لمن الوطن ؟ هل هو لكل من يحمل البلد أم لكل من يدّعي الوطنية ؟ هل الوطن لأناس مخصوصين أم أن الوطن لكل من يعيش على ترابه ويتنعم في خيراته ؟

الوطن ليس كذلك؛ فالوطن هو العقيدة الراسخة في وجدان الإنسان الصالح، الذي يخاف الله في كل حين، وتسيل دموع عينيه إذا حلّت مصيبة بأهله وربعه وترتعش أحاسيسه إذا هبّت رياح على الوطن، فيظل الوطن مسكونا بقلبه. فيظهر انتماؤه للوطن بوطنية صادقة وأفعال وسلوكيات طاهرة، ليس مجرد أقاويل وأهازيج وادعاءات.

الوطن للفقراء والبسطاء والمساكين. والوطن للعسكر الذين يحملون أرواحهم على أكفهم كل صباح، ولرجال الأمن العام والمخابرات وهم يتحرّون أمن الدولة وأمن الناس على حساب حياتهم وعائلاتهم. والوطن للشهداء الأبرار قدّموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله والحمى.

والوطن للموظفين الذين تتعبهم رواتبهم المحدودة فلا تبهرهم مفاسد الدنيا، وللشرفاء والكرماء والأحرار: متقاعدين وعمالا وصانعين ومعلمين، يتقنون أعمالهم وحرفهم فلا يغشّون ولا يخدعون ولا يخونون. وللفلاحين؛ يصحون مع شمس الفجر وصلاة الصبح، وينتشرون في الأرض طلبا للرزق والعفة والحياة الشريفة وينشرون فيها عبق الحياة.

والوطن لمن يعرف مواقيت الآذان ودقات أجراس الكنائس؛ يرفعون الأكف لله بالدعوات والابتهالات ويحافظون على الزكوات والصلوات، ولا ينقطع حبل الرجاء بينهم وبين السماء.

والوطن لأصحاب الأرض ممن يعرفون مواعيد الحراث والبذار ومواسم الحصاد والرجاد ويتغنون ساعة البيدر وجني الغلال.

والوطن لكل كاتب صادق نزيه، همّه الناس وقضاياهم وبوصلته البلد ورفعته، ولا يصيغ كلمة أو يتفوّه بجملة إلا بعد أن يستشير ضميره اليقظ ويحتكم إلى أخلاقه الأصيلة، فيجافي الزيف والزور والخداع والضلال.

والوطن للأم التي تربي أبناءها وتبني أسرتها على قيم الفضيلة والأخلاق الحميدة والسلوك الحسن والرزق الحلال وتحافظ على بيتها ومشروعية حياتها، فتجعل من منزلها وطنا صغيرا جميلا مصنعا للأجيال التي تدافع عن الوطن وتؤمن بقضاياه.

والوطن لكل مسؤول نـزيه، علت رتبته أو قلت، وزيرا أو قاضيا أو مشرعا أو موظفا، يتحرى العدالة والإنصاف والشرافة ويحرّكه ضميره النقي في تفاصيل عمله، ويخشى الله بقلمه قبل التوقيع على أي قرار أو إصدار أي خطاب، حسّه ألا يظلم أحد ويحافظ على قرش الدولة أكثر من حرصه على دنانير محفظته، وبصيرته على المصلحة العامة كي ينام قرير العين بقلب مطمئن.

والوطن ليس للفاسدين والمرتشين واللصوص وذوي الأرصدة الكبيرة والقاصات المغمورة بالذهب والفضة والقواشين لم يتحروا الحلال في جمعها، والوطن ليس لذوي المناصب والمكاسب الذين ينقلبون على الوطن إذا ما انقلب الكرسي عليهم.

والوطن ليس لأي مجرم أو قاطع طريق أو من يحمل سلاحا أو يطلق رصاصة على صدور حماة البلاد وأبنائها الكرام. والوطن ليس لمن ينتمي بفكره ويده للطغاة والجهلة والفاسدين ويكون ولاؤه للظلمة خارج الحدود.

والوطن ليس لأي إنسان يحصر قـِبلته ويقيد همّه بمصلحته الخاصة ومكاسبة الشخصية وحساباته البنكية المنتشرة في بلاد الدنيا، فلا يجعل للفقراء والمساكين نصيبا منها، ويتهرب من تأدية واجبه الوطني بدفع الضريبة أو المشاركة ببناء بلاده وعمران مؤسساتها.
والوطـن هو الأردن الذي نؤمن به، ونحيا ونعيش ونموت على أرضه، ولا نرضى سواه بـديلا.

(الدستور)