facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الثقافة فن الحياة والتحضر


أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
26-04-2023 12:01 PM

هنالك فهم خاطئ لمصطلح الثقافة بأنها تعني القراءة الكثيرة فقط و هذا يسلخها عن موروثها الاجتماعي و المعارف الأخرى من العادات و التقاليد و هنالك خطر كامن يتمثل بأن أولويات الفرد تتبدل وفق هرم ماسلو في مراحل الصعوبات الاقتصادية بحيث ترتد الى قاعدة الهرم لتلبية الحاجات الاساسية من الطعام و الأمن و تتنحى الهوية الثقافية بما فيها من معارف و ارتقاء و تهذيب السلوك الى الهامش. أهدف من هذا المقال الى فهم صحيح للثقافة و علاقتها بالهوية الثقافية للفرد و المجتمع و الحاجة الى حراس الثقافة في أوقات الازمات لتبقى بوصلة توجيه لمكارم الاخلاق و ارتباط بالموروث الثقافي و القيم و العادات.

الثقافة في اللغة العربية الفصحى هي التهذيب (ثقف الرماح أي برئها و تهذيبها) و في الدارج تطلق خطأً على من يقرأ كثيرا كما ساوضح و هي ترجمة عن المصطلح الغربي (culture). يخلط البعض بين الثقافة التي هي صفة للفرد و الحضارة التي هي صفة للمجتمع فنقول فرد مثقف في مجتمع متحضر.

أنا أرى أن الثقافة لها ثلاث مكونات سلوكي، عاطفي و عقلي بالتالي فهي اكتساب للمعرفة من القراءة و العادات و التقاليد و الموروث الاجتماعي يؤدي الى ارتقاء الوعي و النفس و الذائقة و كليهما يقودان إلى تهذيب السلوك باشكالة المختلفة. إن نقص أي من المكونات الثلاثة ينزع صفة الثقافة و المثقف، فالشخص مهذب السلوك دون معرفة و ارتقاء هو جار طيب و لكن ليس مثقف و الفرد الذي يقرأ كثيرا دون ارتقاء في الذائقة و الوعي و تهذيب في السلوك سينتهي الى التعالي على محيطه منعزل عن الواقع متشائم و متاجرا بعثرات مجتمعه.

المعرفة لا بد أن تنهل من مصادر مختلفة من القراءة و النبيل من العادات و التقاليد و الموروث و عقائد المجتمع لان الثقافة و الهوية الثقافية هي محلية و سور حامي للمجتمع من الغزو الثقافي أما ان اهملت الموروث و المحلي تصبح مستغربة منسلخة عن واقعها سهل غزو مجتمعها و حرف بوصلته لذلك لا بد أن تشكل الثقافة هوية محلية من النبيل من موروثها لتشكل وعاءًا يستوعب القادم من الآخر ينتقي منه و يعيد تشكيله بما يناسب هوية المجتمع. غير ذلك سيكون مجتمع هش منغلق متعصب يرفض الآخر و يخاف من الاختلاف و يشكل بيئة خصبة للغزو الثقافي و زرع الاختلاف و التناحر و الفوضى.

الارتقاء بالوعي و الذائقة و النفس يكون بأخذ النبيل و طرح الغث ففي مجتمعنا العربي لنا موروث الفارس النبيل القائم على النخوة و اغاثة الملهوف و العون على عثرات الزمان و هو ما يعبر عنه في مجتمعاتنا بالنشمي و السنافي و ابن الاصل و ابناء الشيوخ و غيرهم من المصطلحات التي تشير الى مكارم الصفات من عاداتنا و تقاليدنا و ديننا و موروثنا الاجتماعي.

كل ما سبق لا بد أن يؤدي الى تهذيب القول و الفعل حكما و المجاملة و اللياقة في التعامل و في تفاصيل الحياة اليومية.

الفنون و ان كانت جزءً من الثقافة و لكنها في الحقيقة مرآة الثقافة الاجتماعية فان صعدت و ارتقت الثقافة ارتقت معها الذائقة و ارتقت الفنون و الكتابة و إن انحدرت الثقافة انتشرت التفاهة و الفن السوقي.

الصعوبات الاقتصادية و الكوارث و الحروب تغير اولويات الافراد و تعيدها الى الاحتياجات الاساسية المعيشية مثل الاكل و الشرب و البحث عن الأمن و بالتالي تصبح المعارف و الارتقاء و التهذيب خارج تلك الاولويات فتختلط معالم الهوية الثقافية للمجتمع ما لم يكن هنالك نخب تقوم على الحفاظ على الهوية الثقافية لتكون مرجعا للعامة يربطها بعاداتها و تقاليدها و موروثها من مكارم الاخلاق. الاخطر أن الثقافة تبنى بعملية تراكمية طويلة و بالتالي فإن استعادتها بعد تحسن الاحوال الاقتصادية تحتاج عملا دؤوبا و زمن طويل يعاني خلاله الافراد و المجتمع خصوصا جيل الشباب من ضياع البوصلة و الارتباط بثقافته فينتشر جلد الذات و انتقاد الموروث لصالح التعصب و التعمق في السطحية و عقدة النقص من الآخر يرافقها عقدة التعالي على المحيط.

اختم لاقول أن الثقافة عملية نهل من المعرفة باشكالها لكن مرتبطة بالنبيل من الموروث الاجتماعي الذي يقود للارتقاء الفكري و النفسي و تهذيب السلوك و ذاك يحتاج لعملية واعية تقودها النخب و الدول لتحافظ على هويتها الثقافية الخاصة التي تشكل مجتمعا متحضرًا مرنًا يقبل الاختلاف و يحترم الآخر و يعتز بذاته و يعلي قيم النخوة و الشهامة و الفروسية فينعكس على تفاصيل الحياة اليومية و الفنون و الانتاج الادبي و المعرفي.

قبل الختام أضع رأيي في الفن و مواقع التواصل الاجتماعي التي همشت الاعلام الرسمي و التي يجب أن تؤخذ بجدية في عالمنا العربي حيث أنها برأيي ليست فقط ترفيهية و لكن لها دور كبير في رسم صور نمطية لمجتمعات و توجيه للثقافة في غياب القراءة و التفكير النقدي في مجتمعاتنا. يجب أن لا ننسى أن الفن و الاعلام في مرحلة المد اليساري رسم صورة نمطية لمجتمعات مثل الاردن و الخليج العربي و صورها كمجتمعات متأخرة و متآمرة على أمتها لتكشف الوثائق بعد سنوات أن هذه المجتمعات هي من قدمت الدم و المال في سبيل قضايا أمتها دون تمنن و أن اليسار لم يكن أكثر من ظاهرة صوتية قدمت الشعارات الرنانه و أورثت الأمة الفشل و الهزائم و الظلم و الاستبداد و إنني أرى اليوم أن تيارات اليمين تأخذ الدور المشبوه الذي اضطلع به اليسار يوما و يغذي ثقافة المؤامرة و الانكار و التعصب و فتح الابواب لأعداء الأمة من خلال شعارات عمومية تلغي وجود الدول و مؤسساتها و إنجازاتها و دعمها لقضايا أمتها و أرى أن المستهدف هو نفسه الأردن و الخليج العربي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :