facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




جراحنا ولدت قبلنا


عامر طهبوب
27-11-2023 12:41 AM

يبدو أن الأسر في سجون الاحتلال، علم السجينات الفلسطينيات الحكمة، ومكّنهن بطش السجان من الصلابة. شاهدت صور إطلاق سراح الأسرى من الإسرائيليات وهن يبتسمن في وجوه شباب الفصائل في لحظات الوداع، مشهد متكرر ينم عن أخلاق إنسانية راقية وسامية، وشاهدت في الجانب الآخر ما رواه الأسرى والأسيرات من أبناء فلسطين وبناتها، عن التعامل الفظ غير الإنساني الذي لاقوه في سجون الاحتلال، ويكفي ما قالته الأسيرة المحررة إسراء الجعابيص، أنها تركت خلفها في غرفتها طفلات فلسطينيات صغيرات السن، قالت إنهن تعرضن إلى "أشياء بتنشافِش"، وتلك عبارة تخفي خلفها اعتداءات لا يمكن رؤيتها، أو الحديث عنها، أو احتمال سماعها.

وتابعت حرس الحدود الإسرائيلي وشرطته المارقة التي داهمت بيت الأسيرة الجعابيص قبل وصولها إلى البيت، وأخرجوا الأهل والأقارب الذين كانوا ينتظرون وصول إسراء للاحتفاء بنيلها الحرية، وقامت سلطات الاحتلال بذلك الفعل عنوة، وطردت الصحفيين عن بكرة أبيهم، وأبعدت الجميع عن محيط البيت، وكل ذلك حتى لا يتم تصوير مشهد لقاء الأم الأسيرة بولدها المعتصم الذي حرم من حضن أمه ثماني سنوات، ولم يستطع أن يعانقها طيلة سنوات الأسر سوى مرة واحدة.

يخشى الاحتلال الإسرائيلي من فرح الفلسطيني، لا يريد أن يرى الفرحة على وجهه، لا يريد أن يعترف بخيبته أمام العالم، يود أن يسجل نصراً زائفاً، ويوهم العالم أنه حرر أسراه بالقوة دون مقابل، لا يريد أن تلتقط عدسات المحطات التلفزيونية مشهد خروج الأسرى من بوابة سجن "عوفر" المتواجد على أراضي بيتونيا الفلسطينية، لا يريد أن يرى مظاهر بهجه، أن يرى علماً فلسطينياً مرفوعاً، بل يريد أن ينغص على الشعب الفلسطيني حياته في لحظات الفرح، ويتصل رجالات المخابرات الإسرائيلية بأهالي الأسرى قبيل إطلاق سراحهم، لتحذيرهم من الاحتفاء بخروج ولدهم أو ابنتهم إلى الحرية.

تلك هي تفاهة المحتل بعينها، احتلال تافه لا يريد أي تصريح على لسان أسراه القادمين من غزة، لم يسمح لهم بالحديث إلى وسائل الإعلام، لكن تسريباً جاء على لسان مراسل القناة الثالثة عشرة الإسرائيلية "أور هيلر"، والمحلل العسكري "أرون بن ديفيد"، أكدا حسن معاملة الفصائل الفلسطينية للأسرى الإسرائيليين.

قلت أن الأسيرات الفلسطينيات امتلكن الحكمة خلف قضبان السجان، أصبحت الأسيرة تتحدث على طريقة "برنارد شو"، و"شكسبير" و"جيمس جويس"، وراق لي ما سمعته على لسان إحداهن: "جراحنا ولدت قبلنا"، تعلم الفلسطيني الصبر، استند إليه، اطمأن له، وثق به، والصبر نعمة إلهية، والصبر علّم الأسيرات انتظار الصفقات، ولا يخرج الفلسطيني من سجون الاحتلال إلا بصفقة، لا عن طريق مفاوضات السلطة الفلسطينية، ودعواتها لاستجلاب الحماية من بلاد الغرب، ولا تخرج السجينة، ولا يخرج السجين، بانتفاضة سلمية، بل عن طريق صفقة، صفقة وراء صفقة، وقد يعيد الاحتلال في أي لحظة الأسيرة أو الأسير إلى السجن مرة أخرى، ولكنه يعلم أن جراحه ولدت قبله، وأن الألم إرث فلسطيني يورث من جيل إلى جيل.

يعلم الفلسطيني أكثر من غيره أن محتله الغاصب تافه، وهش، ومرتعد، ومنفصم، ومهزوم، ومأزوم، وأنه لن يتخلى عن غطرسته، وبطشه، ولكن الفلسطيني يحافظ على سلاحه الجمعي: الصبر، وللصبر مفردات كثيرة تعبر عنه، وتحافظ عليه، وتغذيه، كأن تقول "معلش"، و"بسيطة"، و"الله كريم"، والحمد لله على كل حال، و"فدى الوطن"، و"فدى فلسطين"، و"فدى المقاومة"، وحسبي الله ونعم الوكيل، ولكن هذا الاحتلال تافه، سارق الحلوى من بيوت الأسرى تافه، وتافه لأنه يعتقد أن الشمس يمكن تغطيتها بغربال، وهو يستدعي أسر المزمع الإفراج عنهم في القدس إلى مبنى "المسكوبية" لتحذيرهم من إبداء مظاهر الفرح، فيما تستعد اليوم سلوان والعيسوية وشعفاط وغيرها من بلدات محيط القدس، لمعانقة أبنائهم الذين هم دون سن الثامنة عشرة. فرحتهم ناقصة، إنهم لا يحتاجون إلى تحذيرات إسرائيل بعدم الاحتفاء، وعدم إظهار مشاعر الفرح، لأن قلوبهم على غزة، وليس أبلغ مما قاله "أبو جميل"؛ والد إسراء الجعابيص: "ابنتي ليس أعز من اللي في الضفة، أو في غزة"، ولذلك تختلط مشاعر الفلسطيني دوماً، وأما الاحتلال، فهو تافه، وتافه.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :