facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الخيوط السبعة


عامر طهبوب
03-01-2022 12:19 PM

أقلعت طائرة الخطوط الجوية التونسية من مطار عمان القديم في ماركا، في أحد أيام آب من عام 1982 متوجهة إلى أثينا، وعلى متنها الطلبة: كايد هاشم، عبير طهبوب، كارولين فرج، جواد العمري، حسين سالم السرحان، موسى الطراونة، وعامر طهبوب.

سَمح كابتن الطائرة التونسي للمجموعة بدخول القمرة، وأخذ صورة جماعية معه. أشاروا للكابتن إلى الأراضي الفلسطينية، وذهل عندما أدرك أنه على خط التماس مع فلسطين.

الرحلة هدية مقدمة من شركة الرينبو للسياحة والسفر لصاحبها لمعي حدادين، مكافأة من جامعة اليرموك على نشاط المجموعة اللامنهجي. لم يكن منا من يعلم الأثر الذي ستتركه الأيام الستة في وجدانه وذاكرته المستقبلية.

أربعون عاماً مضت على يومٍ وصلنا فيه إلى فندق «بريزيدنت» في حي «أمبيلوكابي»، تفوح رائحة «الجراك»، ويجلس السياح العرب على مقاعد مطعم علاء الدين في الطرف الآخر من شارع «كيفيسييس». لا أحد ينسى المرشد السياحي قيصر، طالب سوداني يدرس الطب في جامعة أثينا، ويستخدم اسم «سيزر» في عمله. على الرغم من قصره، إلا أنه كان وسيماً جذاباً حكاءً، ويُكثر من استخدام عبارة «خَشم الباب»، للتأكيد على انتظارنا له عند وصوله في الصباح، ليقلنا في حافلة صغيرة مخصصة لنا فقط.

كان موسى الطراونة يعاني على الدوام من قلة ساعات النوم، حتى جهدنا في إقناعه أن اليوم هو الإثنين وليس الثلاثاء، وعندما اقتنع قال: «طبعاً، ما إحنا مَمِنّمش». عانى أيضاً من فقر الإفطار ومحدودية خيارات الأكل.

ليس من السهل على «كركي» أن يصل إلى حالة الإشباع بزبدة وعسل، أو بيضة مسلوقة. حسين سالم السرحان وأنا، لنا اهتمامات مشتركة، امتلك حسين استعداداً جاداً ليكون شقياً. عندما كبرنا قال: كنا مشاغبين. أدهشتنا أثينا، وفتيات أثينا، وأعناق فتيات أثينا، وفكرة الإنطلاق، لكننا كنا مكبلين، ومنضبطين بالإكراه، بسبب وجود أختين لنا هما كارولين وعبير. وجود الأنثى يجبر الرجل على الانضباط والتهذيب، ليس بخاطره أحياناً، ولكن لأنه لا يستطيع أن يخرج من عقاله، ولا أن ينزع عنه ثوب أهله، والأخلاق التي تربى عليها. النزعة الشرقية المحافظة دفعتنا إلى منع كارولين وعبير من الركوب على دراجات هوائية منفصلة خشية من معاكسات الشباب. كارولين كانت مشاكسة من طراز ظريف، كأنها لم تصدق أن رجالات حرس يقفون في حالة استعداد أمام مبنى «السنتيغما»، هم من طراز البشر، كيف لا يرمش لهم طرف. اقتربت من أحدهم، وأخذت تلامس يده في محاولة لدفعه على الحركة، لكنه صمد. كايد وجواد وموسى في قمة الاتزان، حتى في خطواتهم، لم يفقدوا إحساسهم بضرورة الحفاظ على الوقار، كان سلوكهم على النقيض من شياطين تختبئ في زاوية ما، في عقلي وعقل حسين، لكنها لم تأخذ فرصتها.

تناولنا طعام الغداء في بيت «معزب حشم»، هو الدكتور نزال البيالي السرحان رحمه الله. وقفنا معاً على قمة «الأكروبوليس»، وتسكعنا في «بلاكا». بهرتنا أثينا القديمة. نسمع كل يوم عشرات الأساطير، حتى فلتت معظمها من ذاكرتنا، إلا أساطير الحب، ظلت - على الأقل في ذاكرتي -عالقة.

لم نكن نعلم أثر الصورة التي نلتقطها معاً على أعلى قمة في أثينا. لم نعرف أثر الصحبة في وجداننا، وأننا نخط في رحلتنا إلى جزر «هايدرا»، و»بوروس»، وإيغنا، أسطورة حب ستعيش عقوداً، بل ستعيش عمرنا معنا، ونعيش فيها، ولم يخطر ببال لمعي حدادين الذي كان على متن الطائرة بصحبة أخيه عبد الله، في طريقهما إلى تونس، ولا بخاطر دولة الدكتور عدنان بدران، والدكتور مازن العرموطي اللذين اختارا أسماءنا في أحد اجتماعاتهما خلال انعقاد مهرجان جرش، أنهم جميعاً يؤسسون إلى علاقة أخوة صلبة، وُلدت في اليرموك، ونمت في رحابها، ولكن أثينا منحتها تربة أسطورية أخرى لتغرس جذرها فيها.

وقفنا على هضاب أثينا نطلّ على بحر إيجه، وعلى سواعد بحارة يرفعون الصواري، جلسنا على بحيرة «إيفيا» نرقب حركة الماء، قبل أن نصعد إلى «خلكيدا»، ونعود مرة ثانية إلى «إيفيا»، لنرى الماء يتحرك في اتجاه معاكس لحركته في الصباح، وقفنا على تاريخ سقراط، وأفلاطون، ولوقيبوس، وهرقليدس، وفيثاغورس، نشاهد تماثيل «فدياس» النحات، وصداقته ببلوتارخ. لم نكن نعلم أننا ننحت صداقة أخرى، ليكون الوطن الأردني هو «البارثينون» الذي نعرض فيه وشيجة من خيوط سبعة، ونعود إلى عمان وقد حملنا بأيدينا الشمس والجَمال والحب والخصب والساقية والحبر والتبر، ونعود وقد عضّنا حنين إلى حضن عمان، ليسرد أحدنا الحكاية، بعضاً من حكاية، بعد أربعين عاماً، على صفحات «الدستور».





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :