مغامرات، في ما كتب وأبدع من قصص وروايات، وشذرات جديدة ما يزال النقاد حائرين في تصنيفها؛ وما ذاك إلا لنفس هذا المبدع الكبيرة التي باتت تتزاحم عليها خيوط القصّ والشعر والرواية، وهو يبدو مثل عملاقٍ يعصر من الحجر ماءً ثجاجاً أو لبناً سائغاً للشاربين.






  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :